قرار فرض إلزامية جواز التلقيح، لم يحرك فقط، أوثار اللغط والجدل، بل أثار موجة من الرفض والاحتجاج، برز معها "رافضون" حملوا يافطة الرفض والتشكيك في عملية التطعيم وما ارتبط بها من جواز، وبعضهم خرج إلى الشوارع للتعبير عن مشاعر الرفض وممارسات الإجبار التي تنهجها الدولة / الحكومة لفرض تلقيح يفترض فيه أن يخضع لمبدأ حرية الاختيار، وفي هذا الصدد، فالرافضون الذين خرجوا ويخرجون إلى الشوارع، يحتجون من زاوية الحريات وبوابة حقوق الإنسان ومدخل حماية الصحة الخاصة، مقابل ذلك، ترفع الدولة/ الحكومة يافطة مسؤوليتها في حماية الصحة العامة وكسب رهان التطعيم لبلوغ المناعة الجماعية في أفق العودة إلى حياة ما قبل الجائحة. وبين حق الشخص في حماية صحته، وحق الدولة في حماية الصحة العامة، تغيب الحقيقة العلمية الدامغة، القادرة على الإقناع ورفع ستار الرفض والتشكيك، لتنقسم الحلبة بين "مؤيدين" انخرطوا وينخرطون في حملة التطعيم بكل أريحية وجاهزية واستعداد، من باب الثقة في الدولة التي تتحمل مسؤولية حماية الصحة العامة والتدبير الأنجع للأزمة الوبائية القائمة، و"مترددين"، انخرطوا على مضض في الحملة بعد فرض إلزامية جواز التلقيح، لتفادي أية مشاكل أو متاعب في التنقل أو السفر أو في الاستفادة من الخدمات الإدارية، و"معارضين"، لازالوا أوفياء لصوت الرفض والاحتجاج لأسباب ومبررات .يتشابك فيها الشك باليقين. ماهو باد للعيان، أن جواز المرور، بات وثيقة رسمية معتمدة من قبل السلطات العمومية على غرار ما أقدمت عليه مجموعة من الدول عبر العالم، والحملة الوطنية للتلقيح تسير وفق ما رسم لها من أهداف، وطريق "المناعة الجماعية" أضحت معبدة أكثر من أي وقت مضى، ومهما كنا مع الدولة/ الحكومة أو ضدها، أو مع الرافضين أو ضدهم، لا مناص من احترام الحق في الاحتجاج ما دام لم يصل إلى مستوى تهديده للنظام العام، والمصالح الأمنية، لابد أن تتعامل مع خصوصية اللحظة، بالمزيد من الرصانة والمسؤولية والمهنية فيما يتعلق بتدبير هذا النمط من التجمهر "الاستثنائي"، الذي يتطلب تدبيرا "استثنائيا"، لأن اللحظة، تتطلب بدائل أخرى مرتبطة بالتواصل والإنصات والإقناع وقول الحقيقة كما هي، من منطلق أن " صحة الأفراد" هي جزء لا يتجزأ من "صحة المجتمع" أو "الصحة العامة"، أما الرهان على لغة "الطونفا"، فلن يزيد بؤرة الاحتجاج إلا توسعا ودائرة الشك إلا تمددا. سواء تعلق الأمر بفرض إلزامية جواز التلقيح، أو ببعض الفئات المعارضة التي خرجت إلى الشوارع بقصد التعبير عن الرفض والاحتجاج، فبدون شك، نحن أمام تمرين صعب وشاق من تمارين جائحة كورونا، لابد أن نتجاوزه بنجاح وبأقل الأضرار الممكنة، وهذا يقتضي التحلي بقيم المواطنة الحقة والتزود بجرعات كافية من المسؤولية والشفافية والمصداقية، والحرص كل الحرص على حماية الحريات والحقوق، التي لا يمكن المساس بها أو انتهاكها، بمبرر "الصحة العامة" ودافع "بلوغ المناعة الجماعية"، وفي هذا الإطار، لايمكن إلا أن نتفهم مسؤولية الدولة / الحكومة في حماية الصحة العامة وتجنيب المواطنين شر أية انتكاسة وبائية محتملة، لكن بالمقابل، هناك حقوق وحريات كفلها الدستور الجديد، لابد من استحضارها ورعايتها، عبر التدبير الأمثل للاحتجاجات، والإيمان بالحق في الاحتجاج والرفض، الذي يمكن مواجهته، عبر الرهان على التواصل الفعال مع المواطنين وتملك أدوات الإقناع في إطار من المسؤولية والمصداقية والوضوح والشفافية، بعيدا عن "كوفيدات" الإكراه والإلزام، في ظل جائحة عالمية تقتضي البيان والبرهان. الرافضون من حقهم رفض الانخراط الإلزامي في حملة التطعيم من منطلق أن الجسد هو ملك لصاحبه، لكن ليس من حقهم إلحاق الأذى بالآخرين الذين اختاروا التحصين عبر التطعيم، كما ليس من حقهم عرقلة المجهودات المبذولة حرصا على الصحة العامة، وحماية للمجتمع من أية انتكاسة وبائية محتملة، قد تفرض اللجوء مرة أخرى إلى خيار التشديد بكل تكلفته الاقتصادية والاجتماعية والحقوقية، وبعيدا عن لغة الجدل، ودون الخوض في أية نقاشات قانونية، نرى أن الإشكال لايكمن في الجواز التلقيحي المفروض، بل في مقتضيات قانون الطوارئ الصحية المصوت عليه من قبل نواب الأمة في عهد الحكومة السابقة، والذي يمنح الحكومة الحالية على غرار السابقة، إطارا قانونيا لتدبير الأزمة الوبائية دون الحاجة إلى المرور عبر القنوات التشريعية الاعتيادية، لذلك، إذا كان من لوم، فلايمكن أن يوجه إلا لمن صوت على هذا القانون ومنح عبره الحكومة، مساحة قانونية واسعة، لفرض ما تراه مناسبا ولازما من القرارات ذات الطابع الاحترازي، وهذا لايمنع من توجيه قسط من اللوم إلى الحكومة، لأن قرار فرض إلزامية الجواز التلقيحي جاء متسرعا ولم تسبقه أية مرحلة انتقالية، طالما أن الوضعية الوبائية مطمئنة أكثر من أي وقت مضى، وبالتالي لم يكن هناك أي مبرر معقول أو مقبول للاستعجال في تنزيل قرار، فتح ولازال يفتح أسئلة ونقاشات دستورية وقانونية وحقوقية وصحية. أصوات الرفض الآخذة في التنامي والتمدد في المغرب كما في العالم، من الصعب تجاوزها أو عدم الانتباه لها أو التعامل معها بنوع من اللامبالاة من قبل صناع القرار السياسي والصحي على وجه التحديد، خاصة وأن بعضها صدر ويصدر عن بعض الأطباء الأقرب دون غيرهم من واقع الحال، والذين لم يترددوا في التحذير من المخاطر المحتملة للتلقيح على الصحة، والبعض منهم وصل حد التشكيك في حقيقة الأزمة الوبائية القائمة، وما يزيد طين الرفض والاحتجاج بلة، خروج بعض المواطنين عبر مواقع التواصل الاجتماعي احتجاجا على تعرضهم إلى مضاعفات صحية بعد تلقي الجرعات، والأخبار الرائجة بشأن فساد بعض اللقاحات، دون إغفال الحديث عن بعض الوفيات المسجلة هناك وهناك، والتي ربطت بعملية التطعيم في غياب النفي أو التأكيد من الجهات المختصة، وهذه الأصوات التي تتقاطع في دائرة التبخيس والتحذير والتشكيك، تقتضي من السلطات الصحية، تقديم تفسيرات بشأنها، ليس فقط في إطار الحق في المعلومة، ولكن أيضا من أجل طمأنة المواطنين الذين لازالوا يقفون عند عتبة التردد أو الشك، أما التحذيرات الصادرة عن بعض الأطباء، فيفترض التعامل معها بالحجة الدامغة والبرهان العلمي الذي يقطع الشك باليقين، من باب الوضوح والمصداقية والصراحة مع المواطنين. ومرة أخرى، نلح على ضرورة استعجال وضع استراتيجية تواصلية فعالة من قبل السلطات الصحية، قادرة على الإخبار وحسن الإقناع، خاصة في إطار ارتفاع جرعات التحذير وتنامي منسوب التشكيك، وفي ظل الحديث عن اعتماد محتمل لجرعة رابعة بعد الثالثة …، وفي جميع الحالات، إذا كانت الدولة/الحكومة قد اتخذت فرض إلزامية جواز التلقيح من باب مسؤوليتها في حماية الصحة العامة، فذات المسؤولية، لابد أن تحضر بنفس القوة والمتانة، في الحالات التي يتعرض فيها المواطنون إلى مضاعفات صحية مرتبطة بتلقيهم لجرعات التلقيح، إذ، لايمكن أن تحضر "الصحة العامة" قبل التطعيم، وتغيب بعده، لذلك، فمن الضروري بل ومن الواجب، أن يتم التكفل بالحالات التي تعرضت إلى مضاعفات أو مشاكل صحية بسبب التطعيم، وفي هذا المستوى، تحضر الدولة/الحكومة الراعية والحامية والمسؤولة والملتزمة، على أمل ألا ينسينا اللغط الجاري بخصوص التلقيح وجوازه، بعض القضايا الجوهرية التي تشغل بال المواطنين، من قبيل ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة والبطالة والتعليم والصحة والحماية الاجتماعية والحوار الاجتماعي، والرهانات التنموية المرتبطة بالنموذج التنموي الجديد، والتحديات الخارجية المرتبطة بالوحدة الترابية للمملكة، وقبل هذا وذاك، مدى قدرة الحكومة الجديدة على الوفاء بكافة الوعود والالتزامات، وأن تكون ذاك البديل الذي بحث عنه المغاربة في محطة ثامن شتنبر.