تقديم لن يختلف صديق وعدوه وعربي وعجمي وسياسي وتقنوقراطي، الخ، حول كون المدرسة اليوم، هي المنقذ من التيه، والمرجعة للعالم عقله، وللإنسانية إنسانيتها. المدرسة كانت ولاتزال، وعليها أن تكون هي الفضاء الآمن والمعلم للأمن والآمان والمحبة والجمال والتفكير والنقد وتقبل الآخر. فضاء للتعلم وبناء الذاكرة والشخصية. من الممكن اعتبار مرحلة التعلم أسمى رحلة في حياة الإنسان. إنها الأجمل على الإطلاق. فيها نبني علاقات إنسانية نعود إليها لكي نحتمي بها في أي محطة من محطات حياتنا، لاسيما، حينما يتقدم بنا العمر وتقترب لحظة وداع هذه الحياة. في المدرسة، نتعلم، ونلهو ونستمتع بالحياة. أبانت الجائحة وتمديد العطلة الصيفية هذه الأيام، كيف أن الأسر أصبحت راغبة و"مستعطفة" لمن بيدهم القرار، لكي يعود الأبناء للمدرسة..حاول أن تنجز حصة دراسية واحدة ولمدة ساعة واحدة يوميا، لكي تكتشف، كيف أن المدرسة رحيمة بك أيها الأب أو أيتها الأم، بل هي رحيمة بالمجتمع برمته. إذن، وفي ظل ما تعرفه الإنسانية اليوم من تمزقات مجتمعية عديدة، بعضها ذاتي والآخر موضوعي، سيزداد وهج المدرسة وستتقوى مستقبلا رمزيتها وسلطتها التربوية، مهما حاولنا التقليل منها، فهي بمثابة تلك النبتة التي حتى وإن قمنا ب"تزفيت" الأرض أو ببناء بناية ما فوقها، لكنها لن تموت. ستعود مخلخلة ما وجدته فوقها قائلة لمن لم يحترم حقها البيئي، ها أنا عائدة مهما حاولتم محوي. فكذلك هي المدرسة، لن تموت ولن تمحى قيمتها والحاجة إليها مهما مارسنا العديد من المناورات بحثا عن "تضبيع" و"تبضيع" الإنسانية ومحاولة "تعليبها" وبيعها بحثا عن الربح ولاشيء آخر غير الربح. سؤال لابد منه وفق ما سبق ومن أجل تعميق وظائف المدرسة المتعددة، نتساءل كالتالي : – كيف من الممكن، تطوير وتقوية هذا الدور الخالد للمدرسة، في أفق تقوية شخصية المتعلم وجعله إنسانا مفيدا لذاته، ولغيره، ولوطنه، وللعالم أجمع؟. السؤال يحيلنا اليوم على العديد من المهام التي على المدرسة أن تقوم بها، في ظل هذه العولمة، وفي ظل كل ما من شأنه أن يجر العالم، ولا قدر الله، إلى حروب فيروسية هي اليوم سلاح جديد غير مفصول عن العديد من الصراعات العالمية ذات البعد الاقتصادي بين الدول الكبرى المتصارعة حول قيادة العالم. في اعتقادي المتواضع، علينا تطويع وترويض المحتويات البيداغوجية التي نعلمها للمتعلم اليوم. كيف من الممكن على سبيل المثال، أن نبني شخصية المتعلم من خلال حصة الرياضيات أو الفيزياء أو العربية أو الفرنسية أو الإنجليزية، أو من خلال أي مادة دراسية يتعلمها المتعلم في مرحلة التعليم الأولي والإبتدائي أو الإعدادي أو الثانوي مرورا بالعديد من المحطات الجامعية أو التكوينية وفي مجالات عديدة؟. ببساطة، ودون تعقيد ولا ركوب على حقل مفاهيمي معقد، أقول، إننا في حاجة إلى إعادة النظر في طبيعة تكوين المدرس. خطوات مهمة سلكتها بلادنا من أجل جعل التكوين يكون مسايرا للعديد من المستجدات المهنية، الخ. مجهودات عديدة أيضا تم بذلها من لدن مراكز التكوين المختصة في تكوين المدرسين وعلى امتداد هذا الوطن. في نفس السياق، لازالت كل الإدارات التي لها صلة بالتعليم بدورها تقوم بالعديد من الجهود كالمديريات المركزية والأكاديميات، الخ. لسنا من دعاة النظر فقط ودوما إلى النصف الفارغ من الكأس، بل علينا تثمين الجهود المبذولة، لاسيما من لدن بعض الغيورين على قطاع التعليم وهم موجودون هنا وهناك، والإيمان بكون طريق الإصلاح في مجال التربية والتعليم والتكوين والبحث، الخ، طريق شاق وصعب ويتطلب التسلح بالصبر. فهل من الممكن غرس نبتة والحصول فورا على الفاكهة؟. لكن، هذا لا ينفي أن سؤال التجديد في أفق البحث عن متعلم/مواطن، محب للحياة والجمال وغير قادر على إلحاق الضرر بنفسه، ووطنه، والغير، مهما كان معتقده، أو شكله، أو نظرته للحياة، فهنا، لابد من التفكير في كيفية ربط التعلمات بالحياة دون المس بأي برمجة أو تخطيط أو تدبير أو تقويم، الخ، كما قد يعتقد البعض، لاسيما الذين همهم الوحيد تفريغ المحتوى في جوف المتعلم بأي طريقة كانت؟. في البحث عن قناطر ذهبية من نوع آخر عادة ما يخطط المدرس درسه في بيته بحثا عن تحقيق هدف ما، وفي الوقت نفسه، وهو يخطط درسه، في باله كفاية أساسية يسعى إلى تحقيقها بعد نهاية مرحلة تعلمية محددة. نادرا ما نلتفت إلى التفكير في دمج سؤال واحد على الأقل ضمن الأسئلة التي نبني بها ومن خلالها تعلماتنا المنشودة. فهل على سبيل المثال، نستحضر سؤالا بسيطا من قبيل: لماذا سندرس (أو لماذا درسنا) اليوم درس كذا؟ . هل تعتقدون أنه سيكون مفيدا لنا في حياتنا؟ ما بعض منافع هذا الدرس في حياتنا اليومية داخل دروبنا أو منازلنا أو مدينتنا أو قريتنا؟. هذه الأسئلة من الممكن طرحها في البداية أو في النهاية، وبصيغ متعددة تتناسب مع طبيعة الفئة المستهدفة. فرصة، لجر المتعلم يفكر ويستخرج من المحتوى المدروس بعض العناصر الرابطة بين ما تعلم وبين ما يحتاجه في الحياة. إنها القنطرة التربوية والذهبية والرابطة بين ما نتعلم وما نحتاجه في حياتنا اليومية. عديدة هي المنافع الممكن استخراجها من كل درس تعلمناه في أي مادة من المواد الدراسية وعلى امتداد السنة الدراسية برمتها. بل من الممكن تحويل مثل هذا السؤال أو الأسئلة إلى أنشطة قبلية أو ورشة داخل القسم أو نبني به أو بها وضعية لدفع المتعلمين إلى التفكير، وفي الوقت نفسه نعلمهم على هذه القدرة المتعلقة بالتفكير . (ما أحوجنا إلى تعلم التفكير في مدرستنا). لن أنس لطمة أبي رحمه الله، وأنا طفل صغير في القسم الثالث من التعليم الابتدائي، حينما طلب مني قراءة عقد بيع أرض مكتوب بخط قديم في حين أنا أتعلم بكتابة أخرى داخل القسم. عجزت على القراءة وأنا المتباهي في دربنا وفي أسرتي بأنني محب للغة العربية ولبقية المواد الأخرى. طبعا أبي رحمه الله، بالنسبة إليه أن الدراسة تستجيب لحاجيات معيشية كقراءة عقد بيع، كتب بخط لا صلة له بي وبتعلماتنا في مادة اللغة العربية، وهو الرجل غير القادر على فك رموز ذلك الخط، والمعتقد أن ابنه متعلم ويكتب ويقرأ نفس الخط. من الممكن استخلاص عبرة قوية من هذا الحدث الطفولي والذي لازال يرخي بظلاله علينا ولو بشكل آخر في تعلماتنا. قصدي، هنا، أننا نتعلم العديد من التعلمات التي ننساها حينما نكبر ولا تمنحنا المدرسة في حينها كيف من الممكن أن نستخرج منها العديد من القناطر التربوية الذهبية الرابطة بين التعلم وحاجة المتعلم إلى العديد من المهارات المفيدة له في تفاصيل حياتية يومية في بيته ودربه ومدينته وقريته، الخ. خلاصة هدفي، إذن، هو كيف من الممكن أن يستحضر المدرس والمتعلم، وما ومن يدور في فلكهما، تلك الأسئلة/الأنشطة المولدة لروابط قوية ومتينة جامعة بين ما نتعلم وما نحتاجه في حياتنا اليومية. ما جدوى أن يطلب المدرس من المتعلم قراءة شعرية لقصيدة غزلية، دون أن تربي فيه هذه القصيدة، محبة المرأة و الابتعاد عن ممارسة أي فعل شنيع يتعلق بالتحرش بها أو التفكير في الإساءة إليها؟. ما جدوى أن يعلم المعلم المتعلم الحساب دون قدرته على معرفة الباقي استخلاصه، وهو طفل، مما أعطاه للبقال، مع العلم أن المعلم قد علمه في درس الحساب، عملية زائد وناقص في القسم؟. ما جدوى درس في البيئة في حين حينما يخرج المتعلم يلحق ضررا بأول شجرة وجدها مغروسة في الشارع؟. ما جدوى أن يتعلم المتعلم درسا يتعلق بالتناسل في درس الطبيعيات، وحينما يكبر ويتزوج يحمل مسؤولية ولادة الأنثى لزوجته دون أن يخلخل ذلك الدرس فكره الذكوري المتخلف؟ ما جدوى أن يتعلم المتعلم كيفية الوضوء أو يتعلم قيما دينية إسلامية أخرى في درس التربية الإسلامية، دون تحقيق ذلك لتربية حقيقية على النظافة والحفاظ على ممتلكاتنا العمومية، الخ. ما جدوى أن ندرس للمتعلم محتوى بيداغوجيا له صلة بحب الوطن، لكن حينما يكبر هذا المتعلم، لا يكون قلبه على وطنه، بل يكبر وقد تعلم، ومن الشارع أو من فضاءات أخرى، شيئا مخالفا لما تعلمه في القسم، إذ يصبح قلبه على قلوب أخرى غير قلب الوطن؟. ما جدوى وما جدوى؟؟؟. لنفكر، إذن، في التمرن على هذا النوع من الأسئلة/الأنشطة العديدة والمؤسسة لقناطر تربوية ذهبية حقيقية منتجة لما هو أفضل من الذهب. وحده التكوين الأساس والتكوين المستمر، الممكن الرهان عليهما من أجل تحقيق العديد من المظاهر النافعة للمتعلم وهو يشق طريقه نحو غد أفضل. فهل من آذان صاغية للتفكير في كيفية الربط بين التعلمات وحاجيات المتعلم في حياته؟. د. الحبيب ناصري المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين بالدار البيضاء