تعد الزهرة رميج رقم هام في الأدب المغربي المعاصر بحكم ما راكمته من مؤلفات أغنت بها الخزانة المغربية والغربية ب من الأعمال السردية والمسرحية الإبداعية والمترجمة، فالإضافة إلى ست مجموعات قصصية، للكاتبة عدد من الروايات منها أخاديد الأسوار: ط1 المركز الثقافي العربي/ الدار العربية للعلوم، بيروت، 2007. عزوزة: ط1 مطبعة النجاح الجديدة، الدارالبيضاء2010. الناجون: دار فضاءات للنشر والتوزيع، الأردن، 2012 الغول الذي يلتهم نفسه. دار النايا ودار محاكاة، سوريا، 2013 الذاكرة المنسية (سيرة ذاتية) دار فضاءات للنشر والتوزيع، الأردن، 2017 وتبقى رواية (عزوزة) – الصادرة في طبعتها الأولى عن مطبعة النجاح الجديدةبالدارالبيضاء سنة2010 في 373 صفحة موزعة على 46 فصلا مرقمين ترقيما تراتبيا – من أهم ما أبدعت أنامل رميج بحسب كل النقاد الذين قرأوا مؤلفاتها: تحكي رواية عزوزة حياة البطلة – التي اختير اسمها عنوانا للرواية – منذ ولادتها إلى ما بعد وفاتها لكن الكاتبة اختارت لروايتها بناء حكائيا غير تسلسلى فتبدأ الرواية وعزوزة في غرفة العمليات بعد وفاة زوجها تحدث ابنتها الكبرى حليمة تخبرها أن زوجها المتوفى يزورها في المنام ويستعجل قدومها وأنها تشتاق إليه ، ليرتد السرد إلى طفولة عزوزة وهي ترتع في البادية المغربية بين أفياء الشجر و التردد بين البئر وشجرة التين المقدسة، تعيش مدللة الأسرة تربطها بأبيها علاقة لم يظفر بها أحد من أبنائه الذكور والإناث ، محبوبة أمها وزوجة أبيها (الفقيهة ) التي لم تحظ بالإنجاب. في مراهقتها يتولد لديتها تعلق بأحمد صديق أخيها عبد الرحيم ، وغدا حلمها لن تقبل بغيره بعلا لها، لذلك لما تقدم لخطبتها أبن أحد الأعيان (الحلوف/ الخنزير) – الذي وصل به تباهيه بأموال أسرته حد تحضير الشاي على نار الأوراق النقدية بدل الجمر (أغلى كؤوس الشاي في التاريخ) – ثارت ثائرة عزوزة وفكرت في إذلال الخطيب بتمريغ نفسها في الرماد واعتراض موكب الخطوبة مما اعتبرته أسرة الخطيب رفضا وإذلالا فرجعت على أعقابها، وبما أن إرجاع متاع العروس والخطوبة إلى بيت العريس يعد نذير شؤم فقد عرجت أسرة الحلوف على بيت فيه بنات في سن الزواج فتخلصت عزوزة من عريس كان سيفرض عليها ، ولم تكن هذه الحادثة لتمر بهدوء على والدها الذي شعر بالإهانة أمام أعيان القبيلة فأقسم على الانتقام لشرفه بجلدها ، لكن أخاها عبد الرحيم و أبناء عموته خالوا دون تطبيق الأب لوعده مقدمين له ذبيحة، ومذكرينه بأن سماها على اسم أبيه (عزوز) مؤنثا الاسم الذي لم يسبق تأنيثه، وخوفا من فضائح أخرى لم يتردد الأب في قبول طلب أحمد صديق ابنه يد عزوزة، ويتحقق حلمها بالزواج من أحمد رغم رفض أمه، التي لم تتوان لحظة في الانتقام من عزوزة بكيدها وتوغيل قلب ابنها ضد عروسه ، وتتوالى النائبات على عزوزة وتقلب لها الحياة ظهر المجن، بوفاة أبيها برصاصة غادرة من المستوطنين الفرنسيين، ويتبعه أخوها وسندها ، وتجد نفسها وحيده بين قسوة الزمان وتربية ابتين (حليمة ونورة) وحماة لا ترحم تدعو ابنها كل حين للزواج بامرأة أخرى تنجب له الذكور، وهروبا من المشاكل اليومية بين الأم والزوجة ارتمى أحمد إلى في أحضان العاهرات والتردد على المواخير، وفي مجتمع يسمح للرجل – دون المرأة- بالخيانة يتعرف القارئ على معشوقات أحمد من العاهرات بدءا بفاطمة التي "يدلعها" بفاتي بعد زواج عشيقته الأولى مريم بأحد النصارى وغدا اسمها ماري ، وفي الماخور تتوطد علاقة أحمد مع بنحمادي الذي أضحى يخطط له مسارات حياته. فعرفه على النصراني مسيو فرانسوا مما اضطر معه أحمد للانتقال من القبيلة التي عاش فيها مع أمه ليستقر في قبيلة العين الزرقاء حيث سيشتغل بدكان النصراني وتزداد نيران العداوة اشتعالا بين عزوزة والحماة يكثر الاعتداء على عزوزة، فمرة وجدت الحماة ابنتها هنية تساعد عزوزة في أشغال البيت وعزوزة على وشك وضع حملها، هاجمتها الحماة أخذت معها ابنتها لتجد عزوزة نفسها وحيدة وقد فاجأها الطمث تجهد نفسها في وضع مولودها… تغيب عن الوعي ولما عادت إلى وعيها علمت أنها ولدت ابنا ذكرا وأنه مات وتم دفنه…. أمام تضييق الخناق على عزوزة لم تجد من متنفس سوى بيت مرجانة زوجة بلخير حارس بيت النصراني فرانسوا التي ساعدتها على استرجاع عافيتها وطالبتها بالاهتمام بجمالها وجسدها… وتستمر حياتها مع أحمد على كف عفريت يعطف عليها حينا ويعنفها ويخونها أحيانا كثيرة، وتتخلص نسبيا من حقد حماتها بعدما أضحت تنوب عن ابنها في الدكان عند غيابه، و اعتقادها بأن مسيو فرانسوا يحبها بعد أن أسمعها كلمات جميلة أحيت أنوثتها، لكن سرعان ما ثارت ثائرتها وهي تراه يلاطف ابنة ابنها، لتختلق على ابنها وجود علاقة بين زوجته عزوزة والنصراني فلم يكن إلا الانتقام من عزوزة بالضرب والإهانة وتتأزم وضعية عزوزة أكثر بعد وصول نعي ما تبقى من أفراد عائلتها في فيضان النهر المحادي للقبيلة بعد أمطار طوفانية…. ويأتي ازدياد الابن الذكر (حسن) مختونا والانتقال إلى بيت جديد وتحقيق أحمد لرواج تجاري ليخفف على عزوزة بعض أزماتها مع زوجها دون أن يلين ذلك علاقة حماتها بها ، ودون أن يمنع أحمد من التردد على المواخير، ليأتي خبر زواج أحمد من عاهرة (الحمرية) بعدما هجر فاتيلأنها خانت العهد بممارسة الجنس مع زبون آخر… تزوج الحمرية تأكد من عقمها ليحقق حلم أمه التي ما انفكت تطالبه بالزواج على عزوزة بعد أن أنجبت فتاتين توأما، وليلة الدخلة يختلق فكرة الرغبة في ذبح عزوزة والتخلص منها مما حتم عليها الهروب مع ابنها، وفي طريقها إلى المدينة يعترض سبيلها بنحمادي صديق زوجها الذي طالما تحرش بها، ليتقرب منها أكثر أخبرها بزواج زوجها، ووهدف أن يوغل قلبها عليه ويطالبها بطلب الطلاق واستعداده للزواج بها بعد أن يطلق إحدى زوجاته الأربع، لكنها أوقفته عند حده مقدمة له درسا في أخلاص المرأة ، وحفاظا على كرامة أبنائها تقبل بالعودة إلى بيت زوجها لتنضاف لمآسيها مأساة الصراع مع ضرة عاهرة، و حرب انحازت فيها الحماة للزوجة الثانية، ولم تجد عزوزة في حربها سوى الاعتماد جمالها وحسن طبخها (الحل الوحيد الذي تملكه في صراعها مع ضرتها هو جسدها، ستتخذ منه سلاحا فعالا في معركتها معها، ومع أحمد نفسه. ستحرمه من هذا الجسد الذي تعرف مدى عشقه له… ستترك لعابه يسيل دون أن تطفئ نار رغبته المتأججة…) تتوطد العلاقة بين أحمد وبنحمادي الذي سيعمل على تجديد علاقة أحمد بعشيقة ماري التي تزوجت نصرانيا عجوزا أصيب بشلل نصفي… لم تقتصر العلاقة على تردد أحمد على بيتها بل وصلت جرأة بنحمادي درجة ترتيب زيارة لها لبيت أحمد الذي يحتم على زوجتيه تحضير عشاء فاخر وجلسة شاي كانت سببا في اكتشافهما لهوية ماري ومصارحته بالحقيقة لتنتهي الحفلة باعتداء أحمد على زوجتيه ومواصلة علاقته بماري في السر. وبعد استحالة تطبيق طلب ماري بتبني إحدى بنات أحمد ، لم يجد بدا من قبوله طلبها بشراء محصول ضيعات زوحها للسنة المقبلة، ومساعدتها على تجاوز أزمتها المالية، لكن اشتداد هجمات المقاومين على ضيعات المعمرين وإتلاف محاصيلهم واضطرار ماري للسفر مع زوجها إلى بلاده، سيصيب أحمد بإفلاس تتعقد وضعيته بعد اكتشاف أن بن حمادي كان من المتعاونين مع الاستعمار، هكذا يضيع ثروته ليجد نفسه مجبرا على الانتقال بأسرته للمدينة والتخلي عن جذوره البدوية، وفراق الأدهم فرسه ورفيق دربه الذي أعياه البحث عن مشتر يستحقه، ويصاب بحالة هستيرية لما علم أن من اشتراه سيذبحه ليأكل النصارى لحمه … يخيم الحداد على البيت أياما، وتوثر علاقة أحمد بزوجته الثانية التي اضطرت لطلب الطلاق، كما عادت أمه لإدارة ممتلكاتها بالقرية، دون أن يعيد ذلك علاقة أحمد بعزوزة إلى طبيعتها العادية رغم محاولة كل منهما التقرب من الآخر … في نهاية الرواية يعود السرد لغرفة العمليات وعزوزة تتمنى الالتحاق بزوجها ، وابنتها حليمة تستغرب من تعلق أمها بأحمد رغم كل ما سبب لها من مآسي في حياتها بالضرب والخيانة لتفاجأها عمتها هنية بوصية أبيها أحمد الأخيرة والسر الذي ظل يكتمه وطلب من أخته هنية عدم البوح به لابنته حليمة إلا في حالة شعورها بقرب أجلها أو أجل عزوزة ، ويتعلق هذا السر بأن زواج أحمد بالزوجة الثانية العقيم كان تعبيرا عن حبه لعزوزة وإرضاء لأمه وأن طلاقه للحمرية ونفوره من عزوزة كان بسبب العجز الجنسي الذي أصابه غداة بيع الأدهم وبعد إفلاسه التجاري. لتنتهي الرواية و حليمة تعاني حالة اكتئاب حاد نزيلة مصحة نفسية في عزلة ممنوعة من الزيارة تطالب بأوراق وقلم وما أن تحقق طلبها (حتى أمسكت حليمة بالقلم أزالت غطاءه بأصابع مرتعشة كتبت بحروف بارزة وسط الورقة العذراء: عزوزة) ليتكون الرواية من تأليف الابنة حليمة. هذه بتركيز شديد أهم أحداث رواية عززوة وهي رواية كبيرة الحجم مليئة بالأحداث لكن أهم ما يطبعها هو توثر علاقة عزوزة بزوجها رغم الحب الشديد الذي يجمعهما، وتقديم عزوزة لنموذج المرأة القروية الصبورة والمكافحة من أجل الحفاظ على تماسك الأسرة وتربية الأبناء مهما كان نوع العذاب الذي يعترض سبيلها، ونموذج المرأة المهتمة بجمالها وجسدها حتى في أحلك ظروف حياتها بل وهي على فراش الموت ولقد أخذ منها المرض والتعب ما أخذ ، لازال جسدها يشع جمال محافظا على رشاقته فالرواية تفتتح باندهاش الابنة حليمة من جمال جسد أمها (اندهشت كعادتها كلما رأتها عارية من صمود هذا الجسد ، كأن النيران التي اكتوى بها … كأن البطن لم يحمل نصف دزينة من الأطفال ولا ذينك الثديين أرضعا حتى التخمة ، تلك الأفواه النهمة) وعلى الرغم من اهتمام الرواية بالجسد لم تكن رواية خليعة كما وجدنا لكثير من الروائيا ت لكن ذلك لا يجعلها رواية عفيفة مطلقا … ذلك أن الرواية تحتفل بالجسد : أنوثة المرأة/ فحولة الرجل، وجعل جسد المرأة رمزا للجمال والخصوبة . فمنذ ظهور بوادر البلوغ على جسد عزوزة كانت (أنوثة متفجرة قبل الأوان… استدارة نهديها وتصلبهما… امتلاء جسدها استدارة مؤخرتها. نظرات الرجال الملتهبة التي تكاد تلتهما..) كما أنها تفننت في إبراز مفاتنها ولم تعمل مثل الكثيرات على إخفاء زينتها: (أطلقت العنان لنهديها ينموان ويرتفعان في حرية مطلقة، مخالفة بذلك أعراف القبيلة، نهدان يستفزان النساء والرجال على حد سواء…) وحتى عندما كبرت ظلت مقتنعة بأن الجسد هو ما يشد الرجل للمرأة تتساءل مستنكرة (ما الذي يدفع الرجل إلى التعلق بالمرأة، إن لم يكن جمالها؟ ما الذي ينقص المرأة وإن كانت جميلة وأنيقة وحاذقة وولودا…؟..) وقد كانت عزوزة حريصة كل الحرص علىى توظيف هذا الجسد في الأوقات المناسبة لذلك كانت تخرج ناجحة في كل معركة فرضت عليها، وتكون الخسائر أقل مما كان الكائدون يتوقعون (لقد خلصت إلى أنها حبها لجسدها هو سبيلها للتغلب على أعدائها لذلك لن تفرط في العناية به أبدا حتى لو أدى بها إلى الضرب ) ، لقد كان جسد عزوزة فاتنا ، وهذا من أسباب تعلق أحمد بها ارتباطه بها، لكن رغم جمال زوجته وحبه الشديد لها كان الجنس بينهما مأزوما، تخلله العنف منذ ارتباطه بها حتى وفاته ، ففي ليلة الدخلة و جد صعوبة كبيرة في فض بكارتها وجاهد بكل ما أوتي من قوة (يحاول اختراق الجدار الإسمنتي ، لكن صيحات الألم المكتومة تجعله يرفق بحبيبته) وانضاف إلى عنف الزوج عنف أقوى من خلال تدخل الحماة التي لم تكن تقبل عزوزة عروسا لابنها، فغدت تطعن في شرفها وتروج أنها ليست بكرا تقول محاولة استفزاز ابنها (كيف تقبل بها بعدما عبث الرعاة ببكرتها ) ، ولما بدأت تظهر عليها أعراض الحمل لم تجد الحماة (غنو) سوى اتهام عروستها بالتمارض ، ( إنها تتمارض تريدني أن أعمل خادمة لديها لكن ذلك لن يحدث أبدا ) ومزيدا في تعذيب عزويزة كانت (حماتها تنغص عليها حياتها … تغرقها بأبشع الشتائم )، ولما حاولت الرد عليها يوما شكتها لولدها واتهمتها بالتهجم عليها فلم يكن من أحمد إلا أن يفرغ كل عضبه في زوجته (لم ينبس أحمد بكلمة واحدة وإنما رفع يده إلى الأعلى وصفع عزوزة صفعة رأت إثرها النجوم تتطاير أمامها) لتكون تلك الصفعة فاتحة مسلسل من الرعب والعنف ، توالت حلقاته تباعا، بدأ من منع عزوزة من الفرح بمولدتها فعندما حاولت الفقيهة إطلاق زغرودة تعبيرا عن الفرح منعتها غنو (علام تزغردين ؟ هل تريدين فضحنا أمام الناس؟ ) وكانت تخطط باستمرار لتوقع بين ابنها وعروسه تتساءل وهي في خظم التفكير لبث الكراهية بينهما ( كيف أقتع ولدي العاق بعدم صلاحية هذه الزوجة؟ لا بد لي من إثارة شكه وغيرته فهي نقطة ضعفه ..) هكذا غدت تختلق الأكاديب وتبتدع أحداثا لم تقع، بهدف أثارة شكوك ولدها قالت له يوما (زوجتك شابة وتثير أنظار المارة … لم يرق لها جمع القمح الطري إلا في الوقت الذي كان فيه المتسوقون يمون عبر الطريق لقد كدت أجن وأنا أرى شعرها عاريا . أنا متأكدة أنها تعمدت إسقاط المنديل) فكان رد فعله سريعا، قويا وعنيفا (فما أن اقتربت منه حتى انقض عليها بعنف انتزع المنذيل من فوق رأسها فتساقطت ضفيرتاها أمسك بإحداهما من الجذر ورفع المنجل… حصد الظفيرة في رمشة عين… سقطت الضفيرة أمام قدميها كثعبان قطع رأسه) ، لكن رغم فضاعة الحدث فإنه لم يشف غليل الحماة فكانت سببا في حلقة تعذيب جديدة ( غيظها ازداد عندما لم تر آثار العنف على جسد عزوزة . لا جرحا غائرا ولا عينا منتفخة زرقاء ولا كمدات تغطي الوجه ولا عظما مكسورا انهالت الحماة عليها بالشتائم… ردت عليها عزوزة بالمثل .. أخذ سوطا .. شدها من ظفيرتها المتبقية التي لفها حول يده اليسرى وبدأ يضربها بجنون ) ، ولم تكتف الحماة بدفع ابنها لتعذيب عزوزة ، فكثيرا ما اعتدت عليها بنفسها ، وأحيانا كان التعذيب في لحظات حرجة جدا، كما حدث يوم انتزعت القرطين من أذني عزوزة بعنف وتركتها وحيدها تواجه معاناة المخاض والدم يسيل من أذنيها (أحست عزوزة بألم شديد في أذنيها . تحسسته فأدركت من لزوجة الدم وغياب القرطين حقيقة ما حدث ازداد ألم المخاض )، وتسبب لهذا ذلك في فقد أول مولود ذكر طال انتظاره لتعيش معاناة الثكلى النفسية والجسدية ، وتصل السادية بالحماة إلى اختلاق وجود علاقة بين عزوزة والفرنسي مسيو فرانسوا وما أن أوغلت صدر ابنها على زوجته حتى ( راح يكيل لها الركلات وقد انتابته حالة هيستيريا شديدة طار المقص من يدها ، فالتقطه في الحين ورمى به في وجهها محدثا جرحا غائرا في جبهتها) ، هكذا تكون عزوزة قد ذاقت كا أنواع العذاب الجسدي والنفسي، وتجازت الأهانة العذاب الجسدي إلى التعذيب النفسي من خلال خيانات زوجها لها مع العاهرات، والزواج عليها بعاهرة ( الحمرية) واستقدام العاهرة / المتزوجة بنصراني إلى البيت ، والجمع في الضرب والعنف بين الضرتين بطريقة جنونية دون سبب واضح فقط لأنهما كشفا أمر خيانته: (ثارت ثائرته … وجد نفسه يمسك بخناقها و يضغط بشدة على عنقها وكأنه يريد أن يزهق روحها . أسقطها أرضا وهو يكيل لها الركلات في كل مكان من جسدها أمسكت به الحمرية محاولة إبعاده عنها فإذا به يوجه لها أيضا لكمة أطلقت على أثرها صيحة. أحست كأن أنفها تهشم وتطايرت شظاياه في الفضاء، واصل ضربه غير مبال بصياحها قبل أن يرمي بها فوق ضرتها… ما أن لمح بعض أغصان الأشجار اليابسة … حتى أخذ أكبرها وأكثرها صلابة ورا يجلدهما بكل شراسة. وعندما تكسر الغصن أخذ الحبل الذي كان يربط به الكبش وطواه مرتين ، قبل أن يواصل جلدهما إلى أن كلت ذراعه غير أبه بصياح الأطفال وعويلهم…) في هذه الأجواء المشحونة كان من الطبيعي أن تستنجد عزوزة بكل الوسائل التي قد تخفف من معاناتها، حتى لو اضطرت للشعوذة ، فقد حضرت التفوسيخة ليلة الدخلة لما عجز أحمد عن فظ بكرتها… وعندما اشتد بها ألم ثديها بعد فقد ابنها، قدمت لها مرجانة وصفة غريبة (عليك بالذهاب إلى قبر ابنك ومعك حلزون ميت وجرة ماء بارد وهناك تحلبين ثديك فوق القبر وتضعين الحلزون المملوء بحليبك حيث رأس ابنك ثم ترشين القبر بالماء البارد…) ولما وقفت على معاناة عزوزة حاولت مرجانة ربط تلك المعاناة بالعين والسحر والحسد ونصحتها بوضع حرز يحميها من العين ووضع وشم على جسدها (الوشم الممتلئ ذو اللون الأزرق الصارخ يصد العين ولكل واحد منه دور محدد…) وبما أن العلاقة كانت متوترة بين الزوجة والحماة فقد كانت كل واحدة ترى في الأخرى مصدر تعاستها، وأن وراء ذلك عملا أو سحرا ما. فكانت الحماة تعتقد أن عزوزة سحرت ابنها وتتهم مرجانة بمساعدتها ( لا شك أنها تأخذ منها الشرويطة وتحرقها لتحرق قلب ابني .. وتعمي بصره عن تصرفاتها) كما كانت عزوزة تتعلق بأية قشة قد تبعد عنها أذى حماتها ، و تلين قلب زوجها وتعيده أحمد الذي تزوجته عن حب، وتجعله لا يسمع كلام أمه وتحريضها له، هكذا ما أن اقترحت عليها مرجانة طالبة (أن تجعلي زوجك يأكل خراء أمه ) ليكرهها حتى وجدت نفسها تطبق الوصفة ، وتتحين فرصة خروج الحماة غنو لقضاء حاجتها ، وتأخذ من برازها القليل بعود يابس، لكن انكشف أمرها لما حاولت دسه في الشاي لتحل اللعنة وينقلب حفل الشاي رأسا على عقب (غلا الدم في عروق أحمد ، أحس بالطنين في أذنيه … لم يشعر إلا وهو بقذف مدقة المهراس النحاسي … في اتجاه عزوزة … ارتطم بالجدار محدثا ثقبا غائر … قلب الصينية بحركة عنيفة من يده حتى تكسرت جميع الكؤوس…) وكان طبيعيا ان تنتصر الرواية في النهاية للحب ضد العنف والتسلط، فأنهت حال أحمد مصابا بالعجز الجنسي، وطعنه في فحولته التي طالما افتخر بها في جولاته بين المواخير ، لكن أنفته وعزة نفسه منعته من أن يصرح لزوجته بعجزه فتركها على ذمته متظاهرا بأنه لا يرغب في معاشرتها، محاولا أقناع نفسه بأن ما أصابه كان عقابا له عما اقترفت يداه يقول أحمد بعد اكتشافه لعجزه الجنسي: ( لقد فقدت رجولتي، وفقدت معها عزوزة إلى الأبد … الله انتقم مني .. لست أدري هل بسبب الذنوب التي ارتكبتها باتخادي الحمرية – المرأة الطيبة – مجرد أداة لحل مشاكلي أم لكوني لم أحافظ على عزوزة ولم أصن كرامتها حسب العهد التي قطعته على نفسي أمام أخيها وصديقي عبد الرحيم) وبقي يعيش ما تبقى من معمرة معاناة داخلية مفتصرا في كشف سره على أخته هنية وحدها التي قدمت له كل ما تعرف وما سمعت من وصفات لاستعادة فحولته دون جدوى ، وأوصاها قبل وفاته ألا تكشف سره لأحد سوى زوجته عزوزة وابنته حليمة متى شعرت بقرب أجل إحداهن تقول العمة هنية لحليمة: لقد أصيب أبوك بعد إفلاسه بالعحز الجنسي وحكت لها تفاصيل معاناته وحبه لزوجته عزوزة وندمه على كل ما سببه لها من ألم … يستنتج من خلال رواية عزوزة أنها جعلت من أزمة الجنس في البادية موضوعا لها، وأنها ظلت مثل عدد من الروايات التقليدية التي تقدم الرجل رمزا للتسلط، والمرأة روز للطاعة والصبر… والعلاقة بينهما معادلة طرفاها غير متكافئين، فهي ترى في الرجال (ناقصو عقل تتحكم فيهم غرائزهم فقط حتى الحيوانات أحسن حالا منهم) وأن الرجل لا يمكن الوثوق به أبدا فكل (من يملك ذكرا لا ثقة فيه حتى ولو كان فأرا) فهو يعنف المرأة يحتقرها يعتبرها كائنا بدون غرائز جنسية؛ فعندما صرحت عزوزة يوما برغباتها الجنسية لزوجها قائلة: ( أنا أيضا أحس بالرغبة) أجابها مستنكرا (وهل لديك قضيب ينتصب ويتشنج كلما أحسست بها فيجعلك تتلوين من شدة الألم) ، وكذلك يبيح الفكر الذكوري للرجل فعل ما يريد دون حسيب أو رقيب ، يخون زوجته، ، يعنفها، يتزوج عليها، يستقدم عشيقاته لبيتها ويجبرها على إعداد الطعام لهن … يحجمها ويجعلها مجبرة على الاقتناع بأن (الرجل يكون ملكا للمرأة داخل بيتها فقط لكنه بمجرد ما يتجاوز عتبة البيت يصبح ملكا لغيرها ضعي هذا الكلام نصب عينيك لتعيشي بسلام) على حد قول مرجانة لعزوزة… وقد كانت الرواية مناسبة ليعرج السرد على الكثير من القضايا الجنسية الحساسة مثل ما الذي يعجب الرجل في المرأة؟ وما ذا يعجب المرأة في الرجل؟ وأين يكمن سحر المرأة الذي يأسر الرجل في مظهرها الخارجي ، أم في معاشرتها؛ فإذا كان البعض يرى أن المظهر الخارجي هو الأهم (العري سيد مطلق.. الشعر حر، لا تقيده الضفائر، وإنما ينسدل فوق الأكتاف العارية، أو الخصور النحيفة، الملابس شفافة، تكشف مفاتن النساء بوضوح تام) ، فإن للخبيرات رأي مخالف تقول طامو لأحمد : ( الكثير من النساء يفتن جمالهن الخارجي الرجل، لكن ما أن يتوغل داخلهن حتى يغرق في الوحل لا يسمع إلا باق! باق ! باق… عندما يصل الأمر حد الاختيار بين الحلاوة الداخلية والحلاوة الخارجية . فالغلبة للأولى بالتأكيد) في الختام لا بد من الإشارة إلى أنه على الرغم كل ما فعله أحمد بعزوزة فقد ظلت تكن له الحب والتقدير لم تخنه يوما … وحتى بعد موته (ظلت تحتفظ بعطره وبعض ملابسه كانت … تغلق عليها غرفتها وتخرج جلابيبه ورزته الملفوفة بعناية وترشها بعطره تختلي بها وكأنها تختلي به تتحدث إليه تعاتبه برقة …) بل لقد اكتشفت أن كل ما كان يفعل بها إنما يفعله بدافع الحب، فلم يفكر يوما في الانفصال عنها، وحتى عندما فكر في الزواج تلبية لضغط أمه اختار امرأة عاقرا، حتى تظل عزوزة في عينيه أم أولاده الوحيدة.