تعتبر الكفاءة عنصر أساسي في التمثيل داخل الجماعات الترابية تستوجب عدم الاستغناء عنها أو إهمالها، خصوصا بعد توسيع اختصاصات وصلاحيات المجالس المنتخبة ورؤساءها وتعاظم حاجيات السكان وتعقيدها، حيث أصبح من اللازم على المنتخب أن يكون على المام بمسؤولياته، وبالدور الذي يجب أن يقوم به حتى يتمكن من تلبية حاجيات المواطنين التي تكبر وتتعقد مرور الأيام. فمما لا شك فيه أن ممارسة مختلف المسؤوليات والصلاحيات الجماعية يرتكز أساسا على مؤهلات وقدرات المنتخبين الجماعيين، إذ أن الاختصاصات الموكولة للجماعات الترابية تفرض وجود مستشارين يعرفون مشاكل جماعتهم ويتسمون بالوعي الكافي بالمسؤوليات الملقاة على عاتقهم. ومن أجل التوظيف الفعلي والامثل للإمكانيات المتاحة وتوجيهها إلى خدمة التنمية المنشودة يتطلب الأمر توفرهم على مستوى تعليمي وثقافي معين وعلى المؤهلات التدبيرية الكافية، التي تؤهلهم لاستيعاب مناهج وتقنيات تدبير الشأن المحلي والقطع مع مجموعة من الممارسات السلبية التي تؤثر على الأداء الانتدابي داخل الجماعات. لكن ما يلاحظ في أغلب الجماعات سواء الحضرية أو القروية رغم التطور البطيء الذي حصل بالمقارنة مع التجارب السابقة أن معظم المنتخبين لا يتوفرون على مستوى تعليمي ومعرفي يسمح لهم بالاضطلاع بمسؤوليتهم وصلاحياتهم بشكل مستقل. ورغم أن المستوى الثقافي والمعرفي، لا يرتبط دائما بالمستوى الدراسي فإن ما يثير الجدل في التجربة الجماعية هو ولوج مستشارين للعمل الجماعي بدون معرفة أبسط قواعد القراءة والكتابة كما أن المشكل يزيد استفحالا عندما يتعلق الأمر بالرئيس ونوابه ورؤساءالمصالح واللجن الحساسة، ولعل الأسباب المباشرة التي ساهمت في تضخيم هذه الوضعية متعددة ومتشعبة يمكن إجمالها في العناصر التالية: * ضعف مستوى التمدرس خاصة في المجال القروي. * عدم استيعاب مسؤوليات التسيير والتدبير من طرف المنتخب والناخب. * تفشي علاقات الزبونية والمحسوبية وشراء الأصوات بين الناخب والمنتخب. * هفوات التشريعات الخاصة والمرتبطة أساسا بطريقة الاقتراع وشروط الترشيح والانتخاب. * ضعف التأطير السياسي للمواطنين والمنخبين خاصة من قبل الأحزاب السياسية. * تدخل إدارة الأحزاب السياسية أحيانا وسلطة المال احيانا أخرى لتحديد التشكيلة المرغوبة فيها. * ضعف دور وسائل الإعلام في الاهتمام بالقضايا الانتخابية ونوعية المنتخبين خاصة الوسائل السمعية والبصرية. وبالرجوع الى القوانين المنظمة للشأن الانتخابي الجماعي نجد أن الميثاق الجماعي السابق لسنة 2002 نص على شرط الحصول على شهادة الدروس الابتدائية كحد أدنى بالنسبة للمنتخب الجماعي من أجل الترشح لرئاسة المجلس الجماعي، هذا الشرط ثم إلغائه بموجب القانون التنظيمي الجديد للجماعات رقم 113,14 في خطوة غير مفهومة ، حيث أن هناك فئة كبيرة من الناخبين داخل مجالس الجماعات الترابية لا يتوفرون على الأقل على شهادة الدروس الابتدائية. هذا الاجراء الذي أقدم عليها المشرع الترابي شكل تراجعا كبيرا في مسار بناء مجالس منتخبة مؤهلة وقادر على التعاطي مع تطور مسلسل اللامركزية. لكن في المقابل هناك أصوات أخرى ثمنت ونوهت بهذا الإجراء، معتبرة أن كفاءات ومؤهلات المنتخب الجماعي سواء في التسيير والتدبير غير مرتبط أساسا بالمستوى التعليمي والثقافي، بل بالخبرة والدراية والممارسة اليومية للشأن التدبيري. الا أنه وبالنظر الى حجم الاختصاصات الموكولة إلى المجالس الجماعية ولرؤسائها سواء تلك المتعلقة بالميزانية والتعمير أو الشراكة والتعاون وغير من الاختصاصات، فقد أصبح من المستحيل القيام بها وممارستها من قبل أشخاص مستواهم التعليمي ضعيف، حيث أنها اختصاصات تفرض على من يمارسها أن يتوفر على مستوى تعليمي ومعرفي مقبول يؤهله لتدبير الجماعة وقضايا والاستجابة لحاجيات المواطن المتعددة والمتشعبة. وفي اعتقادنا فشرط المستوى التعليمي والمعرفي الذي لا يعادل على الأقل شهادة البكالوريا يعد أمر غير مقبول، لقيادة المجالس المنتخبة، كما أن المنتخب الجماعي المرشح لرئاسة الجماعة الذي يقل مستواه التعليمي عن شهادة الاجازة يعتبر في نظرنا غير مؤهل لإدارة الشؤون المحلية لجماعته خصوصا في الجماعات الكبرى التي تتحكم في مصير الألف من الساكنة. فالأمر يتطلب توفرهم على مؤهلات معرفية وثقافية عالية أو مقبولة على الأقل تمكنهم من التميز بين النصوص القانونية وفهم الاختصاصات الكبيرة التي اسندت للمجالس المنتخبة وأعضاءها بموجب الدستور الجديد، والقوانين التنظيمية للجماعات التربية، وكذا بالنظر إلى الدينامية الكبيرة والمسار المهم التي انخرط فيه المغرب لبناء لامركزية ترابية قوية. ولهذا الغرض ومن أجل تدبير معقلن للشأن العام المحلي، والإرتقاء بالمجالس المنتخبة إلى مستوى يتماشى مع رهان الجهوية المتقدمة وخيار اللامركزية الترابية، فالمشرع مدعو إلى أن يعيد النظر في شرط المستوى التعليمي والمعرفي للمنتخبين الجماعين، وذلك عبر اقرار مستوى تعليمي ودراسي يفوق على الاقل شهادة البكالوريا و المستوى الجامعي بالنسبة لرؤساء المجالس المنتخبة حتى تنسجم في مستواها مع التوجهاتها الكبرى التي انخرط فيها المغرب على مستوى التنمية البشرية والانتقال الديمقراطي وتحديات الفترة المعاصرة، كما أن الاحزاب السياسية في إطار تقاسم المسؤوليات يتعين عليها أن لا تعطي التزكية لمن لا يستحقها، بل يجب تقديم مرشحين مؤهلين دوي كفاءات ومؤهلات محترمة تكون في مستوى المسؤولية والمهمة الانتدابية. كما أن الناخبين بدورهم مدعوون الى إعادة النظر في اختياراتهم وأن يعطوا أصواتهم لمن يرون فيهم الكفاءة والأهلية لتولي قضياهم وشؤونهم المحلية. وبالرجوع الى الارقام التي أسفرت عليها بعض الاستحقاقات السابقة والتجارب الانتخابية المحلية والمتعلقة بالمستوى الدراسي والثقافي للمنتخب الجماعي يلاحظ أن معظم المنتخبين الجماعيين لا يتوفرون على مؤهلات معرفية وثقافية تسمح لهم بالاضطلاع بمسؤوليتهم المتعددة بشكل مستقل. وكمثال على ذلك فقد أفرزت انتخابات 4 أكتوبر 1994 نتائج كارثية للمستوى التعليمي للمنتخبين الجماعين إذ من أصل 22286 منتخب جماعي فإن7108 منتخب جماعي بنسبة 31,9% من مجموع المنتخبين بدون مستوى تعليمي، و 6015 منتخب لهم فقط مستوى ابتدائي بنسبة 26,99% من مجموع المنخبين فقد أسفرت انتخابات أكتوبر 9219 على أن قرابة 60% من مجالس الجماعات كانت تضم مستشارين أميين وشبه أميين، يقومون بتدبير الشأن المحلي في غياب أدنى شروط المعرفة بالشأن العام المحلي، وبمقتضيات التنمية المحلية في حين أن أصحاب المستوى الثانوي والعالي لا يشكلون سوى 41.11% من هذه المجالس. نفس النتائج ونفس الأرقام سجلت كذلك في انتخابات 1997 حيث نلاحظ أنها متقاربة مع نتائج انتخابات 1992 بتسجيل تراجع طفيف في الفئة – بدون مستوى- ب 7.51% (5915 منتخب ) وارتفاع بنسبة 3.5% في المنتخبين داوي المستوى الابتدائي( 7495 منتخب جماعي) ونفس النسبة بالنسبة للمنتخبين أصحاب التعليم العالي في حين أن أصحاب المستوى الثانوي هي نفسها تقريبا. و باستقراء نتائج استحقاقات 2003، نجد ان أكثر من5949 منتخب جماعي بدون مستوى تعليمي في حين أن أكثر من 6346 يتوفرون فقط على مستوى دراسي ابتدائي (منشورات المديرية العامة للجماعات المحلية وزارة الداخلية مطبعة 2004 ص 49 ). أما انتخابات 2009 فقد سجلت تحولا مهم خصوصا في المواصفات النوعية للمنتخبين الجماعيين، حيث تقلصت نسبة الأميين مقارنة مع باقي الاستحقاقات السابقة خاصة انتخابات 2003 بنسبة 5% ( 5690 منتخب) وارتفاع نسبة المستشارين الذين يتوفرون على مستوى تعليمي عالي بنسبة5.5% ( 6404 منتخب ). ( الجماعات المحلية في أرقام منشورات المديرية العامة للجماعات المحلية وزارة الداخلية، طبعة 2009، ص 122 ) * لكن يبقى هذا التطور ضئيلا بالمقارنة مع طبيعة الاختصاصات المسندة للمجالس المنتخبة وكذا للمنتخبين الجماعيين. وبالرجوع إلى استحقاقات 4 شتنبر لسنة 2015 التي عرفت نسبة تصويت مرتفعة مقارنة بباقي الاستحقاقات فقد جاء نتائج المستوى التعليمي للمنتخبين الجماعيين على الشكل التالي: _ 4739 منتخب جماعي بدون مستوى تعليمي، _ 8792 منتخب جماعي لهم مستوى تعليمي ابتدائي، _ 9261 منتخب جماعي لهم مستوى تعليمي ثانوي، _ 7871 منتخب جماعي لهم ستوى تعليمي عالي. ( هذه الاحصائيات متوفرة في البوابة الوطنية للجماعات الترابية). من خلال هذه الأرقام وهذه الاحصائيات نلاحظ أنه بالرغم من المستجدات المهمة التي جاءت بها القوانين التنظيمية الجديدة للجماعات الترابية بما في ذلك القانون 113.14 المتعلق بالجماعات، وبالنظر أيضا إلى الارتفاع الملحوظ في نسب التصويت والترشح، إلا أن المستوى التعليمي للمستشارين الجماعيين رغم بعد التحسن الطفيف، لم يرقى إلى المستوى المطلوب، ولا يستجيب الى التطلعات والانتظارات، خاصة ما يتعلق بإنزال ورش الجهوية المتقدمة ورهان اللامركزية، كما أنه لا يتماشى مع حجم الاختصاصات والصلاحيات المخولة للمجالس المنتخبة بموجب القوانين الجديدة. وأمام هذه الارقام المخجلة التي أفرزتها مختلف الاستحقاقات الانتخابية، فالمشرع مطالب أكثر من أي وقت مضى بضرورة وضع ترسانة قانونية تحدد شروط ومواصفات انتخاب أعضاء المجالس المنتخبة والبروفيلايات المطلوبة للترشح لمختف المهام الانتدابية، خصوصا منصب الرئيس وبعض اللجن الحساسة التي تتطلب مستوى متقدم في المستوى المعرفي، كما أن المشرع الترابي مطالب بمواكبة مختلف الأورش التي أنخرط فيها المغرب لبناء دول ترابية موازية للدولة المركزية، وذلك بالرهان والاعتماد على نخب ذات مستوى عالي،خاصة المرشحين لمنصب الرئيس ونوابه الأساسين، وذلك باعتبار أن وظيفة المستشار الجماعي لا ترتبط فقط بتمثيل السكان، بل ترتبط بالدور القيادي الذي ينبغي أن يلعبه للرفع من مستوى الجماعة. فقد أبانت التجارب المحلية والدولية بأن ضعف المستوى التعليمي والمعرفي للمنتخبين يعد حاجرا معيقا للممارسة الفعلية للاختصاصات والصلاحيات، وايجاد الحلول المناسبة للمشاكل اليومية للمواطنين، وكذا الفهم الدقيق للقوانين والمساطر. وبالتالي فمهما تطورت النصوص القانونية في مجال اللامركزية ومهما تعززت صلاحيات المنتخب واختصاصات، إلا أنه في ظل مستوى معرفي وثقافي ضعيف سيصبح الامر مجرد نظام لعدم التركيز الاداري. عموما يمكن القول بأن جل التجارب الجماعية التي عرفتها البلاد مند إقرار نظام التمثيل اللامركزي تميزت بضعف المستوى الثقافي للمنتخبين الجماعيين، ويعزى السبب الرئيسي في ذلك في ذلك راجع الى نقط الضعف المسجلة على الاصلاحات الجماعية، خاصة القوانين التنظيمية المنظمة للعمليات الانتخابية وللنظام الأساسي للمنتخب الجماعي.كما يعد المستوى التعليمي أيضا من المواضيع الحساسة والتي تشكل محل خلاف بين الفرقاء السياسيين، حيث منهم من يرى هذا الشرط صعب التطبيق خصوصا في الجماعات التي تعرف نسبة الامية بها ارقام قياسية، بالاضافة إلى أن المستوى التعليمي غير مهم لممارسة المهام الانتدابية لأن هذا الأمر في اعتقادهم مرتبطة بعنصر التجربة والممارسة الدائمة للشأن العام المحلي أكثر من ارتباطه بمستوى تعليمي معين. فيما برى البعض الأخر أنه من الضروري اشتراط مستوى تعليمي معين، مبررا ذلك ب حجم الاختصاصات والصلاحيات الهامة التي أصبحت تعطى للجماعات الترابية ولمنتخبيها. * هشام ودرة: باحث في القانون العام كلية الحقوق بمراكش