الملك محمد السادس، خصص حيزا مهما من خطاب الذكرى 22 لتربعه على عرش أسلافه المنعمين، للعلاقات المغربية الجزائرية، وجه من خلاله رسائل مفتوحة لاتحتاج إلى تأويل أو تفسير، إلى قادة الجزائر وفاء لسياسة "اليد الممدودة"، داعيا إياهم إلى تجاوز رواسب الماضي وتخطي أسباب الخلاف والنفور والجمود، باستحضار صوت العقل وعين الحكمة وتقدير لغة المصالح العليا المشتركة، بما يضمن بناء علاقات ثنائية جديدة وواعدة، مبنية على ما يجمع البلدين الجارين من أخوة وتاريخ مشترك وحسن جوار، وعلى ما يتطلع إليه الشعب المغربي وشقيقه الجزائري من حق مشروع في فتح الحدود وتبادل الخيرات والمنافع و إدراك التنمية الشاملة والعيش المشترك في محيط آمن ومستقر. في هذا الإطار، وبقدر ما ننوه ببعض المواقف العاقلة الصادرة عن بعض الأشقاء الجزائريين ومنهم صحافيين ومحللين سياسيين وناشطين فيسبوكيين، الذين استقبلوا الخطاب الملكي بما يلزم من القبول والترحاب والارتياح، إيمانا منهم أن المصالح العليا لابد أن تسمو فوق كل الاعتبارات، بقدر ما نتأسف على الحملة الإعلامية المسعورة التي انخرطت فيها عدة منابر إعلامية جزائرية، واجهت المبادرة الملكية بالرفض والإدانة والحذر والتشكيك والاتهام والتبخيس، وسط صمت رسمي، يقوي الإحساس بأن "عقيدة العداء الخالد" أقوى من أن تحركها أو تزحزحها مبادرة عاقلة أو خطاب مسؤول ينظر إلى المستقبل نظرة محبة وأمل وتفاؤل وأمن وسكينة وازدهار، كما يقوي الإحساس في أن التمادي في النظر إلى الماضي، أقوى من أن يغير عقليات برمجت منذ عقود على تطبيقات الحقد والضغينة والتحرش والابتزاز والاستفزاز، وأقوى من أن تنظر إلى "اليد الممدودة" إليها، نظرة عاقلة ومسؤولة وحكيمة، تستحضر "فاتورة الحقد" على أحقية الشعبين الشقيقين المغربي والجزائري في الوحدة والتعاون والتنمية والرخاء والعيش المشترك في فضاء آمن ومستقر ومطمئن. حكام الجارة الشرقية، ينطبق عليهم للأسف، المثل الشعبي القائل " ولو طارت معزة"، وهو مثل يضرب على المكابر والعنيد الذي يصر على رأيه وموقفه وعناده، ولو تبين له أنه على خطأ، وأصل المثل كما يحكى، أنه وفي يوم من الأيام "خرج رجلان إلى الصيد، فشاهدا سوادا من بعيد، فقال الأول إنه غراب، بينما الثاني أصر أنه معزة، فاتفقا أن يرمياه بحجر، فإن طار فهو غراب، وإن بقي فهو معزة، فرمياه فطار، فسارع الأول إلى القول : ألم أقل لك إنه غراب ..، فرد عليه المكابر والعنيد بالقول : معزة .. ولو طارت معزة"، ونرى أن هذا، هو واقع حال من يتحكمون في أزرار السياسة الجزائرية، يصرون على المزيد من العناد والنفاق والكذب والبهتان وإخفاء الحقائق وادعاء المظلومية، وبذلك، يصعب إقناعهم أن التاريخ قد تجاوزهم بكثير، وأن رهانهم على العداء الخالد للمغرب ولوحدته الترابية، لن يكون إلا رهانا خاسرا، ويتعذر إخراجهم من رواسب الماضي، وجعلهم يؤمنون أن المصالح العليا للشعوب تسمو فوق كل الاعتبارات. وبعنادهم غير المبرر، يصدون أبواب الأمل، ويغتالون رغبات الشعبين المغربي والجزائري في الأمن والعيش المشترك والتعاون والنماء والرخاء والازدهار، وقبل هذا وذاك، يستنزفون الطاقات والقدرات الذاتية لاستهداف المغرب والتحرش بوحدته الترابية، بدل استنزافها في إنتاج الأمل وصناعة السلام وإدراك ثمار التعاون المشترك والتنمية الشاملة، على أمل أن يقلعوا عن عاداتهم السيئة، ويعترفون بروح رياضية، أن الذي طار، كان "غرابا" وليس "معزة"، كما يصرون بعناد حاد عصي على الفهم والإدراك … و"المعزة " هي مرادفة للحقيقة والواقعية والمصداقية والمسؤولية وحسن النية والعقل والحكمة والتبصر ولغة المصالح المشتركة، وفي جميع الحالات، فالمغرب في صحرائه، والصحراء في مغربها، ولن يقف أمام المغرب لا "غراب" ولا "معزة"، وهو يخطو في اتجاه إدراك التنمية والازدهار، وجني ثمار رهانات الصداقة والأمن والسلام والتعاون المشترك … عسى أن تجد "اليد الممدودة" في الجارة الشرقية، عقلاء وحكماء على استعداد لصناعة الأمل والسلام والتنمية والعيش المشترك، بمسؤولية ومصداقية وحسن نية، بعيدا عن منطق " معزة .. ولو طارت معزة" …