تعج شوارع وأزقة ودروب وأحياء مجموعة من المدن المغربية، بالعديد من ضحايا التعاطي للمخدرات، والمصابون بأمراض نفسية وعقلية، الذين لا يدع منظرهم الخارجي (ملابس متسخة وممزقة، لحية كثيفة، شعر مجعد وخشن، رائحة نتنة…)، وتصرفاتهم الغريبة (الصراخ، القهقهة، الجري، كلام غير مفهوم، الصمت، التسول، إيذاء المارة…) مجالا لتردد العامة في تصنيفهم ضمن خانة الحمقى والمغفلين والمجانين، وممن حكمت عليهم الأقدار بالضياع. وتزداد أعداد الأشخاص في وضعية الشارع، ضحايا الإدمان والمرضى النفسيون والعقليون، بشكل يدعو إلى ضرورة أخذ المعطيات الصادمة التي تكشف عنها تقارير الجهات الرسمية والمنظمات الحكومية وغير الحكومية على محمل الجد، تفاعلا مع المبادئ والتوجيهات والتشريعات الدولية والوطنية والإحصائيات والتقارير الصادرة في مجال مكافحة المخدرات، وتحسين العناية بالصحة العقلية من جهة، وضمان حماية المواطنين لما يتعرضون له من أذى مادي ومعنوي ونفسي من طرف هؤلاء الأشخاص الذين يصل الأمر ببعضهم إلى السب والشتم والتلفظ بكلمات نابية خادشة وتخريب الممتلكات الخاصة والعامة من جهة ثانية. فحسب وزارة الصحة في المغرب يبلغ معدل انتشار المخدرات بين عامة السكان الذي تبلغ أعمارهم 15 سنة فأكثر، 4.1% أي ما يعادل 800.000 شخص منهم 2.8% مدمنون على المواد المخدرة، وتتعاطى الساكنة الأصغر سنا للمخدرات والإدمان بشكل متزايد في المدن الشمالية. ويرتبط تعاطي المخدرات بالحقن (نسبة انتشار تعاطي الهيروين والكوكايين هي 0.02% و 0.05% على التوالي) بمخاطر انتشار فيروس نقص المناعة البشرية، والتهاب الكبد الفيروسي والسل، إلى جوانب العواقب الاجتماعية (التهميش والتمييز والعزلة…) والقانونية (الانحراف، العنف، الإجرام). وبناء على التقرير العالمي للمخدرات لعام 2020 الصادر عن مكتب الأممالمتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، ازداد تعاطي المخدرات بسرعة أكثر في البلدان النامية خلال الفترة ما بين 2020 – 2018 عن التعاطي في البلدان المتقدمة، ويمثل المراهقون والشباب النسبة الأكبر من أولئك الذي يتعاطون المخدرات، علما بأن الشباب هم أيضا الأكثر عرضة لآثار المخدرات لأنهم الأكثر استخداما لها بالرغم من أنهم لا يزالون في مرحلة النمو. وبخصوص الاضطرابات والعقلية والأمراض النفسية، الناتجة عن التعاطي للكحول والمخدرات والضغط والأزمات والصدمات النفسية، كشفت وزارة الصحة عن كون 40% من المغاربة يعانون أمراض نفسية وعقلية، تتوزع على الاكتئاب بنسبة 26% واضطرابات القلق بنسبة 9% واضطرابات ذهنية بنسبة 5% منهم 1% يعانون من الانفصام (السكيزوفرينيا). وتتلخص توصيات التقارير المنجزة في هذا الصدد (المجلس الوطني لحقوق الإنسان، الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة، العصبة المغربية لحقوق الإنسان، منظمة "بورجن"…) ومطالب الفاعلين والمهتمين بقضايا الأشخاص في وضعية الشارع، في ضرورة اتخاذ مجموعة من الإجراءات، منها التعجيل بتجاوز قانون 30 أبريل 1959 المتعلق بضمان الوقاية من الأمراض العقلية ومعالجتها وحماية المرضى والمصابين بها، والقوانين لعدم ملاءمة مقتضياته للوضع الحالي، والتعجيل بتجويد مشروع قانون رقم 71.13 والمصادقة عليه، بالإضافة إلى التنسيق بين القطاعات الحكومية المعنية من أجل بلورة وتفعيل إستراتيجية وطنية حول الأشخاص في وضعية الشارع، مع الأخذ بعين الاعتبار إشراك المنظمات المدنية وأسر هذه الفئة، علاوة على تعميم إحداث المؤسسات الاستشفائية للطب النفسي والمراكز المتخصصة في طب الإدمان بمختلف مناطق المملكة، والرفع من عدد الموارد البشرية، ومراكز الإسعاف الاجتماعي ووحدات حماية الطفولة، والرفع من عدد الموارد البشرية العاملة في المجال النفسي والاجتماعي، دون إغفال تفعيل القوانين الزاجرة في حق مخالفي الحفاظ على النظام العام، وتقوية وتأهيل قدرات الفاعلين المدنيين، خاصة فيما يتعلق بمجال الصحة العقلية والنفسية والإدمان وأشكال التدخل وتقنيات الاستماع والتوجيه.