"وزارة التعليم" تعلن تسوية بعض الوضعيات الإدارية والمالية للموظفين    مسؤول فرنسي رفيع المستوى .. الجزائر صنيعة فرنسا ووجودها منذ قرون غير صحيح    سقوط عشرات القتلى والجرحى جراء حريق في فندق بتركيا    جريمة بيئية في الجديدة .. مجهولون يقطعون 36 شجرة من الصنوبر الحلبي    "حماس": منفذ الطعن "مغربي بطل"    الكاف : المغرب أثبت دائما قدرته على تنظيم بطولات من مستوى عالمي    دوري أبطال أوروبا.. برشلونة يقلب الطاولة على بنفيكا في مباراة مثيرة (5-4)    ماستر المهن القانونية والقضائية بطنجة ينظم دورة تكوينية لتعزيز منهجية البحث العلمي    "سبيس إكس" تطلق 21 قمرا صناعيا إلى الفضاء    الحاجب : تدابير استباقية للتخفيف من آثار موجة البرد (فيديو)    ارتفاع عدد ليالي المبيت السياحي بالصويرة    كأس أمم إفريقيا 2025 .. "الكاف" يؤكد قدرة المغرب على تنظيم بطولات من مستوى عالمي    "البام" يدافع عن حصيلة المنصوري ويدعو إلى تفعيل ميثاق الأغلبية    المغرب يواجه وضعية "غير عادية" لانتشار داء الحصبة "بوحمرون"    تركيا.. ارتفاع حصيلة ضحايا حريق منتجع للتزلج إلى 76 قتيلا وعشرات الجرحى    التحضير لعملية "الحريك" يُطيح ب3 أشخاص في يد أمن الحسيمة    لمواجهة آثار موجات البرد.. عامل الحسيمة يترأس اجتماعًا للجنة اليقظة    الحكومة: سعر السردين لا ينبغي أن يتجاوز 17 درهما ويجب التصدي لفوضى المضاربات    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الانخفاض    تركيا.. يوم حداد وطني إثر حريق منتجع التزلج الذي أودى بحياة 66 شخصا    وزارة التربية الوطنية تعلن صرف الشطر الثاني من الزيادة في أجور الأساتذة    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأربعاء    مطالب في مجلس المستشارين بتأجيل مناقشة مشروع قانون الإضراب    اتخاذ إجراءات صارمة لكشف ملابسات جنحة قطع غير قانوني ل 36 شجرة صنوبر حلبي بإقليم الجديدة    توقيع اتفاق لإنجاز ميناء أكادير الجاف    مجلس المنافسة يكشف ربح الشركات في المغرب عن كل لتر تبيعه من الوقود    الدفاع الجديدي ينفصل عن المدرب    اليوبي يؤكد انتقال داء "بوحمرون" إلى وباء    فضيل يصدر أغنيته الجديدة "فاتي" رفقة سكينة كلامور    افتتاح ملحقة للمعهد الوطني للفنون الجميلة بمدينة أكادير    هل بسبب تصريحاته حول الجيش الملكي؟.. تأجيل حفل فرقة "هوبا هوبا سبيريت" لأجل غير مسمى    أنشيلوتي ينفي خبر مغادرته ريال مدريد في نهاية الموسم    المجلس الحكومي يتدارس مشروع قانون يتعلق بالتنظيم القضائي للمملكة    ندوة بالدارالبيضاء حول الإرث العلمي والفكر الإصلاحي للعلامة المؤرخ محمد ابن الموقت المراكشي    المبادلات التجارية بين المغرب والبرازيل تبلغ 2,77 مليار دولار في 2024    الغازوال والبنزين.. انخفاض رقم المعاملات إلى 20,16 مليار درهم في الربع الثالث من 2024    مطالب برلمانية بتقييم حصيلة برنامج التخفيف من آثار الجفاف الذي كلف 20 مليار درهم    تشيكيا تستقبل رماد الكاتب الشهير الراحل "ميلان كونديرا"    انفجار في ميناء برشلونة يسفر عن وفاة وإصابة خطيرة    المؤتمر الوطني للنقابة المغربية لمهنيي الفنون الدرامية: "خصوصية المهن الفنية أساس لهيكلة قطاعية عادلة"    العمراني : المغرب يؤكد عزمه تعزيز التعاون الإستراتيجي مع الولايات المتحدة الأمريكية بعد تنصيب ترامب    في حلقة جديدة من برنامج "مدارات" بالاذاعة الوطنية : نظرات في الإبداع الشعري للأديب الراحل الدكتور عباس الجراري    ترامب يوقع أمرا ينص على انسحاب الولايات المتحدة من منظمة الصحة العالمية    إيلون ماسك يثير جدلا واسعا بتأدية "تحية هتلر" في حفل تنصيب ترامب    ترامب: "لست واثقا" من إمكانية صمود اتفاق وقف إطلاق النار في غزة    المغرب يدعو إلى احترام اتفاق وقف إطلاق النار في غزة    الإفراط في اللحوم الحمراء يزيد احتمال الإصابة بالخرف    وفاة الرايس الحسن بلمودن مايسترو "الرباب" الأمازيغي    دوري أبطال أوروبا.. مواجهات نارية تقترب من الحسم    ياسين بونو يتوج بجائزة أفضل تصد في الدوري السعودي    علماء يكشفون الصلة بين أمراض اللثة وأعراض الزهايمر    القارة العجوز ديموغرافيا ، هل تنتقل إلى العجز الحضاري مع رئاسة ترامب لأمريكا … ؟    المجلس العلمي المحلي لإقليم الناظور يواصل برامجه التكوينية للحجاج والمعتمرين    دراسة: التمارين الهوائية قد تقلل من خطر الإصابة بالزهايمر    ثمود هوليود: أنطولوجيا النار والتطهير    الأمازيغية :اللغة الأم….«أسكاس امباركي»    ملفات ساخنة لعام 2025    أخذنا على حين ′′غزة′′!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حاجتنا إلى التعلم الذاتي لسد الفجوة الرقمية ومواكبة متغيرات اقتصاد المعرفة
نشر في العمق المغربي يوم 20 - 04 - 2021

التربية والتنمية صنوان متلازمان في مجتمع المعرفة، واقتصاد قائم على المعرفة يعني اقتصادا قائما على التعليم نظرا لكون العنصر البشري يعد اهم مقوماته بلا منازع، فالصلة بين الرأسمال البشري والتنمية الاقتصادية تتوقف على التقدم الذي يحرزه البلد في كافة مراحل التعليم، والتعليم كما قيل هو اهم عوامل التغيير لأنه يحرر الطاقات العقلية والاجتماعية والوجدانية لكل من ينتظمون في نظامه، ويطور قدراتهم على المشاركة الفعالة في تحديد غايات مجتمعهم، انه خيار المستقبل ومصدر الرفاه والتقدم الاقتصادي والرقي الاجتماعي، والمعرفة كما خلص الكثيرون هي سبيل لبلوغ القيم الانسانية العليا ومنها الحرية والعدالة والكرامة الانسانية.
يقول استاذ المستقبليات المهدي المنجرة ( ان القرن العشرين والحادي والعشرين يتأسس على المعرفة وعلى الاستثمار في الرأسمال البشري وان التربية والتكوين يشكلان العمود الفقري لهذا الاستثمار البشري بغاية الرفع من اداء الانسانية والمساهمة بالتالي في تقليص الفجوة بين الشعوب). واذا كانت المعرفة هي محرك مجتمع الثقافة والمعرفة فالتعليم هو وقودها، واذا كانت التكنولوجيا هي الالة الجديدة التي ترسم خريطة اللامساواة في فرص الحياة الاجتماعية والاقتصادية، (فالتعليم في المقابل هو اعظم الوسائل لتحقيق هذه المساواة)، وفي ظل اكتساح التكنولوجيا الحديثة للمجتمع البشري فانه قد ظهرت اطياف من الفجوات النوعية التي تفرعت عن الفجوة الرقمية برزت منها " فجوة التعلم" باعتبارها اخطر هذه الفجوات قاطبة، فمنها – اي فجوة التعلم – يحال الى باقي الفجوات واليها تؤول. د. نبيل علي – د. نادية حجازي – الفجوة الرقمية – عالم المعرفة العدد 318.
ان الحديث عن " التعلم " لا " التعليم" يبين الفرق العظيم بينهما، فالتعلم اوسع واكبر من التعليم بكثير حيث يشمل بجانب التعليم – كما عهدناه- جميع اشكال اكتساب المعارف والمهارات والخبرات على مدى مراحل العمر من الطفولة المبكرة الى الشيخوخة المتأخرة، لذا لا وجه للمقارنة بينه وبين التعليم النظامي الذي ظهر وتطور مع الة الطباعة واقتصاد عصر الصناعة الذي ينسخ متعلميه في طبعات متكررة كما تنسخ الة الطباعة كتبها، وينتج خريجيه على طريقة انتاج الجملة النمطية المتجانسة وفقا لمقتضيات اقتصاد الصناعة ومطالب اسواق عمله – نفس المرجع اعلاه
التعليم النظامي يعاني قصورا في البرامج والمناهج وطرق التدريس حيث ينكر على الاطفال ابداعهم، ويميت لديهم غريزة الفضول والرغبة في المعرفة، ويرسخ لدى اليافعين والكبار النزعات السلبية، ويحد من افق فكرهم، لأنه نظام تعليمي لا يراعي الاختلافات الفردية، ويعتمد في مناهجه على الترديد والحفظ والامتثال والاستظهار، ويحصر دور المتعلم في الاستماع، ويهمل حاجاته واهتماماته، ولا يراعي الفروق الفردية بل يشجع على الاتكالية والسلبية… لذا اعتبر البعض المؤسسة التعليمية هي افشل مؤسسات المجتمع الحديث لأنها لا تلقن للمتعلمين ما يحتاجونه من المهارات والخبرات التي تعود بالنفع المباشر على الفرد والمجتمع.
ان عجز النظام التعليمي الرسمي في مواجهة التحديات المستقبلية يؤدي بكل جهود التنمية الى الفشل مهما توافرت الموارد الطبيعية والمادية، لأجل ذلك فان مصير المجتمع معلق على مدى النجاح في مواجهة التحدي التربوي نتيجة لانتشار تكنولوجيا المعلومات وما تنتجه من فرص هائلة من اجل تطوير اساليب التعلم ورفع انتاجية المتعلم، ونجاح التربية يقاس بسرعة تجاوبها مع المتغيرات التكنولوجية والا حصلت فجوة تربوية واخرى رقمية.
ان التحديات التربوية الهائلة التي يطرحها عصر الرقمنة تدعونا الى مراجعة شاملة ودقيقة للأسس التربوية الحالية، وبناء توجهات جديدة تواكب متغيرات مجتمع المعرفة الرقمية ومنها :
ان تربية الغد عليها ان تسعى لإكساب الفرد اقصى درجات المرونة وسرعة التفكير وقابلية التنقل بمعناه الواسع مع توظيف المعرفة الحديثة في حل المشاكل.
ان تربية الغد عليها ان تنمي النزعة الأبستمولوجية لدى الانسان، كما يطالبنا سيمور بابيرت بحيث يدرك كيف تعمل اليات تفكيره وذلك بجعله واعيا بأنماط التفكير المختلفة، وذا قدرة على التعامل مع العوالم الرمزية بجانب العوالم المحسوسة دون ان يفقد الصلة التي تربط بينهما.
ان تربية الغد عليها ان تجعل من التعلم جهدا مستمرا طيلة حياة الانسان وان تعيد للتعليم طابعه الشخصي في الوقت ذاته العمل على حشد الذكاء الجمعي تلبية لاقتصاد المعرفة الذي قوامه راس المال البشري والاجتماعي. وان التعلم هو المورد الانساني اللامحدود الذي لا ينضب.
التعلم مدى الحياة لا التعليم لمدة من الحياة
تقول منظمة اليونيسكو ان النظام التعليمي في مجمله مصمم بغرض تسهيل التعلم مدى الحياة بكل ابعاده، وكذا المساعدة على خلق فرص التعلم النظامية وغير النظامية للأشخاص من جميع الفئات العمرية، ويفرض مفهوم التعلم مدى الحياة احداث تغيير في النهج من خلال الانتقال من اسلوب يعتمد على التعليم والتدريب الى مبدا التعلم، ومن التعليم القائم على نقل المعارف الى التعلم من اجل النمو الشخصي، ومن اكتساب مهارات خاصة الى اجراء عملية استكشاف على اوسع نطاق والى اطلاق العنان لإمكانات الابتكار وتسخيرها. وهذا التحول ضروري في جميع مستويات التعليم وفي طرائق توفيره اكانت نظامية ام غير نظامية. "استراتيجية اليونيسكو للتعليم 2014-2021″
في مجتمع العلم والمعرفة، التعلم يمتد مع امتداد مراحل حياة الانسان، ويملك القدرة على الاستجابة لحاجيات المتعلم المتنوعة، والتعلم هو الذي يمكن من تحقيق ادماج انجع داخل المجتمع، ويوفر فرصا لا نهائية لاكتساب المعارف والمهارات اللازمة لتحقيق الطموحات مدى الحياة.
شعار التعلم – من المهد الى اللحد – لا يمكنه ان يتحقق لولا ما توفره لنا تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وخاصة الانترنيت من فضاء تعلمي يتيح العديد من فرص مواصلة التعليم والتعلم امام الجميع، ومن ممارسة عشق البحث والفضول وتحصيل المعلومات العامة الى اكتساب ادق المهارات واكثر المعارف عمقا، ولذا كثر الحديث عن الجامعات المفتوحة، وجامعات الهواء الطلق، وجامعات بلا جدران، ومدارس بلا اسوار، والجامعات الشعبية، وجامعات عمالية وصناعية، وجامعات العمر الثالث، وشبكات التعليم والتكوين عن بعد، ومراكز لنشر الثقافة العلمية والتكنولوجية.
وللوصول الى تحقيق مجتمع المعرفة لابد من الاخذ بنظام " التعلم " بأقصى درجات الجدية، ولا سبيل الى احداث الطفرة المعلوماتية الا بإعادة النظر في مفهوم التعليم من اساسه، والوعي بوضوح ان التعلم مدى الحياة لا يعني مزيدا من المدارس والمناهج والشهادات، بل يعني في المقام الاول شخصا متعلما يستطيع ان يتعلم ما يحتاجه في الوقت الذي يحتاجه.
التعلم هو نظام تربوي مكمل للتعليم، والتعلم حسب تعريف البنك الدولي ليس بديلا للتعليم النظامي، بل هو نظام منهجي يجري خارج النظام التقليدي ويشمل تشكيلة واسعة من نشاط التعليم ذي الصلة المباشرة بالعمل وسيظل هناك دوما نقص لابد ان يسد مادام هناك هذا السياق المستمر بين التعليم والتكنولوجيا.
التعلم والتعلم الذاتي هو دواء وعلاج للتعليم، لأنه يركز على تعويض النقص في مستوى المتعلمين وتأهيلهم العلمي والمهني، ومستوى الخريجين الجامعيين الناجم عن اخفاق التعليم النظامي الجامعي في تحقيق اهدافه المرسومة له، وعدم قدرته على مواكبة سرعة التطور العلمي والتكنولوجي، او سرعة تغير مطالب المجتمع واسواق عمله.
الفجوة التربوية و فجوة التعلم الرقمي
من اهم السمات الجديدة التي ظهرت في العصر الحديث وادت الى التغيرات السريعة في كافة مجالات الحياة: الانفجار المعرفي – التطور السريع للتكنولوجيا الحديثة – سهولة الاتصال والتواصل – التطورات المختلفة لجميع مجالات الحياة …وعليه كان لابد من تجديدات في السياسة التربوية، وتجديدات في البنى التعليمية وفي المناهج وطرق التدريس، وفي الوسائل التعليمية، مع تقوية كل انماط التعليم غير النظامي وخصوصا نظام التعلم الذاتي حتى لا تحصل فجوة رقمية تبعدنا عن تحدي الانفتاح وثورة الاتصالات وتدفق المعلومات وسيادة ثقافة الصورة.
وتأسيسا على ما سبق نرى ان نظامنا التربوي والثقافي يعاني قصورا في مواكبة ومسايرة تحديات عصر التكنولوجيا المعلوماتية، وهذا يشير الى ان نجاح التربية يقاس اليوم بسرعة تجاوبها مع المتغيرات الطارئة، كما ان فجوة نظامنا التربوي تكمن كذلك في تسارع عصر المعلومات مقارنة بالتباطؤ الذي تتسم به عمليات التجديد التربوي، ولهذا تنشا فجوة تربوية شاسعة بين مطالب المجتمع واداء مؤسسته التربوية، وتنشا بالموازاة معها فجوة رقمية لا يستطيع هذا النظام التعليمي النظامي ان يستوعب ثورتها المعلوماتية.
وهناك اسباب عديدة اخرى ساعدت على بروز الفجوة الرقمية التي مست نظام التعليم و التعلم، ومن جملتها :
التوسع الهائل في استخدام تكنولوجيا المعلومات في مجال التعليم ووجود صعوبة توطينها في بيئة مؤسساتنا ومدارسنا العمومية، وادى هذا الانفجار المعرفي وتطور الوسائل التكنولوجية الى تضخم وكثافة المادة التعليمية ومعها حدث انفجار في المناهج والمنهجيات صعب على مؤسساتنا التعليمية من ملاحقتها. لذا اليس اللجوء الى التعلم والتعلم الذاتي كفيل بتذويب هذه الفجوة؟
التوسع الخارق في استخدام وسائل التواصل الرقمي من قبيل التلفزيون الرقمي، والراديو الرقمي، والمكتبة الرقمية، والمتاحف الرقمية، مما يساعد على مضاعفة معدلات تدفق المعلومات وحشد مواردها في خدمة التعليم والتعلم ..وكل ذلك وضع مؤسستنا التربوية في موقف وموضع ضعف امام هذه الثورة الرقمية في ظل نقص حاد من الموارد الرقمية في المؤسسات التعليمية ؟ السنا اذن في حاجة الى تنمية القدرة على التعلم والتعلم الذاتي كضرورة حياتية لمسايرة واستيعاب كل تقنيات ووسائط الاتصال الجماهيري؟
التوسع المستمر في استخدام تكنولوجيا المعلومات في المجال التعليمي، بعدان اصبح انتاج البرمجيات التعليمية صناعة كثيفة، وهذا ما وسع من استخدام التكنولوجيا في كل مناحي التربية والتعليم، لذا اصبح من الضروري في هذا العصر الرقمي الحاجة الى نظام تربوي وتعليمي يستخدم التكنولوجيا الحديثة ليس في الفصول والادارات المدرسية فقط، وانما في كل انظمة التعليم غير النظامي والتعلم الذاتي خصوصا، حيث ( ان تفجر المعرفة والتقدم الهائل للتكنولوجيا قد ابرز اهمية تعليم الطلاب كيف يسترجعون المعلومات، بدلا من ان يتعلموا وقائع وحتى مهارات سرعان ما يتخطاها الزمن، فالمنهاج الدراسي مهدد بالتقدم المتسارع بحيث يفقد كل مغزاه) ايتورة جلبي – التربية المستديمة.
ان التعليم النظامي مهما توسع وتطور لن يفي وحده بمتطلبات النمو الاقتصادي والرفاه الاجتماعي لذا نشأت الحاجة الى اشكال واساليب تربوية تعليمية بديلة ..ومنها التعلم و التعلم الذاتي فهو شريك للنظام التربوي العام ويساهم بدوره في توفير الفرص التعليمية وفي تحقيق التنمية الشاملة.
ان "سوق العولمة" وتجارة المعرفة تدفع المدارس التعليمية الى بدائل تربوية للانتفاع من ثورة تكنولوجيات المعلومات وخصوصا التعلم الرقمي.
التعلم الرقمي …الطريق المسلوك الى المستقبل
التعلم الرقمي هو خدمة تعلم حديثة تعتمد على استخدام المستجدات التكنولوجية من البنية الاساسية للشبكات، والانترنيت، والهواتف المحمولة والذكية…وتشمل خدماتها الاساسية تكوين المتعلمين والباحثين وغيرهما على كيفية الوصول للمعلومات وتوظيفها والاستفادة منها بدافع خلق بيئة محفزة لبناء مهارات الابداع والابتكار، وكذا المشاركة الاجتماعية وتنمية الثقافة الفكرية والتواصل الفعال بين عناصر العملية التعليمية. والتعلم الرقمي ينفرد بالعديد من الخصائص اهمها : الواقعية –التمكين– التعلم غير النظامي – الابداع والتحفيز والتوجيه الذاتي والخصوصية – ويزيد من الاحساس بالواقعية والمشاركة ويقلل من حيز الحدود بين اللعب والتعلم.
وتوجد العديد من استراتيجيات التعلم الرقمي منها الفصول المقلوبة، والفصول الافتراضية، والمشاريع الالكترونية، والتعلم التشاركي الالكتروني، والمناقشة المتزامنة، والمناقشة غير المتزامنة، وغيرها من الاستراتيجيات الا ان القاسم المشترك بين استراتيجيات التعلم الرقمي :
اولا: ان المتعلم هو محور العملية التعليمية، وهو الفاعل في اكتساب المعلومات والمهارات والخبرات، وليس المستهلك او المستقبل لها فقط، ويتطور سلوك المتعلم الرقمي وفعله خلال الممارسة النشيطة لفعل التعلم الذاتي باستعمال تكنولوجيا المعلومات سواء في المدرسة او في البيت او في اي مكان، وبذلك يمتلك القدرة على مواصلة التعلم الذاتي دون الاعتماد على غيره، فيستمتع ويستفيد المتعلم من أنشطة التعلم الذاتي ويمتلك القدرة على اتخاد القرارات وحل المشكلات التي تواجهه.
ثانيا: ان تكنولوجيا المعلومات هدمت كل الحواجز الفاصلة بين مجالات المعرفة المختلفة وبنت مفاهيم مغايرة للمناهج الدراسية المعتادة.. فجاءت بمناهج بديلة منها ما هو ذو طابع حلزوني قائم على اساس ان اية مادة تعليمية يمكن تدريسها في اية مرحلة من مراحل العمر مع استمرار التعمق المعرفي فيها من خلال اعادة ما تم تدريسه في مراحل سابقة .. كما انها مناهج تحقق مبدا " التطبيق المنتظم للمعرفة " القائم على اسس وقواعد مستمدة من نظريات التعلم، وتوفر مساحة من الحرية للمتعلم في استخدام الوسائل الحديثة وتراعي الفروق الفردية وتنطلق من حاجات المتعلم و قدراته..
ثالثا : من بين استراتيجيات التعلم الرقمي الفصول الافتراضية وهي الفصول التي تعتمد على الانترنيت حيث يتم تقديم الدروس والمحاضرات، وفيها يقوم المدرس والمتعلم بمجموعة من الانشطة وتفصل بينهم حواجز مكانية ولكنهم يعملون معا في الوقت نفسه بغض النظر عن مكان تواجدهم، يتواصلون ويتحاورون مع بعضهم البعض عبر الانترنيت ويكتسبون المعارف والمهارات بطريقة ذاتية حيث يتم التوصل اليها عن طريق استعمال برامج التصفح على شبكة الانترنيت
التعلم الرقمي ثورة استشرافية في مجال التربية
ان عصر التكنولوجيا الحالي يسعى الى ان يجعل من التعلم دستور مجتمع المعرفة ليصبح التعلم نوعا من الايديولوجيا التي تعيد صياغة المجتمع وعلاقاته وتوجه سلوك افراده وجماعاته ومؤسساته ويصبح التعلم في ظلها حقا لكل فرد وواجبا عليه في ان، بل من ضرورة الجمع بين التعليم الرسمي الزاما والتعلم الذاتي التزاما.
لقد اصبح التعليم اساس الحقوق المدنية في القرن الواحد والعشرين ومطلبا سياسيا لتنمية الشعور بالمواطنة واشاعة الديموقراطية ويحرص الاجتماعيون اشد الحرص على الا يتحول توجه التعلم مدى الحياة الى مجرد شعار اجوف خصوصا بعد الانتشار الشاسع للأنترنيت وما صاحبها من وصول المعرفة الى الجميع في كل وقت وفي كل مكان .( د. نبيل علي و د. نادية حجازي – المرجع اعلاه)
ان الانتقال من التعليم الى التعلم هو ثورة بكل المقاييس ثورة تحمل فلسفة اجتماعية شاملة وتشعل الثورة في منظومة التربية من اسسها وقواعدها ثورة تنطلق من الفرد المتعلم الذي اصبح من واجبه ان يواصل تعليمه ومن واجب الحكومة والمؤسسات والجماعات ان توفر له بيئة اجتماعية زاخرة بفرص التعلم ولا سبيل الى ذلك الا بان تصبح هذه الحكومات والمؤسسات والجماعات هي الاخرى كائنات متعلمة.
اذن حاجتنا للتعلم والتعلم الذاتي هو طريق لسد الفجوة الرقمية، وهو ما لا يمكن ان يتحقق بدون نظرة استشرافية دائمة التجدد للتطورات التكنولوجية وان كان ان هذه التكنولوجيات لا تكفي لوحدها لإحداث التنمية وانما هي فقط نقطة انطلاق لبناء المعرفة والتجاوب مع متغيرات اقتصاد المعرفة ومع واقع العولمة الراهنة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.