ليس غريبا تلك العناية التي يوليها علم السياسة تحديدا، وما جاوره من حقول معرفية كعلم الاجتماع السياسي والقانون الدستوري، للمؤسسة والعمل الحزبيين. فكل المصادر والمراجع الأساسية في هذه العلوم، تقريبا، تبوّئ الأحزاب السياسية صدارة الاهتمام البحثي، خاصة إذا ما قُورن ذلك بمساحات الاشتغال على باقي القوى والفاعلين الآخرين المعنيين بمسألة السلطة أو السعي للتأثير عليها، من نقابات ولوبيات وجماعات ضغط على سبيل المثال. فلا يكاد مؤلّف من مؤلفات المداخل لعلم السياسة والنظرية العامة للقانون الدستوري إلا وقد خصّص كُتَّابها مباحثاً وافية ضافية لدراسة الأحزاب السياسية، إما بتحليل بناءاتها ووظائفها.. أو مقارنة أشكالها وهياكلها.. أو دراسة تمايز أهدافها وغاياتها. ويرجع الاهتمام بهذا الموضوع إلى كون الحزب السياسي يظل واحدا من بين المؤسسات اللصيقة بظاهرة الدولة الحديثة، والقريب من مسائل السلطة وتدبير الشأن العام. بل يمكن اعتبار الحزب السياسي، في الممارسة السياسية الحديثة، أحد أهم الفضاءات المخصصة لتأطير عمليات توزيع السلطة، بحكم أنها أنسب القنوات للمشاركة السياسية والمساهمة في صناعة القرار العمومي. ومع أن نشأة الأحزاب السياسية تعود إلى وقائع تاريخية متشابهة في سياقها الحضاري والتاريخي الغربي، إلا أنه مع مرور الزمن طرأت عليها اختلافات عميقة وتفاوتات واضحة كادت تطال مجمل الحياة الحزبية، لا سيما على مستوى: المنطلقات الإيديولوجية والتصورات المذهبية التي يتبناها كل حزب على حدة، حيث درج التقليد على التمييز بين أحزاب بإيديولوجيات ماركسية أو ليبرالية أو هوية مسيحية أو مذهبية إسلامية، إلى غيرها من التمييزات التي تعتمد البُعد الإيديولوجي في دراسة مختلف التجارب الحزبية؛ صيغ التركيب البنائي والترتيب المؤسساتي التي يعتمده كل حزب لإدارة شؤونه الداخلية، بما ينسجم مع مرجعيته الفكرية واتجاهه السياسي وقيمه المثالية وهوية مناضليه وطموحاتهم؛ مضامين البرنامج السياسي لكل حزب وسلم أولوياته النضالية ومعالم خطه سياسي، بما يساهم في تحديد موقعه في المشهد السياسي ويؤثر على تدبيره لمختلف علاقاته السياسية وتحالفاته الحكومية، حيث يتم الحديث عن أحزاب اليسار (المعتدل والمتطرف) أو أحزاب اليمين (المعتدل والمتطرف كذلك) أو أحزاب الوسط؛ طبيعة الفئات الاجتماعية الحاملة لمشروعه وهوية الأفراد المنضوين تحت لوائه والمنتمين لهياكله، حيث يتم التمييز بين أحزاب الأطر وأحزاب الأعيان.. أحزاب النخبة وأحزاب الجماهير.. أحزاب الطبقة الفقيرة وأحزاب الطبقة البورجوازية.. وهكذا. ومع الأخذ بعين الاعتبار كل هذا المسار التاريخي الحافل بالتنوع والتفاوت، ولربما التناقض حتى؛ إلا أن حياة الأحزاب السياسية وكفاءتها في النهوض بأدوارها يبقى رهينا بتوفر مجموعة من الشروط والحيثيات. ولعل واحدا من تلك الحيثيات طبيعة النظام السياسي ودرجة التزامه بقواعد العملية الديمقراطية، بما يقتضيه من ضرورات احترام مقتضيات حقوق الإنسان السياسية والمدنية، وفتح المجال أمام المواطنين للتعبير والعمل السياسيين وفق ما تتيحه الدساتير والتشريعات والمواثيق الدولية المعمول بها في هذا الصدد. وإن كان وضع المؤسسة الحزبية على الصعيد الدولي، لا سيما بالدول الديمقراطية، مستقرا نسبيا، فإن الأمر على الصعيد الوطني يزداد صعوبة وتعقيدا بسبب كون الظاهرة الحزبية المغربية، كما العربية عموما، تبقى ظاهرة مستحدثة معنىً وزماناً. فمعظم المجتمعات العربية/الإسلامية، ومن بينها المجتمع المغربي بالطبع، لم يسبق لها تاريخيا وحضاريا أن خبرت منطق الفعل من داخل بنيات كما البينات الحزبية، إذ ظل العمل السياسي والفعل الاجتماعي مكفولين من داخل بنيات وجماعات فرعية ومفتوحة. وبغض النظر عن هذا المعطى ذي الدلالة الأنثربولوجية، إذا جاز القول، فإن نشأة الحياة الحزبية الوطنية تبقى نشأة حديثة، لم تتم إلا في أواسط القرن الماضي مع ظهور الكتلة الوطنية كردّ فعل على سياسات الاحتلال الأجنبي. ثم فيما بعد تحول هذه الكتلة إلى حاضنة لنشأة مجموعة من الأحزاب السياسية بمفهوم التنظيم الحديث نسبيا، لا سيما مع: حزب "الاستقلال" بزعامة علال الفاسي، وحزب "الشورى والاستقلال" بقيادة محمد بن الحسن الوزاني والذي شكّل امتداد للحركة القومية، والحزب الشيوعي المغربي برئاسة ليون سلطان والذي تحول إلى حزب التقدم والاشتراكية بزعامة علي يعتة بعد حظره أول الأمر، وحزب الحركة الشعبية بقيادة المحجوبي أحرضان وثلة من الزعماء السياسيين من بينهم لحسن اليوسي ومبارك البكاي وعبد الكريم الخطيب حيث جاء تأسيس هذا الحزب لمقاومة هيمنة الحزب الوحيد. غير أنه مباشرة بعد ذلك ولجت الحياة السياسية والحزبية مسلسل الانشقاقات والتصدعات والاصطناعات الحزبية، مما أفضى إلى واقع تعددية حزبية شكلية.. هجينة ومربكة. إذ أن الأحزاب السياسية المغربية اليوم، والتي يدنو عددها من الأربعين حزبا، تبدو في عمومها، إلا من رحم ربك، مفتقدة لموارد الشرعية في ظل عوزها للسند الشعبي، وبسبب افتقارها لمشروعية التعبير عن حساسية مجتمعية تبرر فكرة وجودها أصلا. على أي، أسباب كثيرة ومتداخلة تكمن وراء هذا القصور الحزبي الذي نشهده اليوم، منها ما هو موضوعي مرتبط بطبيعة وسلوك النظام السياسي المغربي ودرجة دمقرطته وانفتاح نسقه الكلّي العام على ما يعتمل داخله من أنساق فرعية وبنيات جزئية تشكل الأحزاب السياسية إحداها؛ ومنها الأسباب الذاتية المرتبطة بالداخل الحزبي نفسه من هزالة الديمقراطية الداخلية، وجمود فكري وسياسي بيّن، وضعف تملك النخب الحزبية لثقافات الحوار والدمقرطة، واضمحلال تمثلها لقيم التداول على المسؤوليات والمواقع وتقبل نتائج عمليات التنخيب والتأنيث والتشبيب. ومع الأهمية التي يحظى بها المعطى الموضوعي المرتبط بالحياة السياسية المغربية ودوره في تأمين أجواء مناسبة لحياة حزبية صحية؛ إلا أن المعطيات الذاتية هي الأخرى تبقى على درجة عالية من الأهمية، خصوصا وأن استواء المؤسسة الحزبية ودرجة فعالية سياساتها وممارساتها يبقى متوقفا على المعطيات المتعلقة بذات المؤسسة الحزبية، نفسها، وبدرجة اليقظة التي يبديها المناضل الحزبي من أجل تحصين سيادية القرار الحزبي.. واستقلالية التنظيم الحزبي.. وديمقراطية الداخل الحزبي. وهي المعطيات الذاتية التي تكفل إمكان تحمل الأعباء المنوطة بمسمى "حزب سياسي"، بما هو فضاء يتلاءم فيه جماعة من المواطنين ويجتمعون على تصورات وقيم وأهداف مشتركة يعملون على تنزيلها على أرض الواقع عبر تنظيم جهودهم العملية وتنسيق نضالاتهم الميدانية، كل ذلك من أجل الحصول على السلطة والمساهمة في تدبير شؤون الدولة والمجتمع. ويجد الاهتمام بالمعطيات الذاتية للحياة الحزبية مبرره في أن سلامة الأداة الحزبية يعد شرطا لنجاحها في النهوض بمهامها في إصلاح السياسة ودمقرطة ممارسة السلطة وتجويد منهجيات تدبير الشأن العام. فإصلاح الذات والأداة الحزبيتين مقدمة أساسية لإصلاح غيرها من معطيات الواقع السياسي العام. ولا إصلاح إلا بتسديد ما اعوج من ممارسات واستدراك ما فات من واجبات وإطلاق مزيد من الفعاليات والديناميات. ولعله من بين هذه الديناميات المهمة التي يمكن ذكرها بهذه المناسبة، أربع ديناميات أساس وهي: 1) الدينامية التفاكرية؛ 2) الدينامية التشاورية؛ 3) الدينامية التحاورية؛ 4) الدينامية التأطيرية. الدينامية التفاكرية: تجديدا واجتهادا ذلك أن الأحزاب السياسية، في معناها العام والابتدائي، هي تعبيرات مؤسساتية وسياسية عن مشاريع فكرية وتصورية تسعى لكي تجد طريقها إلى الواقع للتأثير على مجريات الأحداث والوقائع وصناعة المستقبل الذي تنشده. كما أن انتماء الفرد إلى الحزب، وحتى يُكتب انتماءً أصيلا، لا بد أن يكون انتماء على أساس القناعة الصادقة بمبادئ هذا الحزب وأهدافه ومنهجه عمله، وإلا كان انتماء مغشوشا مدخولا، قاصرا معنىً ومضموناً.. وقصيرا وقتاً وزماناً. وحتى يتسنى للأحزاب حيازة هذه الوصف، كان عليها الانخراط الجاد في العمل الدؤوب والاجتهاد المطلوب من أجل تأسيس مشروعها ونضالاتها على مقتضيات تصورية ونظرية ومنهجية جامعة ودافعة. بما يمكنها من تشكيل أساس صلب لاستيعاب المواطنين وتعبئتهم على الفعل والنضال في اتجاه واحد وبطريقة منسّقة منسجمة. لذلك كان على قياداتها ونخبها وكل أعضائها إبداء الحرص الضروري لاستمرار النفس الفكري والثقافي حيًّا داخل التنظيم الحزبي، من خلال استفراغ الجهد في إنعاش النسق الفكري والثقافي المؤسس والحاضن للمشروع السياسي. وذلك بتجديد أفكاره التأسيسية ومنطلقاته النظرية والتصورية، وتطوير مفاهيمه التفسيرية وأدواته التحليلية، وتجويد منطق قراءته للواقع في مختلف مستوياته الوطنية والإقليمية والدولية. فضلا عن الاجتهاد ما أمكن في إنعاش نسقه الثقافي بمزيد من الاجتهادات والإجابات، ثم السعي من أجل تسكينها في حركة الواقع وحياة الناس بحيث تغدو أفكاراً مُعاشة.. وقيما حيّة شاهدة ومشهودة. حاجة كل حزب إلى إحياء الدينامية التفاكرية الجماعية وإطلاق ورش الاجتهاد الفكري المشترك نابع من قناعة أكيدة بأن كل مشروع سياسي، مهما صلُب طرحه واتسقت مقدماته بخلاصاته، إلا ويبقى عرضة ل"النسبية" و"المحدودية" و"العرضية"، ولربما "الزوال". فالإجابات التي تتأسس عليها المشاريع الإصلاحية والتوجهات السياسية، كلها أو بعضها.. كل الزمن أو بعضه، هي إجابات مرتبطة بالأسئلة والإشكالات التي تصدّت لها، ومحدودة بحدود السياقات التي أُنتجت فيها، بغض النظر عن درجة متانتها وقوتها واتساقها وصدقيتها. كما أن أمد كل فكرة أو مشروع في الحياة ومقدار طاقتهما على تقديم الجواب يبقى محدودا ومفتوحا، محدودا من جهة مضمونه ودلالاته ومقتضياته.. ومفتوحا على إمكانية مزيد من التجديد والاجتهاد والإبداع. وحتى يُكتب لنسق الأجوبة والأفكار هاته الاستمرار في الزمن قدر الإمكان، كان لازما على كل حزب الاستمرار في تفعيل ورش الاجتهاد الفكري والثقافي من خلال العمل على تجديد مفردات نسقه النظري والمنهجي، وتقييم صلابتها ومقدار انسجامها مع معطيات الواقع المتحول، واختبار قدراتها على الكشف عن متغيرات الواقع اللحظية وارتياد مآلات تشكّلها في المستقبل. الدينامية التشاورية: تدبيرا وتدويرا الأحزاب السياسية هي تجمعات بشرية، وبحكم طابعها البشري فإنه يعتريها ما يعتري كل التجمعات البشرية من إشكالات ومشاكل وأزمات بعضها يكون تجليّاً لاستبداد حب الزعامات ببعض أفرادها أو تطلعهم لبعض المواقع أو حرصهم على بعض المصالح. لذلك، وحتى تتمكن الأحزاب من معالجة هذه الأدواء ومحاصرة هذه النزوعات، كان مهما إرساء عملها على أساس بناء نموذج تنظيمي يُحدّد لها قواعد إدارة مناشطها وأعمالها، ويوصّف صيغة نظام مشورتها الذي عبره تقرر توجهاتها وتختار مسؤوليها وقياداتها. وبخلاف ما يمكن أن يحسبه البعض من كون المسألة التنظيمية هي محض مسألة تقنية أو تدبيرية خالصة، فإن كل نسق إدارة أعمال وتدبير أشغال وتدوير مسؤوليات هو نسق يعبر عن تحيزات مضمرة لطرح فلسفي أو مدركات معرفية أو منظومات أخلاقية وقيمية أو تفضيلات سياسية ومجتمعية. لذلك، كان على كل حزب أن يتعهّد نسقه الإداري ونموذجه التنظيمي من خلال السهر على تفعيل ديناميته التشاورية الخاصة به وفق ما ارتضاه من تصورات ومنطلقات وقيما، وذلك من جهات عدة: أولا، من خلال تقييم أداء وفعالية هذا النسق ونصاعة هذا النموذج باختبار مقدار انسجامه مع المنطلقات الفكرية والتصورية والمنظومة القيمية التي يدعي كل نسق الانطلاق منها والتأسيس عليها؛ ثانيا، فحص مقدار انسجام قوانين التنظيم ومساطره ولوائحه مع أساسيات النموذج التنظيمي وتوجهاته وتحيزاته واختياراته الكبرى، لا سيما على صعيد منطق صناعة القرار ومنهجية اختيار المسؤولين وطريقة توزيع السلط وإشراك عموم المناضلين في عمليات التدبير والإدارة الحزبية؛ ثم ثالثا، رصد مقدار التزام الأفراد بهذه الاختيارات ومدى احترامهم في سلوكياتهم لنظامها المعياري بما يتضمنه من توجيهات وقيم وأخلاقيات. الدينامية التحاورية: تعارفا وتآلفا ليس خافيا أن إيقاع الحياة الحزبية إيقاع سريع الوتيرة حابل بالانشغالات وعامر بالجزئيات والتفاصيل. الأمر الذي قد يشغل مناضلي الأحزاب بعضهم عن بعض، ويحول دون دوام تواصلهم وتقاربهم، لا سيما على الصعيدين الفكري/المنهجي والمعنوي/العلائقي. خاصة وأن اللقاءات التنظيمية عادة ما تكون عاجزة عن أداء هذا الدور الحيوي، بالنظر إلى رتابتها وقصر وقتها وكثافة جداول أعمالها، بما لا يترك متاحات من اللقى والتداول في أجواء مخصصة لهذا الغرض بالأريحية والهدوء الذي يتطلبهما العمل الحواري. هكذا، فكلما قلّت اللقاءات بين قيادات ومسؤولي الأحزاب ونخبها ومفكريها ومثقفيها مقتصرة على اللقاءات التنظيمية، كلما تضاعفت فرص الاختلاف في الاجتهاد السياسي والتفاوت في بناء وتقدير المواقف والتباعد في اختيار التوجهات والتفاعل مع ما يستجد من وقائع ونوازل. بل في كثير من الأحيان، وعند بعض اللحظات الحاسمة/الفاصلة يجد المرء نفسه وكأنه أمام أحزاب في ظل حزب واحد، يستوي في ذلك الأحزاب القومية والقطرية أو اليسارية والليبرالية أو العالمانية والأخرى ذات المرجعية الإسلامية. وحتى تستطيع الأحزاب السياسية ضمان الحد المطلوب من التوافق الفكري والسياسي بين قياداتها، كان لزاما عليها العمل على توفير الفضاءات المناسبة والكافية للنقاش الحر والحوار المستمر الكفيلين بترميم التفاوت في التقديرات والتقريب بين مختلف وجهات النظر، ما دام أن الوحدة في موارد الثقافة والفكر شرط أساس للوحدة في مصارف النضال والعمل. الدينامية التأطيرية: تواصلا وتلاحما بالقدر الذي يحسن بالأحزاب السياسية أن تجتهد في استدامة ومأسسة الحوار بين قياداتها ومثقفيها، ضمانا لوحدة القيادة في مواجهة الصعاب والتحديات؛ فإنه كذلك يحسن بها الحرص على دوام التواصل مع قواعدها النضالية وحاضنتها الاجتماعية وعموم الرأي العام. ذلك أن الأحزاب بتواصلها التأطيري تستطيع الحفاظ على الحظ الوافر للتعبئة المجتمعية، كما أنه عبر هذا العمل تستطيع كفالة تفهّم عموم المواطنين لقراراتها وسياساتها، التي في بعض الأحيان قد تكون مؤلمة وصعبة، ولعله مما يزيد من ألمها وصعوبتها هو طابع الإبهام والغموض اللذين قد يكتنفاها بسبب ضعف التواصل والتأطير. التأطير والتواصل المقصود هنا هو التأطير والتواصل المؤسساتي الذي تنخرط من خلال المؤسسة الحزبية، بكليتها وشموليتها، في الاتصال بعموم الناس عبر مختلف القنوات التي تعمق الوعي وتوسع المدارك وتيسر سبل الاستيعاب، من خلال صفاء منابع تلقي المعلومات.. وإتاحة الولوج للمعطيات.. وإطلاع العموم على المقاصد والبواعث وراء اتخاذ المواقف والقرارات. على سبيل الختم في الحقيقة، انطلقت فكرة هذه المقالة العاجلة من فرضية أساسية، أن أزمة الأحزاب السياسية، لا سيما في سياقنا الوطني، بقدر رجوعها إلى المعطى الموضوعي المرتبط بحدود الممارسة الديمقراطية ببلادنا والتي تؤثر، بحسب درجة انفتاحها أو انقباضها.. بالإيجاب أو بالسلب، على حيوية الحركية الحزبية وتطورها؛ نعم بقدر أثر المعطى الموضوعي ذلك، فإن هذه الأزمة كذلك ترجع إلى أسباب ذاتية وإشكالات داخلية تعتور التجارب الحزبية وتفتح المجال لجملة من القابليات لضرب استقلاليتها والحد من سيادتها واختراق نسقها الداخلي، مما يقوّض من قدراتها ويحول دون أداء وظائفها ولعب الأدوار المأمولة فيها. لذلك، كان إصلاح الواقع الحزبي بقدر ارتهانه إلى الأجواء السياسية والديمقراطية، بقدر ارتباطه بمعطيات الأداة الحزبية في بعدها الذاتي الخاص.