القاسم الانتخابي هو المعدل الذي توزع على أساسه المقاعد في الاقتراع اللائحي النسبي، وقد كان المعمول به في المغرب منذ انتخابات 2002 أن القاسم الانتخابي يحتسب باقتسام الأصوات المعبر عنها بشكل صحيح على عدد المقاعد المتنافس عليها، كمثال على ذلك إذا كانت دائرة معينة تضم أربعة مقاعد، وكان عدد الأصوات الصحيحة هو 20000 فالقاسم الانتخابي هو 20000 مقسومة على 4 أي 5000، بمعنى أن 5000 صوتا تعني مقعدا. ويتم توزيع المقاعد بين اللوائح المترشحة على هذا الأساس. و أحيانا يتم اللجوء إلى تقنية أكبر بقية إذا تمكنت مثلا لائحتان فقط من تجاوز 5000 صوتا، بحيث يكون مقعد لكل منهما؛ ففي هذه الحالة يمنح المقعد الثالث للائحة التي يبقى في رصيدها أكبر عدد من الأصوات ، مثلا اللائحة أ حصلت على 5500 صوتا، يمنح لها مقعد ويبقى في رصيدها 500 صوتا، اللائحة ب حصلت على 5800 صوتا، يمنح لها مقعد ويبقى في رصيدها 800 صوتا، اللائحة ت حصلت على 4000 صوتا، وبالتالي لم تبلغ القاسم الانتخابي، ولم تحصل على أي مقعد في الأول، لكن بقي في رصيدها 4000 صوتا، أي هي التي تملك أكبر بقية، وبالتالي تحصل على المقعد الثالث وهكذا. التعديل الجديد، كما تمت المصادقة عليه في قراءة أولى بمجلس النواب بتاريخ 5 مارس 2021 ، يقضي باحتساب القاسم الانتخابي على أساس المسجلين، بمعنى أن القاسم الانتخابي سيرتفع. بالرجوع إلى المثال السابق؛ ففي الدائرة التي كان عدد الأصوات الصحيحة فيها هو 20000 قد يكون عدد الناخبين المسجلين بها 40000 أو أكثر. إذا كان مثلا 40000 مسجلا، فالقاسم الانتخابي، الذي ستوزع على أساسه المقاعد سيصبح هو 40000 مقسومة على 4 أي 10000 صوتا. بمعنى لتحصل لائحة ما على مقعد يلزمها 10000 صوتا فما فوق، وليس 5000 صوتا. بعد هذا التوضيح، وبعد ملاحظات سبق الإدلاء بها في مقال سابق (القاسم الانتخابي: الآلية التقنية والأبعاد السياسية)، يمكن إضافة وتأكيد الملاحظات الآتية: أولا: احتساب القاسم الانتخابي على أساس المسجلين في اللوائح الانتخابية أمر شاذ ولا أساس له في التجارب الدولية المقارنة، إذ يكون احتساب القاسم الانتخابي في جل الدول، التي تعتمد التمثيل اللائحي النسبي، على أساس الأصوات المعبر عنها بشكل صحيح. فاحتساب القاسم الانتخابي على أساس المسجلين فيه مس غير مباشر بإرادة المصوت، فلا معنى للتصويت على حزب سياسي معين إذا كان تحويل هذه الأصوات إلى مقاعد سيتم على أساس آخر لا علاقة له بالتصويت. ثانيا: الهدف من اعتماد القاسم الانتخابي على أساس المسجلين هو تقليص إمكانية حصول حزب معين على مقعدين في نفس الدائرة الانتخابية، ويمكن القول، بكل وضوح، أن المتضرر الأول بذلك هو حزب العدالة والتنمية. فهذا الحزب حصل في انتخابات 2016 على مقعدين في مجموعة من الدوائر الانتخابية، كدائرة طنجةأصيلة، وأنزكان أيت ملول، ودائرة سيدي يوسف بن علي ودائرة المنارة بمراكش، ومجموعة من الدوائر الانتخابية بمدينة الدارالبيضاء، وغير ذلك. ثالثا: ما سمعناه من حديث عن تمكين الأحزاب الصغرى من الولوج إلى البرلمان هو حق أريد به باطل، فالذي سيستفيد أكثر من القاسم الانتخابي على أساس المسجلين هي أحزاب بعينها، أما الأحزاب الجديدة والصغيرة فستكون استفادتها محدودة. ثم إذا كان الهدف فعلا هو تشجيع الأحزاب الصغرى كان يمكن اللجوء إلى آليات أخرى، مثلا كان يمكن تشجيع مسألة التحالفات بين الأحزاب السياسية. فقد كان هناك تعديل قانوني يهم هذه المسألة في سنة 2015، هو الذي سمح لفدرالية اليسار بالوجود في مجلس النواب، لماذا لم يتم تطوير ذلك؟ خاصة وبعض الأحزاب السياسية التي صوتت لصالح تعديل القاسم الانتخابي كانت ترفض بشدة البلقنة البرلمانية، ومنها من كان يطالب بالاقتراع الاسمي في دورتين لما يحققه من تعددية حزبية معقولة. رابعا: هناك من يقول بأن احتساب القاسم الانتخابي على أساس المصوتين لا يحقق عدالة التمثيل. وترددت كثيرا المقارنة بين فدرالية اليسار التي حصلت على 265 ألف صوت في انتخابات 2016 وكان نصيبها فقط مقعدان في مجلس النواب، وحزب العدالة والتنمية الذي حصل على مليون و650 ألف صوت أي ما يضاعف أصوات فدرالية اليسار ب 10 مرات، لكن نصيبه من المقاعد بلغ 125 مقعدا، أي ما يضاعف مقاعد الفدرالية بما يزيد عن 60 مرة. وهنا من المهم أن نعرف أن العدالة في التمثيل لا تتحقق حتى باحتساب القاسم الانتخابي على أساس المسجلين، لأن عدالة التمثيل لها علاقة بعوامل أخرى كنسبة تغطية دوائر الترشيح من قبل الأحزاب المتنافسة، فلا يمكن مقاربة حزب قدم لوائح للترشيح في كل الدوائر بحزب أو تحالف حزبي ترشح فقط في 25 أو 30 في المائة من الدوائر، وعدالة التمثيل لها علاقة أيضا بالتقطيع الانتخابي، وحجم الدوائر الانتخابية، وعدد المقاعد المتنافس عليها في كل دائرة… ومن المهم أن نعرف أيضا أن العدالة المطلقة في التمثيل لا يوفرها أي نمط اقتراع، بل يبقى التمثيل النسبي كما هو معمول به، رغم ما يلاحظ عليه، الأكثر عدالة في التمثيل مقارنة مع أنماط الاقتراع الأخرى، لذلك تعمل به الكثير من الدول التي بها أقليات. خامسا: يلاحظ بعض التناقض في التعديلات الأخيرة، ففيما يتعلق بالترشيح الوحيد، سواء تعلق الأمر بمرشح أو لائحة ترشيح، تنص بعض التعديلات على أنه لا يمكن الفوز إلا إذا حصل المرشح أو لائحة الترشيح على نسبة لا تقل عن خمس أصوات الناخبين. خمس أصوات الناخبين، وليس خمس عدد المسجلين. بل فيما يتعلق بالانتخابات الجماعية، التي يطبق فيها الاقتراع اللائحي، يكون احتساب القاسم الانتخابي على أساس الأصوات المعبر عنها وليس على أساس المسجلين. عكس ما تم إقراره فيما يتعلق بمجلس النواب. إن هذا التناقض يؤكد أن أصوات الناخبين لن تكون لها نفس القيمة، كما يؤكد أن القصد بتعديل القاسم الانتخابي هو منع تكرار ما حدث في الانتخابات التشريعية في 2016 حيث فاز العدالة والتنمية بأكثر من مقعد في مجموعة من الدوائر. في الأخير أشير إلى أن مسطرة التعديل لم تبلغ نهايتها بعد، كما أن مجموعة من التعديلات وردت في قوانين تنظيمية، مما يجعل من المحتم عرضها على المحكمة الدستورية. * أستاذ القانون الدستوري وعلم السياسة/ جامعة القاضي عياض