محاضرة الدكتور محمد العمارتي بكلية أصول الدين ألقى الباحث في الدراسات الاستشراقية الدكتور محمد العمارتي محاضرة علمية لفائدة طلبة ماستر الفكر الإسلامي والحضارة بكلية أصول الدين بتطوان، يوم 25 فبراير 2021، تحت عنوان "تراثنا الإسلامي الأندلسي في عيون المستعربين الإسبان"، وقد افتتحت المحاضرة التي سيرها الطالب عثمان الشريف، بتعريف مختصر بالأستاذ المحاضر، وببعض أعماله الأدبية والعلمية، وانشغالاته الأكاديمية، ثم انطلقت المحاضرة، بالثناء على الله والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم تقديم الشكر للسيد عميد كلية أصول الدين بجامعة عبد المالك السعدي الدكتور محمد التمسماني، والسيد رئيس شعبة الفلسفة والفكر الإسلامي والحضارة الدكتور أحمد الفراك، وكذا اللجنة المنظمة لهذا اللقاء العلمي. أشار المحاضر في البداية إلى ثلاث نقاط أساسية تتعلق بموضوع المحاضرة بصفة عامة، وهي: الأولى: انعدام تراكم علمي ومعرفي وافر في هذا المبحث (الاستعراب). الثانية: تخلص الاستعراب الإسباني من الاستشراق الأوربي. الثالثة: لا يمكن دراسة التراث الأندلسي (الإسباني) بكل قضاياه. ثم قسم د. محمد العمارتي محاضرته إلى شقين: الشق الأول: خصصه للجهاز المفاهيمي والاصطلاحي. الشق الثاني: جعله لمرحلة السيادة الإسلامية على الأندلس إلى ظهور الاستعراب الإسباني. أما الشق الأول. وقد عني بالجهاز المفاهيمي والاصطلاحي، حيث قام فيه بتعريف مصطلحات (الاستشراق، والاستفراق، والاستعراب). 1/ الاستشراق: ذو طابع كوني، وهو دراسة الشرق بكل روافده السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية. 2/ الاستفراق: ذو طابع محلي، والاستفراق من إفريقيا، وهي الدراسة التي ركزت على الجنوب المغربي. وقد اعتبر أن الاستشراق ساهم في ظهور الاستعراب، كما اعتبر أيضا أن الاستشراق من جملة الأسباب التي ساهت في الاستعمار. 3/ الاستعراب: هو دراسة التراث الأندلسي خاصة دون غيره. وقد ذكر مجموعة من الأعلام الذين اهتموا بدراسة التراث الأندلسي فقط، ومنهم: بلاثيوس وغيره، فقد قاموا بالاعتكاف على دراسة تراث الأندلسيين وحدهم أمثال: ابن رشد، وابن مسرة، وابن حزم، وابن العربي وغير ذلك كثير. وأشار في نفس السياق إلى أن هناك كثيرا من الإسبان خالطوا المشارقة ولم يكتبوا شيئا عن تراثهم. وفي هذا السياق تحدث عن الأندلس وعلاقتها بهذه المصطلحات المحدودة، مؤكدا أن اسبانيا عرفت: الاستشراق والاستفراق والاستعراب، وقد ذكر مجموعة من الأعلام الإسبان الذين درسوا تراث الشرقيين. وأما الشق الثاني. وتحدث فيه عن مرحلة السيادة الإسلامية على الأندلس إلى ظهور الاستعراب الإسباني. وقد قسم هذه المرحلة إلى ثلاث مراحل أساسية، وهي: المرحلة الأولى: السيادة الإسلامية على الأندلس في القرن التاسع الهجري. المرحلة الثانية: ما بعد السيادة الإسلامية (المداولة القشتالية). المرحلة الثالثة: المرحلة الحالية. أما الأولى: السيادة الإسلامية على الأندلس في القرن التاسع الهجري. تبتدئ هذه المرحلة من بداية الترجمة، وقد اتخذت تجليات ثلاث: 1/ ترجمة الكتب الدينية المقدسة من قبل المسيحيين من أجل قراءتها باللغة العربية بدل اللاتينية التي تراجعت أنداك، وهذا ناتج عن التسامح الموجود بين المسلمين والمسيحيين. 2/ تبوأ مناصب مهمة في سلك الدولة؛ فقد كان الخلفاء الأمويين يعطون المسيحيين واليهود منازل عظيمة في سلك الدولة، كما قلدوهم مناصب السفراء. 3/ إعادة احياء التراث اليوناني والديني وإشاعته بين الناس؛ أي أن هناك كثيرا من النصوص المسيحية التي كانت تترجم إلى العربية في ظل الحكم الأموي في الاندلس. أما الثانية: تبدأ منذ سقوط الدولة الإسلامية وخاصة طليطلة على يد أنفونصو الثالث، وفي هذه المرحلة انقسم المسلمون إلى دول وطوائف. وهذه المرحلة عرفت تقدما ملحوظا في الجانب الشعري؛ لأن الأمراء كانوا يقربون إليهم الشعراء من أجل مدحهم. وفي هذه المرحلة نجد دافعان أساسيان ساهما في هزيمة المسلمين هما: الدافع الأول: الدافع الديني. عندما سقطت طليطلة انحصر الدين الإسلامي في مناطق قليلة، وهذا كان سببا كافيا في شن حملات التبشير. الدافع الثاني: الدافع العلمي. قامت مكتبة طليطلة الواقعة في أيدي المسيحيين بنشر الكتب الإسلامية على أوسع نطاق، فجاء الناس من كل حدب وصوب من أجل الاستفادة من الإرث الأندلسي. أما الثالثة: مرحلة العصر الحديث. وتبدأ هذه المرحلة مند سقوط غرناطة سنة (1462م)، ففي هذه المرحلة دخلت إسبانيا في مرحلة الظلام، من خلال قتلها ما هو مادي وما هو معنوي، وهنا بدأت محاكم التفتيش، وحرم على المسلمين ممارسة عاداتهم وعبادتهم، وقد شُدد عليهم الخناق إلى درجة لا تتصور مِن قبل مَن لم يعش تلك المرحلة. وفي هذه المرحلة أدرك الإسبان شناعة ما ارتكبه أجدادهم، وأن دخول المسلمين إلى الأندلس لم يكن وصمة عار على المسيحيين الإسبان، وقد تأكد لديهم بالدليل الملموس والمحسوس أن المسلمين كانوا إخوانهم وأن التراث الأندلسي هو قسمة بينهم وأنه قاسمهم المشترك. وفي الختام جدد المسير الشكر للأستاذ المحاضر، ثم فتح باب المناقشة أمام الطلبة المتداخلين، وقد وجهت مجموعة من الأسئلة للمحاضر من قبل الطلبة تفاعلا مع مضامين المحاضرة القيمة، ليستلم الدكتور أحمد الفراك الكلمة ليثمن محاضرة الدكتور محمد العمارتي ومداخلات الطلبة، ليختتم هذا الحفل المعرفي بالتقاط صور تذكارية بالمناسبة. * إعداد: عبد الله الحاجي