أعلن قصر الإليزيه أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون اعترف، أمس الثلاثاء، بأن المحامي والزعيم الوطني الجزائري علي بومنجل "تعرّض للتعذيب والقتل" على أيدي الجيش الفرنسي قبل 64 سنة، متراجعا بذلك عن الرواية الفرنسية بأنه انتحر، كما استقبل أحفاد بومنجل لتصحيح هذا الخطأ. وقالت الرئاسة الفرنسية -في بيان- إن ماكرون أدلى بنفسه بهذا الاعتراف "باسم فرنسا" وأمام أحفاد بومنجل الذين استقبلهم الثلاثاء، وذلك في إطار مبادرات أوصى بها المؤرخ بنجامين ستورا في تقريره حول ذاكرة الاستعمار وحرب الجزائر التي انتهت في 1962. وأضاف البيان أن بومنجل "اعتقله الجيش الفرنسي في خضمّ معركة الجزائر، ووُضع في الحبس الانفرادي وتعرّض للتعذيب، ثم قُتل في 23 مارس 1957". وتابع الإليزيه في بيانه أنه في عام 2000 "اعترف (الرئيس السابق للاستخبارات الفرنسية في الجزائر) بول أوساريس بنفسه، بأنه أمر أحد مرؤوسيه بقتل (بومنجل) وإخفاء الجريمة على أنّها انتحار". ووفقا للبيان، فإن ماكرون استقبل في قصر الإليزيه 4 من أحفاد علي بومنجل ليخبرهم -باسم فرنسا- بما كانت أرملة الراحل مليكة بومنجل تود أن تسمعه، وهو أن "علي بومنجل لم ينتحر، لقد تعرّض للتعذيب ثم قُتل". كما أبلغهم ماكرون "باستعداده لمواصلة العمل الذي بدأ منذ سنوات عديدة لجمع الشهادات وتشجيع عمل المؤرّخين من خلال فتح الأرشيف، من أجل منح عائلات جميع المفقودين على ضفتي البحر الأبيض المتوسط الوسائل لمعرفة الحقيقة". وشدد الرئيس الفرنسي في البيان على أن هذه المبادرة "ليست عملا منعزلا"، مؤكدا أنه "لا يمكن التسامح أو التغطية على أي جريمة أو فظاعة ارتكبها أي كان خلال الحرب الجزائرية". ووعد ماكرون في البيان بأن "هذا العمل سيتوسّع ويتعمّق خلال الأشهر المقبلة، حتّى نتمكّن من المضيّ قدما نحو التهدئة والمصالحة"، داعيا إلى "النظر إلى التاريخ في وجهه، والاعتراف بحقيقة الوقائع" من أجل "مصالحة الذاكرة". وكان بومنجل محاميا وناشطا في حزب الاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري، الذي أسسه في 1946 أول رئيس للحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية فرحات عباس. واعتقل بومنجل خلال "معركة الجزائر" العاصمة عام 1957، بعد تدخل القوات الخاصة للجيش الاستعماري لوقف هجمات جبهة التحرير الوطني. وفي الشهر الماضي، نددت فضيلة بومنجل شيتور ابنة أخي علي بومنجل -وهي أستاذة في الطب وناشطة حقوقية- بمحاولة باريس التغطية على جريمة قتل عمّها، واصفة ما جرى ب"كذب الدولة الهدّام". ذاكرة الاستعمار ويأتي اعتراف ماكرون بعد يوم من تصريحات تلفزيونية لنظيره الجزائري عبد المجيد تبّون، قال فيها إن العلاقات الجزائرية الفرنسية "حاليا طيبة"، ولكنها لن تكون على حساب التاريخ والذاكرة، معتبرا أن ما فعله الاستعمار "ليس بالأمر الهين". كما أكد تبون أن الجزائريين "لن يتخلوا أبدا عن ذاكرتهم"، وذلك تعليقا على تقرير المؤرخ الفرنسي ستورا. وكان ماكرون قد وعد باتخاذ "خطوات رمزية" لتجاوز ذكريات الاستعمار، لكنه استبعد تقديم "الاعتذار"، كما كلف في يوليو المؤرخ ستورا بإعداد تقرير "منصف" عن ذاكرة الاستعمار، وهو التقرير الذي أثار جدلا واسعا بعدما قدمه ستورا إلى ماكرون في 20 يناير الماضي. ولم يقترح التقرير تقديم اعتذار للجزائر عن الجرائم التي ارتكبت طوال 132 سنة من الاحتلال، إلا أنه قدم مقترحات من قبيل نقل رفات بعض المناضلين إلى مقبرة العظماء في فرنسا (البانتيون)، وإعادة جماجم بعضهم إلى الجزائر، وتخصيص مساحة أكبر لتاريخ البلدين في مناهج التعليم.