تتكون الصحراء المغربية من إقليمين من الساقية الحمراء في الشمال وواد الذهب في الجنوب، وتبلغ مساحتها 284 ألف كلم مربع، تحدها الجزائر من الشمال الشرقي، وتحيطها موريتانيا من جهتي الشرق والجنوب، ويحدها من الغرب المحيط الأطلسي، بامتداد ساحلي طويل يبلغ 1400كلم[1]، فالصحراء المغربية ليست فقط مغربية، وليست فقط جزء لا يتجزأ من المملكة المغربية، وليست فقط من أهم مناطق المملكة، ولكنها بالإضافة إلى ذلك من منابع تاريخه الكبرى، بكل ما تفجرت به تلك المنابع من قيم ومثل عليا، لا يمكن تجريد المغرب منها دون تجريده من صميم شخصيته. إن الدور الذي لعبه المغرب في تاريخ الصحراء، والدور الذي لعبته الصحراء في تاريخ المغرب باعتبار الوطن الواحد أعمق أصالة من أن يستطيع الاستعمار طمسه[2]، فالصحراء المغربية كانت صلة وصل بين المغرب وإفريقيا، وعبرها كانت قوافل التجارة تنتقل منه إليها ومنها إليه، وكانت بين المغرب وإفريقيا عبر الصحراء عدة طرق أمنت اتصاله بها باستمرار، وقد حرص ملوك المغرب على ضمان الراحة والأمن لسالك هذه المسالك وقاية لهم من المهالك، وعبر طرق القوافل الصحراوية المغربية كان ملوك المغرب والسودان يتهادون التحف والهدايا[3]. إن ملف الصحراء المغربية يشكل اليوم الموضوع الأكثر أهمية في السياسة الخارجية المغربية، منذ بزوغ مسألة استكمال الوحدة الترابية، ذلك أن الصحراء هي مجال طبيعي واستراتيجي يعبر بعمق عن حقيقة وجود الدولة المغربية، بحيث لا يمكن أن يتصور وجود هذه الأخيرة دون امتدادها الصحراوي، كما لا يمكن تصور وجود الصحراء منفصلة عن المغرب، لأن هناك أكثر من عوامل يربط بينهما سياسيا وتاريخيا وجغرافيا واقتصاديا وثقافيا واجتماعيا[4]. كما أن الصحراء المغربية كانت ومازالت تلعب أدوارا سياسية هامة، في تشكيل الخريطة التاريخية والحضارية للمغرب، فقد ساهمت بقوة في تمثيل المشهد السياسي في جميع الدول المتعاقبة على الحكم في المغرب، كما ساهمت في بلورت تلاحم الدول المغربية، ذلك أن التركيبة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تطبع الأمة المغربية، تظهر بصورة واضحة في الصحراء المغربية[5]، ومقترح الحكم الذاتي الذي قدمته المملكة المغربية إلى الأممالمتحدة يستجيب لتوجهين اثنين: أولا: اعتبار أنه في كل صراع دولي ليس هناك غالب واحد يمكن أن يأخذ كل شيء، مهما كانت شرعية حقوقه، فهناك قاعدة لا غالب ولا مغلوب. ثانيا: أن هذا الحل يعتبر القضية يمكن أن تحل على أساس أنه لا إلحاق ولا انفصال، بل هناك وضعية خاصة تسمح لسكان الصحراء بتدبير شؤونهم دون الارتقاء إلى شخصية دولية منفصلة. وبتقديم المغرب لمقترح الحكم الذاتي للصحراء رسميا إلى الأمين العام للأمم المتحدة، يكون قد أدخل بشكل واضح ملف الصحراء في منعطف جديد، يتطلب من النظام الدولي مقاربة جديدة. ومن الخطب الملكية المعززة والمؤكدة على مغربية الصحراء خطاب الملك محمد السادس بمناسبة الذكرى 39 للمسيرة الخضراء 6 نونبر 2014: "لقد مرت أربعون سنة من التضحيات من أجل استرجاع وتحرير الإنسان، وتكريم المواطن المغربي بالصحراء، وكسب قلبه، وتعزيز ارتباطه بوطنه، وإننا لنستحضر بكل تقدير جميع الذين قدموا حياتهم في سبيل الدفاع عن الصحراء، فهناك أمهات وآباء من جميع أنحاء الوطن، فقدوا أبناءهم في الصحراء، وهناك أرامل تحملن أعباء الحياة وحدهن، وأيتام لم يعرفوا حنان الأب من أجل الصحراء، وهناك شباب فقدوا حريتهم وعاشوا أسرى لسنوات طويلة في سبيل الصحراء، فالصحراء ليست قضية الصحراويين وحدهم، الصحراء قضية كل المغاربة، وكما قلت في خطاب سابق: الصحراء قضية وجود وليست مسألة حدود. والمغرب سيظل في صحرائه والصحراء في مغربها إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها". وقد قدم الملك محمد السادس في خطاب الذكرى 42 للمسيرة الخضراء 6 نونبر 2017 الرؤية المتجددة للمملكة المغربية ضمن لاءات أساسية: -أولا: لا لأي حل لقضية الصحراء، خارج سيادة المغرب الكاملة على صحرائه، ومبادرة الحكم الذاتي، التي يشهد المجتمع الدولي بجديتها ومصداقيتها. -ثانيا: الاستفادة من الدروس التي أبانت عنها التجارب السابقة، بأن المشكل لا يكمن في الوصول إلى حل، وإنما في المسار الذي يؤدي إليه. لذا، يتعين على جميع الأطراف، التي بادرت إلى اختلاق هذا النزاع، أن تتحمل مسؤوليتها كاملة من أجل إيجاد حل نهائي له. – ثالثا: الالتزام التام بالمرجعيات التي اعتمدها مجلس الأمن الدولي، لمعالجة هذا النزاع الإقليمي المفتعل، باعتباره الهيأة الدولية الوحيدة المكلفة برعاية مسار التسوية. -رابعا: الرفض القاطع لأي تجاوز، أو محاولة للمس بالحقوق المشروعة للمغرب، وبمصالحه العليا، ولأي مقترحات متجاوزة، للانحراف بمسار التسوية عن المرجعيات المعتمدة، أو إقحام مواضيع أخرى تتم معالجتها من طرف المؤسسات المختصة. إن الواجب الوطني يقتضي على المغاربة المقيمين بالخارج المساهمة في توضيح الحجج والأدلة المنطقية، والتاريخية، والجغرافية، والدينية، والقانونية، والسياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، التي تبرهن على مغربية الصحراء، وتوضيح مبادرة المملكة المغربية الداعية إلى الحكم الذاتي كسبيل لتسوية نزاع الصحراء المغربية. وفي الأخير نوجه نداءنا لعموم أبناء الجالية المغربية المقيمة بالخارج لرص صفها الداخلي وللتحلي بأكبر قدر من روح المواطنة، وبالتسلح بالقدر الكافي من الحجج المنطقية للقيام بحملات تحسيسية للتعريف بمشروعية قضيتنا الوطنية (الصحراء المغربية) في كل المناسبات وعلى كل المنابر وبكل الإمكانيات المشروعة المتاحة، والنظر بجدية إلى ما يمكن أن يترتب عن حل هذا النزاع المصطنع ضمن المقترح المغربي للحكم الذاتي في إطار السيادة المغربية من تحقيق مصالح استراتيجية وسياسية واقتصادية وأمنية إقليمية، من بينها وأهمها رجوع أبناء الوطن المحتجزين في مخيمات تندوف لذويهم، وجعل المغرب والجزائر قوة اقتصادية وعسكرية توفر لأبنائهما الأمن والأمان والتقدم والازدهار لا بؤرة توثر وتخلف. والله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل الهوامش: [1] – ينظر: الإطار الدولي والإقليمي لمشكلة الصحراء المغربية، جهاد عودة، 1987، القاهرة، ص 3، بتصرف. [2] – ينظر: مذكرات المسيرة الخضراء، عبد المجيد بن جلون، شركة الطبع والنشر، الدارالبيضاء، 1975، ص 32. [3] – ينظر: حفريات صحراوية مغربية، عبد الوهاب بن منصور المطبعة الملكية، الرباط، 1975، ص 23. [4] – ينظر: التسوية السياسية لقضية الصحراء المغربية..الحكم الذاتي نموذجا، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام، كلية الحقوق سلا، 2007-2008، ص 1. [5] – قضية الصحراء المغربية ومخطط التسوية الأممي، دراسة قانونية وسياسية في مسار التسوية في نطاق المنظمات الدولية، دار أبي رقراق للطباعة والنشر، ط.1، الرباط، 2007، ص 21. * منسق المنتدى الأوربي للوسطية – بلجيكا