عرف المغرب عدة تحولات في المجال الديمقراطي والحقوقي لاسيما بعد اعتماد دستور 2011 الذي يمكن اعتباره من دساتير الجيل الجديد شاملا لمجموعة حقوق، متعارف عليها عالميا، وآليات وهيئات دستورية وأخرى تقوم بدور الوساطة من قبيل الأحزاب والنقابات والجمعيات. وقد فَصَّل الدستور المغربي مهام كل هيئة من هيئات الوساطة، فأوكل للأحزاب تأطير المواطنات والمواطنين وتكوينهم السياسي وتعزيز انخراطهم في الحياة الوطنية(الفصل 7 من الدستور)، وخَصَّ المنظمات النقابية للأجراء بالمساهمة في الدفاع عن الحقوق والمصالح الاجتماعية والاقتصادية للفئات التي تمثلها(الفصل 8)، ونَصَّ على أن الجمعيات تمارس أنشطتها بحرية في نطاق احترام الدستور والقانون(الفصل 12). كما أحال الدستور إلى مجال القانون تحديد قواعد تأسيس الهيئات السالفة الذكر، التي من أهمها تقديم ملف التأسيس للسلطة المختصة مقابل وصل يكون نهائيا (حالة الأحزاب السياسية)، أو مؤقتا لمدة ستين (60)يوما يسلم بعد انصرامها وصلا نهائيا (حالتا النقابات والجمعيات). وهنا نتساءل عن الغاية من إلزامية الوصلين المؤقت والنهائي في سيرورة إنشاء نقابة أو جمعية؟ أم أن الأمر لايعدو أن يكون إجراء ورثته النصوص التشريعية المعنية من "حقبة الرصاص"، وأضحت في ظل دستور 2011 بدون موضوع؟ لمعالجة هذه الإشكالية سيتم التطرق في عجالة إلى الإطار القانوني المنظم للإجراءات المتعلقة بتسليم الوصل عند تأسيس الهيئات الآنفة الذكر(أولا) ومناقشة هذه الإجراءات من منظور قانوني صرف (ثانيا)لنخلص لإبداء وجهة نظر بشأنها. أولا :إجراءات تسليم الوصل : 1. الأحزاب السياسية: يفيد القانون التنظيمي رقم 29.11 المتعلق بالأحزاب السياسية في مادته السادسة على أن الأعضاء المؤسسين لحزب سياسي يودعون مباشرة أو عن طريق مفوض قضائي، ملف التأسيس لدى السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية، مقابل وصل مؤرخ ومختوم يسلم فورا، دون إضفاء صفة التأقيت عليه أو استلزام الحصول على وصل نهائي في تاريخ لاحق. غير أنه إذا كانت شروط أو إجراءات التأسيس غير مطابقة لأحكام القانون التنظيمي رقم 29.11 المشار إليه أعلاه، فإن السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية تقدم طلبا أمام المحكمة الإدارية بالرباط من أجل رفض التصريح بتأسيس الحزب داخل ستين يوما من تاريخ إيداع ملف التأسيس.وهذا المقتضى الأخير ينسجم مع أحكام الفصل التاسع من الدستور الذي ينص على أنه "لايمكن حل الأحزاب السياسية والمنظمات النقابية أو توقيفها من لدن السلطات العمومية إلا بمقتضى مقرر قضائي". وهكذا، فإن إجراءات إيداع ملف تأسيس حزب سياسي تتمثل في : * إيداع ملف التأسيس، * التوصل حالا بوصل مؤرخ ومختوم دون اتسامه بصفة التاقيت، * إشعار مؤسسي الحزب بمطابقة قواعد تأسيسه لأحكام القانون التنظيمي رقم 29.11 داخل أجل معين، * إمكانية رفض تأسيس الحزب بناء على مقرر قضائي. ويستشف من هذه الإجراءات استبعاد مايعمل به عند تأسيس النقابات والجمعيات من إلزامية وصلين مؤقت ونهائي. 1. المنظمات النقابية للأجراء : في سياق تكريس الحريات النقابية، عشية حصول المغرب على استقلاله، تم اعتماد الظهير الشريف رقم 1.57.199 بتاريخ 16 يوليوز 1957 المتعلق بالنقابات المهنية يروم تخويل العمال وأرباب العمل حق تكوين منظمات نقابية مع استثناء فئات من الموظفين نظير حاملي السلاح أو التي تمنعها قوانينها الخاصة من الانتماء النقابي من قبيل رجال القضاء. وعلى إثر دخول حيز التنفيذ، القانون رقم 56.99 المتعلق بمدونة الشغل ابتداء من شهر يونيو 2004، اقتصر الظهير الشريف رقم 1.57.199 على تنظيم قواعد تأسيس نقابات موظفي الدولة والجماعات الترابية والمؤسسات العمومية غير الصناعية أو التجارية أو الفلاحية وكذا العمال المستقلين، واختصت مدونة الشغل بوضع المقتضيات المتعلقة بالنقابات المهنية الخاصة بالأجراء والمشغلين في المقاولات والمؤسسات التي تسري عليها أحكام القانون الخاص، وكذا المؤسسات العمومية التجارية أو الصناعية أو الفلاحية. وهكذا فان مؤسسي النقابة،وفق مدونة الشغل، يودعون ملفا لدى مكتب السلطة الإدارية الترابية مقابل وصل إيداع يسلم فورا أو مقابل التأشير على نظير من الملف في انتظار تسليم الوصل.وحسب الظهير الشريف رقم 1.57.199 فانه يجب على جميع الأشخاص الذين يريدون إنشاء نقابة مهنية أن يقدموا ملفا لمكاتب السلطة الترابية المختصة أو أن يرسلوه إليها بواسطة كتاب مضمون مع الإعلان بوصول هذا الكتاب، ويعطى عن كل ذلك وصل أو يرسل إلى من يعنيهم الأمر. ويستنتج من الإجراءات المذكورة أنه مقابل إيداع الملف يتم التوصل بوصل لا يمكن بتاتا وسمه بالتأقيت بعلة عدم ذكر أي مدة زمنية للحصول على وصل نهائي، غير أن الممارسة العملية اعتمدت نفس إجراءات تأسيس الجمعيات دون أي رد فعل من لدن النقابات. ج_ الجمعيات : يفيد الظهير الشريف رقم 1.58.376 الصادر في 15 نونبر 1958 بتنظيم حق تأسيس الجمعيات في فصله الخامس على أنه يجب أن تقدم كل جمعية تصريحا إلى مقر السلطة الإدارية الترابية مباشرة او بواسطة عون قضائي يسلم عنه وصل مؤقت مختوم ومؤرخ في الحال. وعند استيفاء الإجراءات اللازمة يسلم وصل نهائي وجوبا داخل أجل أقصاه 60 يوما،وفي حالة عدم تسليمه داخل هذا الأجل يمكن للجمعية أن تمارس أنشطتها وفق الأهداف المسطرة في قوانينها. وحماية لحق تأسيس الجمعية، فإن النظر في طلب التصريح ببطلان هذا التأسيس تختص به المحكمة الابتدائية مع إمكانية أن تأمر، ضمن الإجراءات التحفظية، بإغلاق الأماكن ومنع كل اجتماع لأعضاء الجمعية بالرغم من كل وسائل الطعن. ويتبين مما سلف أن تأسيس الجمعيات مطوق بما يلي : * تقديم ملف التأسيس مقابل وصل مؤقت، * إمكانية منح وصل نهائي داخل أجل أقصاه ستين يوما، * توقيف أو حل الجمعية رهين بصدور مقرر قضائي. ثانيا: مناقشة إجراءات التأسيس يبدو أنه يجب القطع مع حكاية "الوصلين المؤقت والنهائي" تبعا للمبررات التالية: * غل يد النقابة أو الجمعية في مزاولة أنشطتهما إلى حين الحصول على الوصل النهائي أو مرور 60 يوما التالية لتقديم ملف التأسيس، * انصرام ستون يوما من تاريخ توصل الجهة المختصة بملف التأسيس دون منح الوصل النهائي يخول النقابة والجمعية الحق في مزاولة مهامهما، * إمكانية استصدار مقرر قضائي خلال المدة المذكورة (60 يوما)أو بعد انقضائها يقضي بتوقيف أوحل النقابة أو الجمعية. وبناء على ما ذكر،وحيث انه يمكن اللجوء إلى القضاء لإيقاف أو حل النقابة أو الجمعية من تاريخ تقديم ملف التأسيس، فإن غل يد النقابة و الجمعية في ممارسة أنشطتهما إلي حين الحصول على ترخيص نهائي أو انقضاء مدة ستين يوما، غير مبرر من منظور المنطق القانوني، مادام انه بإمكان السلطة المختصة أو النيابة العامة الارتكان للقضاء للمطالبة بإيقاف أو حل الهيئتين المذكورتين في أي مرحلة سواء قبل الحصول على الوصل النهائي أو بعده. وللتذكير، فان تأسيس حزب سياسي وممارسته لمهامه غير مرتبط بالحصول على وصل نهائي، اذ يقتصر الأمر على تقديم ملف التأسيس مقابل وصل ليس إلا، مع إمكانية اللجوء إلى المحكمة الإدارية بالرباط من أجل رفض التأسيس داخل آجل ستين يوما من تاريخ إيداع ملف تأسيس الحزب الذي لايُمْنَع من الشروع في القيام بمهامه الا بعد استصدار مقرر قضائي بهذا الخصوص تساوقا مع أحكام الفصل التاسع من الدستور. وفي حالة مطابقة شروط وإجراءات تأسيس حزب لمقتضيات القانون التنظيمي المتعلق بالأحزاب السياسية توجه السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية إشعارا بذلك بواسطة رسالة مضمونة الوصول مع إشعار بالتوصل إلى الأعضاء المؤسسين للحزب داخل أجل ثلاثين يوما لتاريخ إيداع الملف دون إشارة أو حديث أو تلميح عن وصل مؤقت أو نهائي. نعم إن أجل لجوء السلطة المذكورة للمحكمة الإدارية بالرباط للتصريح برفض تأسيس حزب معين محدد في 60 يوما، في حين أن الإشعار المتعلق بمطابقة شروط وإجراءات تأسيس حزب لمقتضيات القانون التنظيمي رقم 29.11 يتم داخل أجل 30يوما. وبناء عليه فإن المراد بالإشعار، الذي لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يرقى إلى وصل مؤقت أو ترخيص، إخبار الحزب المعني بأنه وفق شروط التأسيس المدلى بها لن تطالب السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية من القضاء النظر في توقيفه أوحله. وجهة نظر تفعيلا للديمقراطية وإحقاقا للحقوق المتعارف عليها عالميا وتحقيقا لمبدأ المساواة بين هيئات الوساطة السالفة الذكر، وترسيخا لمنظومة قانونية متناسقة في هذا الشأن، يبدو من الملائم العمل على إدراج التعديلات المناسبة على الأطر القانونية المنظمة لهذا الشق المتعلق بتأسيس نقابة أو جمعية لتضحى متناغمة مع المقتضيات الواردة في القانون التنظيمي المتعلق بالأحزاب السياسة بغاية : * الاقتصار على منح وصل واحد ووحيد فورا عند تقديم ملف التأسيس مع الشروع حالا في مزاولة المهام المخولة قانونا للنقابات والجمعيات بدون اشتراط انصرام مدة زمنية معينة، * إشعار النقابة أوالجمعية في حالة مطابقة إجراءات تأسيسهما للقوانين المنظمة لهما على غرار الأحزاب السياسية، * تكريس توقيف وحل النقابة أو الجمعية بمقرر قضائي بخلاف التوقيف الفعلي الممارس حاليا خلال مدة ستين يوما من تاريخ تقديم ملف تأسيس النقابة أو الجمعية.