تشكل انتخابات 7 يناير الجزئية باقليم الرشيدية محط أنظار مجموعة من المتتبعين وصناع القرار نظرا لكون منطقة تافيلالت تشكل خزانا ورهانا انتخابيا لحزب العدالة والتنمية، وبالتالي فهي تجربة مخبرية ومؤشر دلالي لمآلات الانتخابات المقبلة على المستوى الوطني، لأن من شأن قراءة وتحليل نتائج هذه الانتخابات ان يبرز سمات المشهد السياسي المقبل محليا ووطنيا، وفي سياق قراءة نتائج هذه الانتخابات نسهم ببسط الملاحظات الآتية : الملاحظة الأولى: وتتعلق بنسبة المشاركة في هذه الانتخابات، حيث يبلغ عدد المسجلين في اللوائح الانتخابية باقليم الرشيدية حوالي 213 الف، لكن مجموع الاصوات المعبر عنها في هذه الانتخابات الجزئية ضعيف جدا مقارنة مع عدد المسجلين، ويكفي أن نشير هنا فقط إلى ان عدد الاصوات التي حصلت عليها 3 احزاب متنافسة بالترتيب وهي الاتحاد الاشتراكي الذي حصل على المرتبة الأولى ب 10756 صوتا، والتجمع الوطني للأحرار في المرتبة الثانية ب10729 صوتا والعدالة و التنمية ب9201 صوتا، اي ما مجموعه 30686 صوتا فقط، اي ان هذه الاحزاب الثلاثة مجتمعة لم تحصل الا على نسبة 14،4 في المائة من عدد المسجلين، وهي أضعف نسبة في تاريخ الانتخابات محليا، و بطبيعة الحال لهذا العزوف مجموعة من الأسباب والعوامل المرتبطة بالسياق السياسي والدستوري بالمغرب ، وعوامل أخرى مرتبطة بفقدان الثقة. الملاحظة الثانية: وتتعلق بالتراجع المهول الذي عرفه حزب العدالة والتنمية خلال هذه الانتخابات، حيث فقد اصواتا عديدة مقارنة مع اخر انتخابات تشريعيةسنة2016 والتي حصل فيها بالاقليم على ما مجموعه 252 26 صوتا، ليتراجع خلال هذه الانتخابات إلى 9201 صوتا فقط اي فقد اكثر من 17000صوتا، وهو عدد كبير جدا، مما يفسر التراجع الكبير الذي تعرفه شعبية الحزب في الإقليم الذي ظل لسنوات عديدة حاضنة انتخابية بامتياز للحزب، وترجع اسباب هذا التراجع لعدة عوامل سياسية مرتبطة بموقع الحزب في مسؤولية التدبير والتسيير لأغلب جماعات الإقليم، التي تظل انجازاتها محدودة أمام الانتظارات العريضة للمواطنين وأمام حجم الخصاص الذي يعانيه الإقليم تاريخيا بسبب التهميش والاقصاء، مما أسهم في ارتفاع أصوات المعارضة وانتقاذ ازدواجية الخطاب والممارسة الحزبية للعدالة والتنمية، وهناك ايظا عوامل استراتيجية مرتبطة بمدى التزام الحزب بمبادئه ومرجعيته التي تأسس عليها. خاصة بعد مجموعة من الخرجات والمواقف التي انتقصت من مشروعيته الحضارية والتاريخية، وبالفعل ساهمت هذه العوامل لتأخذ احزاب أخرى منافسة موقعا لها في الخريطة السياسية محليا، حيث استفاد حزب التجمع الوطني للاحرار من هذا الوضع خاصة بالجماعة الترابية الرشيدية، وفي ظل غياب منافسين اخرين كحزب الاستقلال، ليحصل بذلك حزب الأحرار على 10729 محتلا المرتبة الثانية بفارق قليل جدا 27 صوتا فقط عن المرتبة الأولى. الملاحظة الثالثة: وتتعلق بالنتيجة المعلنة التي مكنت حزب الاتحاد الاشتراكي من المرتبة الأولى ب10756 صوتا، وهي نتيجة كانت منتظرة من خلال ارهاصات الحملة الانتخابية التي قادتها ما تسمى " الحركة التصحيحية للمشهد السياسي بدرعة تافيلالت" ، حيث يسجل كثافة في استعمال اليات التعبئة بناء على خطاب عاطفي وقبلي وجغرافي، مع الاستفادة من تجربة سابقة لسنة 2016 قادها حزب اليسار الأخضر المغربي وحصل من خلالها على 577 8 صوتا، مكنت المرشح عمر اودي من مقعد برلماني. ومما لا شك فيه أن هذه الأليات والديناميات المرتكزة أيضا على خطاب التشبيب، في ظل المظلومية والتهميش الذي تعرفه المتطقة، كل ذلك ساهم بلا شك في حشد عدد كبير من الناخبين، لصالح مرشح الاتحاد الاشتراكي الذي استفاد من كتلة ناخبة مهمة جعلت حركة أصحاب سيارات البرادوي يضمون اليهم رقما جديدا من الاصوات الذي انتقل من 8577 مع البرلماني عمر اودي، إلى 10756 مع البرلماني حميد نوغو، أي بزيادة 2179 صوتا. وصفوة القول بناء على كل ما سبق، أن الانتخابات لم تعد تشكل جاذبية للناخبين نظرا لغياب الرهانات والتنافسية و والاستحقاقات، كما أن تمرين 7 يناير يشكل مؤشر تمهيدي لانتخابات يونيو، حيث يتضح ان النتائج ستكون متقاربة جدا بين الاحزاب التقليدية، وان حزب العدالة والتنمية سيصبح جزءا من معادلة قديمة، اذ من المنتظر الا تتجاوز كل الاحزاب المتنافسة مقعدا واحدا لكل حزب داخل الدائرة الانتخابية، مما يعني غياب اية أغلبية وبالتالي الدخول في حسابات التحالفات ، و بطبيعة الحال فأي تغيير في قواعد قانون الانتخابات سواء تعلق الامر بالقاسم الانتخابي او العتبة سيكون له الأثر الأكبر على الخريطة السياسية محليا، ليظل السؤال الجوهري المطروح هل تستطيع النخب الجديدة ان توفي بوعود ها وشعاراتها، الجواب اكيد من الصعب ذلك في ظل الشروط الحالية. * علي المغراوي باحث في القانون العام والعلوم السياسية