ونحن نعيش هذه المحطة الاستثنائية من تاريخ البشرية، اجبرنا فيها على التوقف زمنيا على جميع المستويات: اقتصاديا اجتماعيا وثقافيا… لنستأنف السير الآن في سراب نحن به جاهلون. تغالبت علينا الأحداث، وانثالت علينا الآمال المشوبة بالترقب والشك والحذر. ولكن وبكل أمانة، يسجل للدولة المغربية، انها استشعرت الخطر منذ البداية، حيث انخرطت جديا بكل عدتها وعددها في التعبئة الوطنية والإنسانية على أتم وجه. رغم الانفلات الأخير الذي كان خارج حسابات الكل. وعندما نتحدث عن التدبير المحكم هذا، فإنه لن يكون ليتاتى لولا حكامة جيدة. وعندما نذكر الحكامة يتبادر إلى الذهن المشاركة الفاعلة للسكان وخصوصا الشباب منهم باعتبارهم الفئة الدينامية والمنتجة في المجتمع. فهل آل اي دور للشباب في تدبير جائحة كورونا ؟؟؟ وقبل ذلك هل تم إعداد الشباب جيدا اي بشكل كاف ومرض لكي يستطيع تحمل أعباء مثل هذه المحطات الفارقة؟؟. مناسبة هذا النقاش، ما جد في هذا الظرف من معطيات اجتماعية خاصة بالشباب، بينت بالملموس مدى التهميش الذي طال هذه الشريحة. رغم أنها تشكل الفئات العريضة (نصف السكان تقريبا). كما تعتبر من الناحية الإنتاجية الفئات الأكثر قدرة وقابلية فكريا وجسديا على العطاء والإبداع ( أكثر من نصف الساكنة النشيطة). اول ما يلاحظ منذ انطلاق الحجر، عدم إطلاق اي جهات أو منظمات وجمعيات – الغائب الأكبر في هذه الجائحة- وحتى وزارة الشبيبة والرياضة، لمبادرات أو استراتيجيات متكاملة ( اللهم إلا بعض المبادرات المحتشمة هنا وهناك). أو حتى عقد لقاءات بينها وبين الشباب، بحثهم على العمل التطوعي والتوعوي، وكان على ذلك أن يكون قبل الاستعانة بالجيش وقوات الأمن والدرك. وذلك حتى يكتسب الشباب المهارات المساعدة في حل الصعوبات الطارئة والابتعاد عن مخاطرها. ثم جعله يحتك بواقع المغاربة بشكل أكثر قربا. كان من المنتظر أن تسارع الحكومة ومعها المجالس البلدية والقروية بمعية جمعيات المجتمع المدني، إلى تشكيل فرق تطوعية من الشباب على مستوى المغرب، بعد تقسيم المناطق والأحياء إلى أماكن صغيرة يسهل مراقبة مدى انتشار الساكنة بها بهدف محاصرة فعالة للوباء. وايضا لتقديم الخدمات الإنسانية والدعم النفسي ومؤازرة الفئات الهشة بعد إحصائها واخطار السلطات بحالتها. كان على السلطات في هذا الصدد ان تستثمر مواهب الشباب ومهاراتهم الرقمية؛ بهدف تتبع رقمي مضبوط ومحين لانتشار الوباء والتدخل لحل المشاكل الطارئة. إذن بينت الجائحة بما لا يقبل الشك، شغور واضح لدور الشباب في تدبير الجائحة؛ وأنها كانت فرصة لتنمية قدراتهم من جهة ، ووقوف الدولة على مواطن الضعف في مقاربتها لوضعيتهم، وبالتالي وضع استراتيجيات أكثر عقلانية عند التعاطي لموضوعهم مستقبلا. وخطر لي أن أبحث في أسباب هذا الشغور ( اي شغور دور الشباب في تدبير الجائحة)، ووجدت أنها تعزى لعدة أسباب بنيوية: اجتماعية قانونية مؤسساتية. وهي بحق تشكل المداخل الحقيقية لإشراك الشباب الفعلي والفاعل في الشأن العام، أجملها في التالي: يعاني الشباب على العموم من وضعية مزرية في مجال التربية والصحة والتعليم والتشغيل. لذا فتمكين الدولة لهم من الوسائل القانونية والمؤسساتية نظريا وعمليا سيعمل على ادماجهم المواطناتي الإيجابي في المجتمع وتثمين دورهم واستثمار طاقاتهم الكامنة على العمل والإبداع. من هنا ضرورة البحث عن المداخل الممكنة والضرورية لهذا الاشراك المواطناتي الإيجابي والفاعل للشباب في مسلسل التنمية السوسيواقتصادية والثقافية وذلك على أرضية الاحترام والتقدير لطاقاتها على المبادرة والخلق. اعتبارا للادوار القوية التي يلعبها الشباب كشريك أساسي في التنمية وكقوة اقتراحية لتدبير الشأن العام والمحلي كما ينص على ذلك الدستور في مادتيه 33 و170 القاضيين بإحداث مجلس استشاري للشباب والعمل الجمعوي في إطار إرساء وتنظيم هيئات النهوض بالتنمية البشرية المستدامة والديمقراطية التشاركية فالمطالب الأساسية العاجلة للشباب من أجل الإدماج الإيجابي في تدبير الشأن العام هي كالتالي: مطالب قانونية: باشراك الشباب وإعطائه دورا فعالا في عمليات تنزيل مقتضيات المادة 33 و المادة 170 وذلك من أجل ضمان حقه في المشاركة الفاعلة تعديل قانون الأحزاب ومدونة الانتخابات بما يسمح بالتداول السياسي النزيه المبني على المصداقية الشعبية والفعالية والكفاءة. محاربة ظاهرة العزوف السياسي في الانتماء والانتخاب؛ بفتح قنوات التواصل والحوار مع الشباب من أجل الإنصات لمقترحاتهم ومواقفهم. مطالب مؤسساتية: إرساء دعائم مؤسسات لامركزية تستجيب للاحتياجات الحقيقية للساكنة المحلية اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا وثقافيا. وضع ميكانيزمات مؤسساتية تضمن الولوج والاستفادة للشباب من الخدمات العامة على أرضية المساواة ونبذ جميع أشكال التمييز. مطالب اجتماعية: الرفع من عدد مناصب الشغل لفائدة الشباب محليا وجهويا ووطنيا؛ بهدف تخفيض النسبة العالية للبطالة. تسهيل عملية الحصول على قروض من أجل إنشاء المقاولات الشبابية الفردية والجماعية. تغيير استراتيجية مؤسسة الوسيط ( مقاولتي و أنابيك) وذلك من أجل الإدماج الحقيقي للشباب الباحث عن العمل من خلال عقود تشغيل حقيقية مدمجة. على سبيل الختم أقول: فمزاج الشباب، بما لهم من سخاء النفس وانفتاحهم على الآفاق الجديدة وحبهم للتقدم والتحول ومخالفة المألوف، مزاج الاقتحام والمجازفة والشجاعة. وإذا عالجت الحكومات مسائلها الاقتصادية والاجتماعية بهذه الروح، استطاعت أن تجتاز كل أزماتها وتحقق كل ما كان يؤمله ابناؤها منها. ان من حق الشباب ان يسمع رأيه وان يشرك في تدبير الشأن العام وان نربيهم على ذلك بكل الوسائل الممكنة، إذ اننا اليوم أحوج إلى رؤيا الشباب الواضحة لكي ينجلي نظرنا إلى المستقبل. ولكي يزيد إيماننا بأنفسنا أكثر مما كنا في الماضي.