ضحية آخر لكورونا في بلادنا، رحل بعد أن ترك بصماته على الساحة الثقافية المغربية عامة والسمعية البصرية خاصة. فقد اختطف الموت، يوم 15 دجنبر 2020، المثقف العضوي والموسوعي نورالدين الصايل، أستاذ الفلسفة والرئيس المؤسس للجامعة الوطنية للأندية السينمائية (جواسم)، والمدير العام السابق للقناة الثانية 2M ، مر أيضا من قناة "كنال بلوس" الفرنسية CANAL PLUS Horizons ، وتحمل مسؤولية مدير المركز السينمائي المغربي……إلخ، وأبدع مهرجان خريبكة للسينما الإفريقية (ويعتبر أحد أقدم وأهم مهرجانات الأفلام في المغرب) ، كما كتب الراحل سيناريو فيلم "ابن السبيل" و"للا حبي" اللذين أخرجهما محمد عبدالرحمان التازي… نورالدين الصايل كتب قولا وفعلا صفحات ذهبية من تاريخ السينما المغربية، منشطا للأندية السينمائية، ناقدا. منتجُ ومنشطُ برامج على الأثير وعلى شاشات التلفزة (داخل المغرب وخارجه) والمشرف على مهرجانات وطنية ودولية، يعود له الفضل في إشاعة ثقافة سينمائية منذ سبعينيات القرن الماضي، لاسيما عبر قناة الأندية السينمائية (خلال السبعينيات والثمانينيات من القرن 20) التي كانت بحق مدرسة أعدت أجيالا تربت على المشاهدة والنقاش والتحليل والنقد والدراسة، تحول عدد من روادها ومنشطيها إلى مخرجين وكتاب سيناريو وناقدين. أبدع الراحل إعلاميا وعلى أثير الإذاعة من خلال برنامج إذاعي على القناة الوطنية الذي كان يفتتح حلقاته المسائية الأسبوعية بالأغنية الشهيرة للمغني الفرنسي Claude Nougaro بعنوان Le cinéma حيث كان صوته يصدح في مقدمة البرنامج: « Sur l'écran noir de mes nuits blanches, moi je me fais du cinéma.... » يجيب على أسئلة وتعليقات متتبعي البرنامج والتفاعل معهم، أيام البريد التقليدي عبر رسائل البريد المؤدى عنه بالطوابع البريدية. كان للراحل مساره عبر التجربة السينمائية الثقافية التي خاضتها لسنوات الجامعة الوطنية للأندية السينمائية (جواسم) عبر التراب الوطني، من خلال عشرات الأندية، وخاصة الأسابيع السينمائية كالأسبوع السينمائي الفلسطيني، الذي كان يُنظم بجميع المدن المغربية، بالإضافة الى السينمات الوطنية للعديد من البلدان. وجاءت إلى جانب ذلك المجلة السينمائية "دراسات سينمائية" من قلب الجامعة الوطنية للأندية السينمائية بالمغرب، والتي احتضنت مجموعة من الأقلام تمكنت من الانتقال من النقد السينمائي الشفوي إلى الكتابة عن السينما أو الكتابة للسينما ، مثل الراحل نور الدين الصايل الذي كتب سيناريو فيلم " ابن السبيل" وسيناريو فيلم للاحبي ( بمثابة الجزء الثاني من فيلم "البحث عن زوج امرأتي) وهناك عدد من رواد الأندية خاضوا تجربة الإخراج السينمائي وأبدعوا فيه . كما انفتحت الأندية السينمائية والجمعيات على المدارس وعلى المؤسسات التعليمية والجامعة لنشر الثقافة السينمائية وبرامج للتربية على الصورة. وكان من ضمن ثمار ذلك صدور مذكرة لوزارة التربية الوطنية، على عهد حكومة التناوب، في الموضوع، سنة 2002 مما شجع على إحداث أندية تربوية من ضمنها الاهتمام بالسينما، أثمرت مع مرور السنين تجربة الفيلم التربوي، لكن للأسف لازالت الخطوات متعثرة في الوقت الراهن. وتخليدا لمساهمة الراحل في الحقل السينمائي تجدر الإشارة إلى "وثيقة معمورة " وعي عبارة عن وثيقة تضمنت التوصيات الصادرة عن الأيام الدراسية المنعقدة بالمركز الوطني للشباب معمورة أيام-26-27 دجنبر 1977 في إطار التحضير للجمع العام السنوي للجامعة الوطنية للأندية السينمائية بالمغرب. وهي وثيقة مرجعية تؤرخ لمسار خام وتصور لجزء من مجتمع قارئ محب للسينما وناقد إيجابي فعلي لها، سينما ذات مضامين وأشكال هادفة تربي على الجمالية والقيم الإنسانية التي كان لها صداها آنذاك عبر العالم المتطلع إلى قيم إنسانية كونية. لقد كان لي حظ كبير في المرور، سنوات السبعينيات والثمانينيات، من مدرسة الأندية السينمائية وردهاتها وأوراشها، وممارسة نشاط فكري، إعلامي وإبداعي من خلالها وعبر أنشطتها الموازية، أنا مدين لها ببعض مما "اقترفته ولازلت أقترفه"، بين الحين والآخر، في مساري التطوعي والمهني. وإذا كان "كوفيد 19 " قد أزهق روح نورالدين الصايل، في دجنبر 2020، فإن آثار الراحل وقيمه، التي حملها بوضوح وإصرار، باقية أبد الدهر. وقد عبرت عن ذلك، بمختلف الأشكال التعبيرية، كثير من الفعاليات التي حملت وتقاسمت مع الراحل جميع تلك الهموم أو جلها. والتي ستفتقده في هذا الومن الأغبر.