تنشر جريدة "العمق"، على حلقات، ترجمة حصرية لكتاب "مملكة التناقضات .. المغرب في مئة سؤال"* الذي قام بتأليفه المؤرخ الفرنسي الشهير بيير فيرمورين. ويتكون الكتاب من مقدمة، بالإضافة إلى ثمانية أقسام؛ الأول تحت عنوان: "التاريخ .. مملكة ذات شرعية" ويشمل 14 فصلا، والثاني تحت عنوان: "الجغرافيا .. صلة الوصل بين فضائين كبيرين" ويشمل 8 فصول. أما القسم الثالث فهو تحت عنوان: "المجتمع .. رصيد من التراكمات"، ويشمل 15 فصلا، في حين تمت عنونة القسم الرابع ب "الديانة .. قوة إسلامية واعية بدورها"، ويشمل 10 فصول، أما القسم الخامس فقد جاء تحت عنوان: "السياسة .. تحت قيادة أمير المؤمنين"، ويشمل 15 فصلا. القسم السادس، والمكون من 12 فصلا فقد جاء تحت عنوان: "الاقتصاد .. من الحمار إلى القطار فائق السرعة"، في حين اهتم القسم السابع المكون من 12 فصلا أيضا بالثقافة، بينما تم تخصيص القسم الثامن والأخير لمسألة العلاقة الدولية للمغرب، حيث "كل شيء من أجل الصحراء". وتكمن أهمية الكتابة في أنه يقدم نظرة حول المغرب بعيون مؤرخ فرنسي، حاول قدر الإمكان، أن يكون محايدا في قراءته لتاريخ المغرب، كما أن الكتاب سيكون وثيقة مهمة للباحثين المغاربة وغيرهم من أجل معرفة الشيء الكثير عن المغرب، الذي قال المؤلف إنه "مملكة التناقضات". الحلقة 37: هل المغاربة شعب متدين؟ في أوائل العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، نشرت مجلة "تيل كيل" الأسبوعية، التي تأسست في عام 2001 في موجة تحرير الصحافة، تعليقاً ساخرا ً على استطلاع عالمي يصف المغاربة بأنهم "أكثر الناس تديناً في العالم". وهذه الرؤية، التي تعزز الرغبة في تكريس الاستثنائية، ترجع إلى المجتمع والنظام السياسي وتاريخه وظروفه الاجتماعية والثقافية الوطنية. المغرب مملكة إسلامية يحكمها أمير المؤمنين، وقد تأسست كسلطنة وخلافة إسلامية منذ إنشاء مملكة فاس. لقد كانت لقرون طويلة معقلا للإسلام على أبواب أوروبا المسيحية وحارسة لبلاد الأندلس، والدولة الوحيدة التي يحكمها العرب المعارضون للعثمانيين. فهي لم تشهد ثورة أبدا، ولا أزمة حداثية أو معادية للديانات بل حتى الفرنسيون الذين استعمروا المغرب عززوا الإسلام المغربي ودافعوا عنه. ولا يزال السكان، ومعظمهم من الفقراء، يرون في التشبث بالأمل في اليوم الآخر وسيلة لتحمل مصائب الدنيا ومظاهر القهر والإذلال في هذا العالم. فهي تعيش في تدين كبير تبثه وسائل الإعلام والمدرسة والأعيان في حين أن الحركات الدينية المختلفة تخوض منافسة شديدة لاستقطاب أفراد الشعب إلى صفوفها. لذلك فإن كل المؤشرات تشير إلى أن التدين لدى المغاربة قوي للغاية، وهو ما لاحظه ليوطي في عصره، وهو الذي نصح "بأن ينساب صبي المقدس في داخل المجتمع". وتعزز هذا الرأي كل القرائن المادية والقابلة للقياس وكذلك الدراسات الميدانية واستطلاعات الرأي الدولية. هذا لا يعني أن المغاربة ليس لديهم مسافة من ظاهرة التدين ولا أنهم لا يعرفون ما يحدث في أماكن أخرى أو أنهم لا يعرفون كيف يتمتعون بملذات الحياة بكامل الحرية كلما استطاعوا. إن كلاً من الجيران الجزائريين وأثرياء الخليج يشعرون بالغيرة من قدرة المغاربة على الاستمتاع بالحياة. وبالتالي فإن مظاهر التدين وعناصر المتعة في تنافس مستمر في المغرب. في عيد الأضحى، يذبح المغرب عددا من الأغنام أكثر من غيره من البلدان المجاورة الكبرى: 7 ملايين مقابل 4 في الجزائر، وهو عدد كبير – خروف واحد لكل خمسة أفراد في المغرب مقابل خروف لكل عشرة في الجزائر، وهكذا فإن احترام السنة (ذبح الأضحية) والاستمتاع بالولائم الكبيرة يلتقيان في المغرب بكل سهولة بل هي الفرصة السنوية الوحيدة لملايين المغاربة لتناول اللحوم. أما بالنسبة للإحصاءات الدولية، فهي تعزز ما هو مُلاحظ في الواقع. إن المغرب من أقل البلدان إلحادا والأكثر تدينا في العالم، حيث يصنف وراء تايلند وأرمينيا وجورجيا، وبالتالي في طليعة البلدان الإسلامية؛ 93% من السكان يقولون أنهم مؤمنين – مقارنة ب 40% في فرنسا و7% في الصين، البلد الذي يمثل أدنى معدل وما يزيد قليلاً عن 1% من المغاربة فقط يقولون إنهم ملحدون عن اقتناع مقارنة ب 18% في فرنسا. إن التطور الوحيد الهام، بعد التوجه العربي العام الذي أشارت إليه الدراسة الميدانية التي أجرتها هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي العربية) في عام 2019، هو النمو الأخير في عدد الأشخاص الذين يعلنون أنهم منفصلون عن الدين لأن نسبتهم ارتفعت من 4 إلى 12٪ في المغرب من عام 2013 إلى عام 2018، وخاصة بين الشباب. وهذا الاتجاه ملحوظ ولكنه لا يشكك في النتائج التي ذكرناها أعلاه. ترجمة: العمق المغربي يتبع … تنويه: ما يرد في هذه السلسلة هو وجهة نظر الكاتب وليس تعبيرا عن رأي جريدة "العمق المغربي".