عندما كان الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي وزيرا للداخلية، نشبت أزمة الضواحي، فنفذ قبضة حديدية، فعاد النقاش حول أبناء المهاجرين في الضواحي خصوصا من العرب والأفارقة والمسلمين، وهذه تسمية إعلامية خاطئة، لأن الأمر يتعلق بفرنسيين من الجيل الثالث لأجداد مهاجرين. واليوم، سرعت أزمة جائحة فيروس كورونا، في إخراج ما تبقى من المخفي، في المطبخ السياسي الفرنسي، في داخل كواليس قصر الإليزيه، ليواصل الرئيس إيمانويل ماكرون، نقل بيادقه قي رقعة الشطرنج، في الاتجاه الخاطئ، في حملة انتخابوية رئاسوية سابقة لأوانها، بإستخدام الإسلام. تابعت الحملة الانتخابية للرئاسيات، التي حملت نتائجها أصغر المرشحين سنا، إلى السير في اتجاه باب قصر الإليزيه الفرنسي، كان وجها جديدا، وفعلا كما عنونت قناة BFMTV الفرنسية؛ لقد كانت عملية "سرقة القرن". يختنق الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يوميا، وسط أزمة فيروس كورونا، ويرفض الامتثال للإجراءات الاحترازية، ويبتعد عن الإنصات للفرنسيين في مواجهتهم اليومية مع الجائحة، فيخرج إلى الملفات الدولية، في مشهد قريب من أفلام رعاة البقر الجدد؛ يستقبل ويودع ضيوفا، يخوض يوميات التصريحات الإعلامية، ويريد جر الاتحاد الأوروبي إلى حروبه، فلا يجد له مصغيا على ما يبدو. عمليا، لم يستفد الرئيس ماكرون، من دروس احتجاجات حركة السترات الصفراء، التي أعلنت فشلا اجتماعيا وسياسيا للجمهورية الفرنسية، وفق دستورها الحالي، وأثبتت الحاجة إلى تعاقد سياسي واجتماعي جديد، لصالح شعب دولة تلقب ببلاد الأنوار. ويزور الرئيس ماكرون، في الصيف الماضي، بيروت في أعقاب انفجار المرفأ في شهر غشت، لينزلها مثل مستعمر قديم، يبحث عن مجد كولونيالي جديد، لفرض أجندته على الفرقاء والمختلفين في العائلة السياسية اللبنانية. ويخوض الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حربا جديدة باسم الدولة العلمانية، ضد رمز ديني عالمي اسمه الرسول محمد (ص)، في سياق ما أعتبره بحثا عن مجال حيوي دولي جديد، وسط اختناقه السياسي الداخلي تحت ضغط جائحة فيروس كورونا. يثبت الرئيس الفرنسي افتقاده لبعد النظر السياسي، في حروبه الدولية، لأنه يتحرك لإيجاد حصة دسمة من النسخة الجديدة لاتفاقية سايكس/ بيكو، مع إضافة ترامب، أي الإدارة الأمريكية التي تتحرك إقليميا بشكل لافت، ولو في صمت شديد. أصيب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بمرض عمى ألوان حقيقي، فيخلط بين حرية التعبير وبين احترام الأديان، فيتحول إلى إطلاق عيارات نارية من كلام سياسي غير دبلوماسي، على خلفية حادث إرهابي مقيت لقطع رأس أستاذ فرنسي. وتعود أزمة الضواحي من جديد، في شكل جديد، أي إقصاء اجتماعي ممنهج للفرنسيين من درجة ثانية، لأبناء المهاجرين، وهذه المرة تحت عنوان محاربة التيار الإسلاموي، وطرد العشرات من أنصاره إلى خارج التراب الفرنسي، فهل من العدل محاسبة الفرنسيين المسلمين على جريمة إرهابية لفرد واحد؟؟؟ تحتاج فرنسا في القرن الحادي والعشرين إلى طبيب عيون، لترى أبناءها من العائلات المهاجرة بأنهم منها وإليها، ولا يمكن رميهم إلى ما وراء الحدود، وترى أيضا أن هذا التطرف الذي تشتكي منه اليوم، هو ثمار من أشواك سياسة لا عدالة اجتماعية، جرت ممارستها فرنسيا، لأكثر من نصف قرن. فشلت فرنسا في ملف الهجرة، في تقديم نموذج للإدماج، بينما دول الجوار بقربها، كألمانيا وهولندا وبلجيكا، تبقى في وضع أفضل في التعاطي مع الهجرة. فإذا كان الفرنسيون يكره بعضهم الإسلام، ويخاف من محاكمة على خلفية معاداة السامية، إذا اقترب من الديانة اليهودية، مع تقديري واحترامي الشخصي للديانةاليهودية، فما على فرنسا إلا إغلاق أبوابها وطرد المهاجرين من أصول مسلمة، وفرض محاكم التفتيش الديني ضد الرسول محمد (ص) وأتباعه، ومنع الإسلام. أعتقد أن السماح لجريدة تحت اسم مغلوط، هو حرية التعبير، الإمعان في الإساءة إلى الرسول محمد ( ص )، هو خطأ فادح، يدعم الأصوات السياسوية المتطرفة في فرنسا، ويشجع على استقواء فرنسا الراديكالية حزبيا، لعائلة لوبن، وبالتالي يقدم لها القافز في الهواء، بدون مظلة إنقاذ، الرئيس إيمانويل ماكرون؛ هدية مجانية من داخل قصر الإليزيه، ومن مكتب إدارة فرنسا الحريات. تنتمي فرنسا إلى الدول الاستعمارية الكبرى، التي استنزفت مستعمرات عبر العالم، وفق منطق المجال الحيوي، فمسحت هويات ثقافية لشعوب أصلية، واليوم ترفض الإيمان بالاختلاف الثقافي والديني، فوق ترابها، واحترام رمز ديني عالمي، بل تمعن في استفزاز أبناءها من أتباع الديانة الإسلامية. جاء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ساكنا لقصر الإليزيه، في زمن مبصوم بموت السياسة عالميا، لصالح الشركات العملاقة للتواصل الاجتماعي؛ أي مصانع التفاهات الكونية، وذلك بعد أسماء رئاسية فرنسية، كانت سياسيا قامات كبرى، مثل الراحلين فرانسوا ميتيران وجاك شيراك. يعاني النموذج الثقافي الفرنسي من انحصار عالمي متواصل، ومن أفول لغوي، أمام نماذج أخرى خصوصا منها الأنجلو/ أمريكي.