تأثر القطاع العقاري بأزمة كورونا بشكل كبير، أزمة لمست مختلف الفاعلين في القطاع، ولعل نتائج الشركات العقارية الكبرى المدرجة ببورصة الدارالبيضاء أبرز مثال على تداعيات الأزمة التي لحقت بالقطاع. وإذا كانت الأزمة في هذا القطاع قد بدأت سنوات قبل الجائحة، فإن جائحة "كورونا" زادت من وقعها بشكل أكبر. وفي الوقت الذي يرى فيه منعشون عقاريون، أن تدخل الدولة لدعم القطاع عبر منتوج "ضمان إقلاع" تحت اسم "ضمان إقلاع الإنعاش العقاري" الذي أقرته لجنة اليقظة الاقتصادية قبل أيام، من شأنه أن يخفف من تداعيات الأزمة بشرط الإسراع في تنزيل الدعم وتسهيل الإجراءات الإدارية. يرى محللون أن دعم الدولة ليس عصا سحرية تخرج القطاع من الأزمة، على اعتبار أنه قطاع اقتصادي مهم مرتبط بدورة اقتصادية متكاملة تكونها قطاعات أخرى هي الأخرى متضررة، ولا يمكن لقطاع واحد في ظل هذه الدورة أن يستعيد عافيته لوحده بعيدا عن القطاعات الأخرى. ومع الأزمة الصحية ل"كوفيد 19" تبين أن توجهات سابقة لمنعشين كبار كانت "غير صائبة" وبالخصوص فيما يتعلق بتكوين مخزون عقاري من الأراضي التي تنهك الأرصدة المالية للشركات، وفق مختصين. نتائج "كارثية" أرخت أزمة كورونا على معاملات القطاع العقاري، وهو يظهر من خلال النتائج المالية للشركات الثلاثة الكبرى في القطاع، وكلها مدرجة ببورصة الدارالبيضاء (مجموعة الضحى، مجموعة أليانس العقارية، مجموعة فضاءات السعادة. فمؤشراتها المالية سجلت منحى سلبيا خلال النصف الأول من السنة الجارية، إذ تأثرت المشاريع والأوراش التي تشرف عليها، بفترة الحجر الصحي بالخصوص، وهي الفترة التي عرفت توقفا تاما لعدد من الأنشطة الاقتصادية. وبحسب البيانات المالية لمجموعة الضحى، بلغ رقم معاملاتها مع نهاية شهر يونيو الماضي 438 مليون درهم، تأتى من تسويق 1031 وحدة سكنية بشكل نهائي، في مقابل رقم معاملات بمليارين و17 مليون درهم خلال النصف الأول من سنة 2019. الانخفاض الكبير على مستوى رقم معاملات المجموعة بنهاية النصف الأول من 2020، بفارق سلبي بلغ مليار و579 مليون درهم مقارنة برقم المعاملات المسجل خلال النصف الأول من سنة 2019، أثر بشكل كبير على الأرباح الصافية للمجموعة خلال النصف الأول من السنة الجارية حيث سجلت نتيجة سلبية بناقص 104 ملايين درهم. وتأثرت المجموعة العقارية "فضاءات السعادة" بسبب الظرفية الصعبة وتداعيات جائحة كورونا، بعدما خسرت أرباحا بقيمة 36 مليون درهم بالإضافة إلى خسارة 3 ملايين درهم على مستوى نتائج الاستغلال. وانعكست الظرفية أيضا على رقم معاملات المجموعة الذي انتقل من 616 مليون درهم خلال النصف الأول من سنة 2019 إلى 473 مليون درهم خلال النصف الأول من 2020، وهو ما يعادل تراجعا بنسبة 23 في المائة وب 143 مليون درهم. كما أنهت مجموعة اليانس العقارية النصف الأول من السنة الجارية على وقع انخفاض كبير على مستوى الأرباح الصافية الموحدة، حيث سجلت تراجعا بنسبة قدرها 87 في المائة مع نهاية يونيو الماضي لتستقر عند 13 مليون درهم مقابل 102 مليون درهم خلال الفترة ذاتها من سنة 2019. وفي نفس منحى التراجع، عرفت معاملات المجموعة انخفاضا بنسبة 37 في المائة خلال الفصل الأول من السنة الجارية، حيث حقق 668 مليون درهم في مقابل مليار و 54 مليون درهم خلال النصف الأول من السنة الماضية. وأثر هذا الوضع على قيمة أسهم هذه الشركات في سوق التداولات طيلة هذه الفترة، ومنها مجموعة الضحى التي سجلت قيمة أسهمها أدنى مستوياتها لتستقر عند حدود 5.80 درهما للسهم منخفضا بنسبة بلغت 85.48 في المائة منذ بداية السنة. الأمر ذاته بالنسبة إلى مجموعة أليانس التي بلغت قيمة أسهمها 32 درهما للسهم الواحد وهو ما يعادل تراجعا بنسبة 41 في المائة مقارنة مع قيمة السهم في بداية السنة الجارية. وبالنسبة لمجموعة فضاءات السعادة، فقد سجلت قيمة أسهمها تراجعا ب 55 في المائة عما كانت عليه في بداية السنة الجارية، وبلغت قيمة السهم الواحد 25 درهما. "ضمان إقلاع" للتخفيف من آثار الأزمة أقرت لجنة اليقظة الاقتصادية، في إطار تدابير تفعيل "ميثاق الانعاش الاقتصادي والشغل"، إحداث صنف جديد من منتوج "ضمان إقلاع" تحت اسم "ضمان إقلاع الإنعاش العقاري-Damane Relance Promotion Immobilière". وأكدت اللجنة، أن المنتوج الجديد للضمان من مواكبة المنعشين العقاريين المتضررين بشدة من أزمة COVID-19 والذين يستوفون معايير الاستحقاق المحددة لهذه الغاية، من خلال تقديم ضمانات قروض متوسطة وطويلة المدى تمكنهم من تغطية الاحتياجات التمويلية لإتمام مشاريعهم العقارية. ويضمن هذا المنتوج، قرضا بسقف أقصاه 50 مليون درهم لكل مشروع، مفتوح لكل من المشاريع التي استفادت بالفعل من قرض الإنعاش العقاري (CPI) وتلك التي اعتمدت فقط على التمويل الذاتي. ويشترط في مقاولات الإنعاش العقاري التي ستستفيد من هذا المنتوج، أن تكون خاضعة للقانون المغربي الخاص، وألا تكون في وضعية المراجعة أو في حالة التصفية القضائية؛ غير متحصلة على قرض مصنف ضمن خانة "تسوية" اعتبارا من 29/02/2020. ولا يمكن أن يستفيد من هذه الآلية المشاريع المتحصلة على قرض الإنعاش العقاري (CPI) انتهت أو تم تأجيلها قبل 1 أكتوبر 2018؛ المشاريع أو المنعشين العقاريين موضوع تقاضي. دعم مجد أم حل مؤقت؟ اعتبر مصطفى العلالي نائب رئيس الفيدرالية الوطنية للمنعشين العقاريين، أن منتوج "ضمان إقلاع" الموجه للإنعاش العقاري إجراء وتدبير مهم لدعم المنعش العقاري، وآلية لمواكبة المشاريع العقارية المتأثرة بالأزمة. وأكد في حديثه مع " العمق" على ضرورة تسريع تنزيل هذه الآلية، وتفادي ما وقع بخصوص آليات دعم سابقة ك "ضمان اوكسجين" الذي عرف بحسب العلالي تأخرا في معالجة الملفات ومنح الموافقة للاستفادة. وأضاف أنه وحتى بعد الموافقة تأخذ الاستفادة الفعلية الكثير من الوقت، علما أن العديد من الملفات في إطار هذا الضمان تم رفضها. وأوضح أن هذا التأخير يقع بالرغم من أن هذه القروض مضمونة من طرف الدولة، زيادة على أن الأبناك تطالب المستفيد بضمانات شخصية وضمانات مادية ملموسة. وطالب العلالي بضرورة تسهيل المساطر الإدارية بالنظر إلى كون المنعش العقاري مثقل بالتزامات مع العمال ومع الموردين، لذلك وجب تفادي التعقيدات الإدارية والمسطرية من أجل تسريع عملية الإنعاش. في المقابل يعتبر رشيد لبكر أستاذ القانون العام كلية الحقوق سلا جامعة محمد الخامس، أن منتوج الدعم الذي أقرته الدولة، دعم مؤقت لا يجدي نفعا، مشيرا إلى أن المطلوب اليوم هو إيجاد صيغة تستحضر خصوصيات القطاع باعتباره قطاعا اقتصاديا أساسيا، صيغة تراعي مصالح الزبناء والمنعشين على السواء، خاصة ونحن على أبواب طرح مشروع قانون مالية 2021. وأكد لبكر في تصريحه ل"العمق"، أن الدعم غير كاف بقدر ما هو مبادرة من الحكومة لتخفيف الأزمة ولو بشكل مؤقت، مشيرا إلى أن السكن يفوق إمكانية الوزارة أو الحكومة، بحكم أن السكن مشروع الدولة والمجتمع تؤطره الوثيقة الدستورية ( الحق في السكن). وأوضح أن هناك توجها نحو إنتاج منتوج جديد، السكن المتوسط الموجه إلى الطبقة المتوسطة، وهو ما من شأنه أن يساهم في حركية اقتصادية وإعداد منتوج مناسب لهذه الطبقة، مضيفا أن كان هناك نقاش ومشاورات في أفق بلورة اتفاق جديد للشروع في إنتاج هذا الصنف من السكن. فقاعة المخزون يرى مختصون أن توجه منعشين عقاريين نحو تكوين مخزون عقاري من الأراضي المخصصة للبناء قبل سنوات، ساهم في تأزيم الوضعية المالية للشركات العقارية وزاد من الأعباء المالية لديها، ومع الأزمة الصحية ظهر تأثيرات الاستثمار بشكل مفرط في اقتناء الأراضي العقارية. وفي هذا الصدد، أوضح إدريس الفينا أستاذ الاقتصاد بالمعهد الوطني للإحصاء والاقتصاد التطبيقي، وخبير في مجال العقار، أن هذا التوجه غير سليم وسبق أن تم تنبيه المنعسين إليه وإلى تبعاته، بحكم أنه ينهك القطاع، وينهك الأرصدة المالية للمنعشين أنفسهم، وإلى جانب ذلك يدخل ضمن نوع من أنواع من المضاربة. وأشار الفينا في حديث مع "العمق" إلى أن الأزمة الصحية الحالية، أظهرت تكلفة هذا التوجه، بحكم أن بعض المنعشين اضطروا إلى بيع أرصدتهم العقارية لاستعادة التوازن المالي إلى خزينتهم. بدوره يرى رشيد لبكر أستاذ القانون العام كلية الحقوق سلا جامعة محمد الخامس، أن تكوين المخزون العقاري ساهم في تعميق الأزمة وخاصة في هذه الظرفية، بالرغم من أن أزمة العقار كانت قائمة قبل الجائحة التي جاءت لتعمق هذه الأزمة. وأوضح لبكر أن القطاع العقاري مرتبط أيضا بنفاذ المخزون العقاري واستنزافه، مشيرا إلى أن الأراضي التي تعبئها الدولة لصالح المنعشين بتكلفة أقل استنزفت، وأصبح العقار العمومي شبه منعدم، وهو ما أدى إلى ارتفاع الأسعار الذي انعكس أساسا على المنتوج العقاري وخاصة في السكن الاجتماعي والمتوسط والاقتصادي. غير أن نائب رئيس الفيدرالية الوطنية للمنعشين العقارين، ذهب إلى عكس وشدد على أن إنتاج العقار يحتاج إلى مخزون كاف من الأراضي، واعتبر أن إنتاج العقار مثله مثل باقي الصناعات، ولهذا لا يمكن لمنعش كما لا يمكن لأي صناعي أن ينتج دون التوفر على مادة خام، والأراضي المقتناة الموجه للبناء من طرف المنعش هي مادته الخام الذي تضمن له إنتاج السكن. لذلك، يؤكد مصطفى العلالي، على ضرورة التوفر على احتياطي عقاري من الأراضي، وفي هذا الباب طالبنا بإزالة الضريبة على الأراضي غير المبينة، بحكم أنها تشكل تحملا إضافيا للمنعشين، كما لا يؤدي الصناعي الضريبة على المواد الخام التي يشتغل بها، الأمر ذاته بالنسبة للمنعش. انتعاش مأمول يحدو مصطفى العلالي نائب رئيس الفيدرالية الوطنية للمنعشين العقارين، أمل في عودة الانتعاش إلى القطاع في الأفق القريب، ويؤكد في حديثه مع "العمق" على أن القطاع يمكن أن يستعيد عافيته في الأشهر المقبلة، إذا تم تنزيل إجراءات وتدابير مساعدة. ومن ضمنها حسب العلالي، دعم الزبناء في إطار تخفيض نسب الفائدة على القروض البنكية، خاصة أن سعر الفائدة الرئيسي تم تخفيضه من طرف بنك المغرب، والأبناك لم تبادر تخفيض نسبة الفائدة على القروض. ومن هذه التدابير كذلك التي يجب أن يتم القيام بها تخفيض نسبة رسوم التسجيل بالمحافظة العقارية. وقال إن الخصاص من السكن في المغرب يصل إلى 600 ألف وحدة سكنية في الوقت الراهن، وهناك حاجة مستقبلية إلى السكن بما يقارب 75 إلى 80 ألف وحدة سكنية. وأضاف أنه يجب مراجعة بعض القوانين والإجراءات الإدارية لإقلاع وانتعاش القطاع ومنها القانون رقم 25.90 الخاص بالتجزئات والمجمعات السكنية وخاصة المادة 11 منه التي تفرض الشروع في البناء قبل في أجل سنوات من تاريخ الحصول على رخصة البناء وإلا لا يمكن الحصول على وثيقة التسليم المؤقت، علما أن هذه المادة لم تطبق منذ فترة طويلة، وفي سنة 2020 تم الشروع في تطبيقها وهو ما تسبب في مشاكل كبيرة في عدد من المشاريع السكنية. فضلا عن ذلك تقع مشاكل أخرى ترتبط باقتناء الأراضي التي تتواجد عليها بنايات، حيث يفرض إشهاد بكون البنايات المتواجدة على هذه الأراضي بنايات لا تدخل ضمن البنايات الأثرية، ولا يمكن الحصول على رخصة الهدم، إلا بعد الحصول على هذا الإشهاد. التوقعات الاقتصادية تشير إلى أن الأزمة ستوثر على مستويات القيمة المصافة للقطاع، حيث ستسجل مع نهاية السنة مستويات سلبية، وفي هذا قال الخبير في مجال العقار ادريس الفينا، إن الأرقام الأخيرة تشير إلى تحسن في مؤشرين أساسين لتقييم وضعية القطاع، وهما مؤشر استهلاك الاسمنت ومؤشر القروض الممنوحة اللذين عرفا تحسنا خلال الشهرين الأخيرين. غير أن التقديرات، وفق الفينا، تشير إلى أنه سيتم تسجيل تراجع في حدود 7 في المائة على مستوى القيمة المضافة للقطاع إلى غاية نهاية السنة الجارية. واسترسل أنه في السنة المقبلة تشير التوقعات إلى أن القطاع سيعرف تحسنا من شأنه أن يمتص التراجع المتوقع نهاية السنة الجارية، بحيث يتوقع أن يسجل تحسن بنسبة 7 في المائة للقيمة المضافة خلال سنة 2021، فيما ستعرف القيمة المضافة للقطاع في سنة 2022 وفق التوقعات تحسنا في حدود 4 إلى 5 في المائة. من جانبه قا الأستاذ الجامعي بجامعة محمد الخامس، رشيد لبكر، إنه من الصعب أن يعرف القطاع انتعاشا في الوقت القريب بحكم أنه مرتبط بقطاعات أخرى تضررت كثيرا ضمن دورة اقتصادية كاملة، وبحكم أن أزمة كورونا أثرت كثيرا على دخل الأفراد. وأضاف: "لعل نشرات المندوبية السامية للتخطيط تشير إلى ذلك خاصة على مستوى معدل الادخار، إذ أن الأسر المغربية استنزفت مدخراتها خلال الجائحة. وزيادة على الرؤية غير الواضحة في ظل هذه الظروف، فضلا عن كون الأنشطة الاقتصادية الأخرى المرتبطة بالقطاع يلزمها وقت للعودة إلى طبيعتها وهي عوامل كلها مؤثرة في أمد انتعاش قطاع العقار".