ارتفعت أصوات بعض اليهود من أصول مغربية لتستنكر تذكير رئيس الحكومة، الدكتور سعد الدين العثماني، من يهمهم الأمر بموقف المغرب، ملكا وحكومة وشعبا، من القضية الفلسطينية التي تعتبر على الدوام قضية وطنية. وهذا التذكير استفز هؤلاء اليهود ليكشفوا عن حقيقة ولائهم السياسي. وليزداد الالتباس حول حقيقة الأدوار التي يلعبونها تحت مظلات لقب "اليهودي"، من جهة. ولقب "المغربي"، من جهة ثانية. وسنقف في هذا المقال على ما عبر عنه (Simon Haim Skira) "سيمون حايم سكيرا"، الأمين العام لفدرالية "اليهود المغاربة بفرنسا"، في تدوينة له على موقع فايسبوك يوم أمس الأربعاء 26 غشت 2020. وقبل ذلك لابد من الإشارة إلى أن "التذكير المغربي"، الذي عبر عنه رئيس الحكومة، والانتقاد الذي وجهه له "سكيرا" يأتيان في سياق تعرف فيه القضية الفلسطينية تطورات خطيرة على مستوى ديناميكية التمكين لمشروع "التطبيع المجاني الاستسلامي" مع الكيان الصهيوني، والذي سمته "إسرائيل" بشكل واضح مشروع " السلام من منطلق القوة". وأعطته اتفاقية التطبيع لدولة الإمارات العربية دفعة قوية، أطلقت على إثرها الولاياتالمتحدةالأمريكية حملة تسويق في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من خلال مبعوثين للرئيس الأمريكي إلى المنطقتين، يتوقع أن يصل في إطارها واحد منهما إلى المغرب. لذلك فالسياق يجعل من "التذكير المغربي" صفعة مؤلمة للمشروع الصهيوني ولعملائه في كل مكان. فماذا قال رئيس الحكومة المغربية، الدكتور سعد اليدن العثماني، وأغضب "سكيرا" ومن على ملته السياسية؟ في كلمته خلال افتتاح الملتقى الوطني ال 16 لشبيبة العدالة والتنمية، مساء الأحد 23 غشت 2020. أكد الأمين العام لحزب المصباح، رفض المغرب التطبيع مع الكيان الصهيوني لأن ذلك يعزز مواصلته انتهاك حقوق الشعب الفلسطيني، وذكر رئيس الحكومة من يهمهم الأمر بأن "موقف المغرب ملكا وحكومة وشعبا هو الدفاع عن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني والمسجد الأقصى المبارك، ورفض كل عملية تهويد أو التفاف على حقوق الفلسطينيين والمقدسيين وعروبة وإسلامية المسجد الأقصى والقدس الشريف. وهذه الخطوط خطوط حمراء بالنسبة للمغرب ملكا وحكومة وشعبا. وهذا يستتبع أن كل التنازلات التي تتم في هذا المجال هي مرفوضة من قبلنا، ونرفض أيضا كل عملية تطبيع مع الكيان الصهيوني ..." وكلام الدكتور العثماني ليس سوى ترجمة آمنة لمواقف الشعب المغربي الذي عرف بوفائه الدائم للقضية، والذي يقود مواقف الشعوب الاسلامية والعربية من خلال مسيراته المليونية للتضامن مع قضايا الشعب الفلسطيني المختلفة. وأيضا ترجمة آمنة لمواقف جلالة الملك، رئيس لجنة القدس، و التي عبر عنها في أكثر من مناسبة، وطنية ودولية. ويمكن في هذا السياق تذكير يهود المغرب ومتصهينيه، باثنتين منها. الأولى،هي كلمة جلالته خلال افتتاح اجتماع لجنة القدس بمراكش بتاريخ 17 يناير 2014. وهي كلمة تقدم رؤية المغرب للقضية وتبرز موقعها في منظور الأمة الاسلامية والعربية، وتقدم خريطة طريق شاملة للحل العادل والشامل لأقدم قضية استعمار تعرفها الانسانية إلى اليوم. ومما جاء في كلمة رئيس لجنة القدس، مما له علاقة بموقف المغرب، قوله: ( ...قضية القدس أمانة على عاتقنا جميعا، حيث جعلناها في نفس مكانة قضيتنا الوطنية الأولى، وأحد ثوابت سياستنا الخارجية). وهي عبارة جامعة مانعة وواضحة من كون قضية فلسطين بالنسبة للمغرب تتجاوز أشكال التضامن المختلفة إلى كونها قضية وطنية في نفس مستوى قضية الصحراء المغربية، وهو ما يعني أن المغرب منخرط في الدفاع عنها بكل إمكاناته، وما يضر فلسطين شعبا وأرضا يضر دولة المغرب ملكا وحكومة وشعبا. والثانية، يمكن أيضا تذكير يهود المغرب ومتصهينيه هؤلاء، بالألتزام السنوي لملك المغرب رئيس لجنة القدس، بتأكيد مواقفه ومواقف المغرب، وتذكير باقي القادة في العلمين الاسلامي والعربي بواجبهم تجاهها، وذلك عبر رسائل سامية كل سنة إلى لجنة الأممالمتحدة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف، بنيويورك، وذلك بمناسبة تخليد اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني. فهذه الرسائل تعتبر أيضا مصدرا حيويا لمعرفة موقف المغرب ورؤيته لقضية فلسطين. ويمكن الإشارة في هذا الصدد إلى ما جاء في رسالة جلالته لسنة 2016، حيث قال: (... إذا واصلت إسرائيل سياسة قضم الأراضي، وبناء المستوطنات، وإطباق الحصار على قطاع غزة، والاعتداء على حرمة المسجد الأقصى المبارك والأماكن المقدسة الأخرى، وتهويد القدس الشرقية، فإن تلكم المجهودات ستذهب سدى، وسيتنامى الإحساس لدى الفلسطينيين ولدى المجتمع الدولي بأسره بأن إسرائيل إنما تتجه صوب فرض دولة بنظامين، وهو أمر متناف مع الطبيعة والعدل والقيم الإنسانية، ولن يقبل به أحد، ...) وبالطبع فالمغرب على رأس الذين لن يقبلوا بالمشروع الاسرائيلي الذي يجري الترويج له اليوم والذي ليس سوى ما عبر عنه جلالته من كون إسرائيل تريد الالتفاف على حق الفلسطينيين في أن تكون لهم دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس بالتمكين لمشروع "دولة بنظامين". إن ما سبق يؤكد أن ما عبر عنه رئيس الحكومة ليس سوى تذكير بموقف المغرب ملكا وحكومة وشعبا من قضية فلسطين. فماذا قال "سكيرا" انتقادا له وتخويفا منه؟ قال "سكيرا" في تدوينته المشار إليها شابقا باللغة الفرنسية، موجها كلامه إلى الدكتور العثماني: "السيد العثماني، إضافة إلى كل المغاربة، فال 800 ألف من مغاربة إسرائيل ليسوا مقتنعين بتدخلكم في الشؤون الخارجية لمغربنا، وخاصة فيما يتعلق بالعلاقات المغربية الإسرائيلية". وبالطبع فالتدوينة القصيرة محشوة بكثير من الخبث السياسي، ففي غياب أي موقف من التوجه التطبيعي الجديد أو من سياسة إسرائيل العدوانية ضد الشعب الفلسطيني وأرضه، يحاول "سكيرا" تمرير عدة رسائل سامة، سنقف عند أهمها: الرسالة الأولى: عبارة "السيد العثماني" التي استهل بها كلامه. وبتلك العبارة يوجه "سكيرا" انتقاداته للدكتور العثماني، وهي محاولة تريد أن تشخصن الموقف الذي عبر عنه رئيس الحكومة وكأنه يفتري على المغاربة وملكهم وحكومتهم، ليتسنى له بعد ذلك تمرير سمومه السياسية. إن "سكيرا" يعلم أن الدكتور العثماني إنما عبر عن موقف المغرب ملكا وحكومة وشعبا، لكنه لا يستطيع مواجهة ذلك الثلاثي، خوفا على المشروع التطبيعي في المغرب، وتقية ليستمر في اللعب على حبلي "اليهود" و"المغاربة". الرسالة الثانية: عبارة " إضافة إلى كل المغاربة"، وهي محاولة لمصادرة الحديث باسم كل المغاربة. وهي سابقة في هذا الباب. فالأمين العام لفدرالية "اليهود المغاربة بفرنسا"، تعامل مع المغرب كفدرالية موازية لفدراليته التي يرأسها، وجعل كل المغاربة على قلب رجل واحد مع الصهاينة المغتصبين. لكن الأمر فيما يبدو يتعلق برسالة متخفية خلف العبارات العاطفية إلى لوبي التطبيع في المغرب، تستنهضه للتعبير عن رفض "التذكير المغربي" المؤلم، باعتماد مقاربة تحرف النقاش عن موضوعه الأصلي الذي هو قضية فلسطين وموقف المغرب منها، إلى قضايا هامشية أخرى. الرسالة الثالثة: عبارة "ال 800 ألف من مغاربة إسرائيل" فبالاضافة إلى كون "سكيرا" يصادر من خلالها أيضا موقف كل اليهود من أصول مغربية، فالهدف من الرقم، بغض النظر عن صحته من عدمها، هو الابتزاز السياسي للمغرب، بتذكيره بحجم هؤلاء الذين يصادرهم "سكيرا" ويجعلهم جميعا في مشروعه المتخفي خلف الشعارات. والواقع أن اليهود المغاربة المخلصين لا يختلف موقفهم من القضية الفلسطينية عن موقف المغرب ملكا وحكومة وشعبا. الرسالة الرابعة: عبارة " ... ليسوا مقتنعين بتدخلكم في الشؤون الخارجية لمغربنا"، فهذه العبارة الخطيرة لا يهم فيها الحديث عن مبدأ "الاقتناع" لأن "سكيرا" يعلم قبل غيره أن كلامه مجرد مزاعم. لكن الذي يهم هو أنه في الوقت الذي يتحدث عن المغرب والمغاربة كأنهما في ملكيته، يظهر رئيس الحكومة كأنه دخيل، ويصادر حقه في التعبير عن مواقف المغرب. بمعنى أن "سكيرا" له الحق في أن يتحدث في الشؤون الخارجية للمغرب في حين ليس لرئيس الحكومة ذلك ! "سكيرا" يعلم جيدا أنه يصنع كلاما لا سند له، لكنه يلعب على وثر سياسي حساس، ويريد أن يظهر رئيس الحكومة وكأنه يتجاوز صلاحياته. وهذه الزاوية هي ما يريد "سكيرا" لمرددي ترانيم التطبيع في المغرب أن يركزوا عليها، حتى ينحرف النقاش عن أصله الموجع له. الرسالة الخامسة: عبارة " ... وخاصة فيما يتعلق بالعلاقات المغربية الإسرائيلية" وهي عبارة تقطر سما، ويريد منها "سكيرا" تمرير رسالة مفادها أن ثمة علاقات بين المغرب وإسرائيل، وأن رئيس الحكومة ليس له الحق في الحديث فيها. وهكذا يتجاوز "سكيرا" مجرد ادعاء وجود علاقة مع الكيان قطعها المغرب مند أزيد من عقدين من الزمن، إلى جعل تلك العلاقات المتوهمة "طابو" لا يحق لأحد الاقتراب منه، ومجال حصري ل"سكيرا" وجنوده وأتباعه ومريديه. إن ما سبق يعبر عن شدة ألم صفعة "التذكير المغربي"، ويبين عمق الجرح الذي أحدثه في المشروع الصهيوني. ذلك أن ذلك التذكير عانق الرأي العام المغربي، في حين أن الاستراتيجية الصهيو أمريكية في ملف التطبيع لا تنجح إلا بقدر عزل ملف القضية الفلسطينية عن الرأي العام الشعبي. وعزل رؤساء الدول عن شعوبهم. وجعلهم يتاجرون في الظلام مع أعداء الأمة، وأعداء العدالة الانسانية. و "التذكير المغربي" وضع النقط على الحروف، وقال للكيان وأمريكا وجميع أعضاء حلف المشروع التطبيعي الجديد: إن المغرب ملتزم بمبادئه، إنه لا يخون العهد، إنه لا يخون شعبه ولا أمته. وأن المغرب في مثل هذه القضايا الحساسة على الأقل قد قطع مع الأساليب الثعلبية في المتاجرة بقضايا الشعوب وآلام الشعب الفلسطيني. لأن الدولة استوعبت أن الشعب هو "الباقي"، وأن المصالح تزول، والأوضاع تتغير، وأن الملاحم الوطنية، والنهضة والتقدم، تصنعها الوحدة الوطنية وتلاحم العرش والشعب. وهذا سر قوته واستقراره ونجاحه. وهذا ما يغيظ كل أعدائه.