وجه جلالة الملك محمد السادس ، خطابا إلى الأمة بمناسبة عيد العرش الذي يصادف الذكرى الحادية والعشرين لتربعه على العرش . وقد ركز الخطاب الملكي الذي جاء في ظرفية عصيبة يعيشها المغرب والعالم جراء مواجهة جائحة كورونا كوفيد - 19 ، على تحديين أساسيين: الشق الاجتماعي من خلال العدالة الاجتماعية ومحاربة فوارقها ، والشق الاقتصادي الذي يتطلب إنعاشه. ومن هذا المنطلق ، شدد جلالة الملك على دور الدولة الاجتماعية ، مبرزا في هذا السياق ، على أن العناية التي يعطيها جلالته لصحة المواطن المغربي، وسلامة عائلته، هي نفسها التي يخص بها أبناءه وأسرته الصغيرة ؛ لاسيما في هذا السياق الصعب، الذي يمر به المغرب والعالم، بسبب انتشار وباء كوفيد- 19". وأوضح جلالته في هذا الصدد ، أنه "إذا كان من الطبيعي أن يشعر الإنسان، في هذه الحالات، بنوع من القلق أو الخوف؛ "فإن ما أعطانا الثقة والأمل، هي التدابير والقرارات الحاسمة التي اتخذناها، منذ ظهور الحالات الأولى، لهذا الوباء بالمغرب" ، مشددا جلالته في هذا الصدد ، على ان هذه القرارات "هي قرارات صعبة وقاسية أحيانا، لم نتخذها عن طيب خاطر؛ وإنما دفعتنا لها ضرورة حماية المواطنين، ومصلحة الوطن ". وفي هذا الإطار، توجه جلالة الملك بعبارات الشكر والتقدير، لمختلف السلطات العمومية، على قيامها بواجبها، على الوجه المطلوب، للحد من انتشار هذا الوباء"، خاصا بالذكر العاملين بالقطاع الصحي، من أطر طبية ، وشبه طبية، مدنية ، وعسكرية، وكذا أفراد القوات المسلحة الملكية، والدرك الملكي، ورجال وأعوان السلطات المحلية، وكل مكونات الأمن الوطني والقوات المساعدة، والوقاية المدنية، وكذا العاملين في مجال إنتاج وتوزيع المواد الغذائية، وكل الذين كانوا في الصفوف الأولى لمواجهة هذا الوباء". وأكد جلالة الملك أن ما يجعله يعتز ويفتخر هو مستوى الوعي والانضباط، والتجاوب الإيجابي الذي أبان عنه المغاربة، ومختلف القوى الوطنية، خلال هذه الفترة، والذين قاموا بدورهم، بكل جد ومسؤولية. كما أشاد جلالة الملك بروح التضامن ، والمسؤولية ، التي تعامل بها المواطنون والمواطنات، سواء على المستوى الفردي، أو ضمن المبادرات المشكورة لفعاليات المجتمع المدني خلال فترة الحجر الصحي. وفي هذا المضمار ، قال جلالة الملك "عشنا مشاهد لا تنسى من التعاون والعمل التطوعي بين الجيران ومع الأشخاص المسنين، والأسر المحتاجة، من خلال توزيع المساعدات، وتقديم الدعم والإرشادات"، مضيفا أنه "سجلنا بكل اعتزاز، لحظات مؤثرة، تجسد روح الوطنية العالية، خاصة خلال عزف النشيد الوطني من نوافذ المنازل، وتبادل التحيات بين رجال الأمن والمواطنين. وفي السياق ذاته ، نبه جلالة الملك المغاربة ، من عواقب جائحة كورونا، التي ستكون قاسية. وأضاف جلالة الملك محمد السادس في خطابه، بأن العواقب المقبلة ستكون قاسية على المستويات الاقتصادية والاجتماعية، مذكرا بأن المغاربة عانوا اقتصاديا واجتماعيا خلال فترة الحجر الصحي، الذي تم اتخاذ قراره حفاظا على حياة المواطنين، وأن التراخي تسبب في توسع رقعة الاصابات بالوباء. وبروح التضامن التي تم التعبير عنها في هذه الظرفية الاستثنائية التي اتسمت ازمتها بتداعياتها السلبية الكبيرة على المستويات الصحية ، والاجتماعية ، والاقتصادية ، استوجب الامر ، رصد خمسة ملايير درهم لصندوق الضمان المركزي، في إطار الإنعاش الاقتصادي، وإعلان جلالته عن خطة طموحة للإنعاش تمكن القطاعات الإنتاجية من استعادة عافيتها، والحفاظ على مناصب الشغل، مبرزا في هذا الإطار ، أنه ستتم تعبئة جميع الإمكانات المتوفرة لمواكبة الوحدات الإنتاجية كالمقاولات الصغرى والمتوسطة، التي تشكل العمود الفقري للنسيج الاقتصادي الوطني. ودعما لذلك ، سيتم إحداث صندوق للاستثمار الاستراتيجي الذي ستكون مهمته دعم الأنشطة الإنتاجية، ومواكبة وتمويل المشاريع الاستثمارية الكبرى بين القطاعين العام والخاص. وفيما يتعلق بقرار ضخ حوالي 120 مليار درهم ( أي ما يعادل 11 في المائة من الناتج الداخلي الخام) في الاقتصاد الوطني الذي أعلن عنه جلالة الملك، سيمكن هذا القرار دعم وتحفيز الإنعاش الاقتصادي، وسيساهم في إعطاء مزيد من الانسجام للمؤسسات والمقاولات العمومية. وفي هذا الصدد، يؤكد جلالة الملك على الأولوية التي يجب التركيز عليها في المجال الاجتماعي، مسجلا أنه سيتم تعميم التغطية الاجتماعية لجميع المغاربة، خلال الخمس سنوات المقبلة، ابتداء من يناير 2021، وفق برنامج عمل مضبوط، بدءا بتعميم التغطية الصحية الإجبارية، والتعويضات العائلية، قبل توسيعه، ليشمل التقاعد والتعويض عن فقدان العمل. وفي الختام، فإن خطاب العرش باعتبار رمزيته التاريخية وتصادفه مع مناسبة عيد الاضحى المبارك بحمولته الدينية ، شكل رسالة قوية حيث استحضر من خلاله جلالة الملك مختلف الشرعيات الدينية، والديمقراطية ، والاجتماعية ، كما أبان من خلاله عن عقد قوي، يجمع بين العرش والشعب ، لاسيما مع جائحة "كورونا " التي ابانت عن حس تضامني فريد وإجماع الشعب المغربي قاطبة، والذي كان حريصا على الحزم واليقظة والتعبئة الشاملة . وخلاصة القول ، فإن جلالة الملك بدا من خلال هذا الخطاب التاريخي في صورتين قوتين: الملك المواطن من جهة، باعتباره أطلق عملية تعميم التغطية الاجتماعية لجميع المغاربة. الملك رئيس الدولة لكونه قدم حزمة من الإصلاحات الاقتصادية المتكاملة التي هي استمرار للقرارات الملكية الشجاعة، الهادفة إلى التضحية بالمجال الاقتصادي في مقابل سلامة المواطن المغربي، دون إغفال تعزيز الحماية الاجتماعية بالنسبة للقطاع الغير مهيكل، وتشجيع القطاع الخاص، لاسيما المقاولات الصغرى والمتوسطة ضمانا للتنافسية.