بنى الشيخ ماءالعينين مدينة السمارة سنة 1898 ميلادية، واختار نواحي واد سلوان أحد روافد واد الساقية الحمراء، الاختيار كان يحمل صفة الإرادة السياسية والدينية، فجمع القبائل والعشائر وتوحيدها لم يكن فقط مطلبا دينيا وإنما يعج بالدلالات السياسية.إذ الهدف عند الشيخ ماءالعينين انصب على خلق قوة سياسية ناشئة ومتعاظمة ستستخدم لمواجهة حقيقية مع المستعمر الغاشم . من دلالات بناء السمارة إيجاد قاعدة للانطلاق نحو بناء وتأسيس كيانات اجتماعية تمارس حياتها بشكل طبيعي وتحقق مدنية اجتماعية هي النواة الأولى لبروز فعل المقاومة والجهاد. ولبناء السمارة دلالات علمية وثقافية تحولت إلى دلالات روحية بفعل غلبة التيار الزهدي، فالمنارة الفقهية والأصولية والأدبية قدمت انتاجات فكرية، مما فتح المجال أمام السمارة لتحسب من مدن ومراكز العلم كشنقيط والقيروان والقرويين. نهضة السمارة تركت أثارها على البناء الجهادي .اذ ان مسار حركات جيش المقاومة والجهاد يتفرد بحضور البعد الديني والأخلاقي والقيمي . للسمارة دلالات عمرانية وأخرى إستراتيجية . غادر الشيخ ماءالعينين السمارة متوجها نحو الشمال، توقف في بلاد سوس، وكلما مر من منطقة إلا وتعاظمت حركته وتوسع نفوذه الديني (الروحي)، وهبت القبائل من كل ناحية وإقليم ومدشر للتقرب إليه ومصاحبته، و استغل أهل العلم رحلات الشيخ، فأخذوا عنه وتعرفوا عليه وشربوا محبته، ومنهم من تخلى عن مدرسته ليتخذ الشيخ شيخا . لرحلات الشيخ ماءالعينين دلالات ومعاني كبيرة .فالسياسة كانت شغل الحركة إلى جانب مضمونها الديني. علما أن حركة الشيخ ماءالعينين لم تكن دعوية صرفة، وإنما جمعت الديني بالسياسي والروحي بالفقهي والأصولي . رحلات تاريخية قدمت نموذجا لفكر حركي منسجم ولتوجه سياسي وديني بالغ في مواجهة المستعمر ورفض منطقه، كما تعامل بكياسة وفطنة مع المخالف القريب . تزنيت كانت المحطة الثانية والأهم بعد مدينة المنطلق، لم تكن هذه المدينة فقط حاضرة سوس العالمة كما يسميها العارف بالله سيدي المختار السوسي، بل مركزا تجاريا للقوافل ومنطقة منفتحة على كل أوجه الفكر والعلم . الزوايا والخوانق اشتغلت بذكر الشيخ ماءالعينين والتنويه بحضوره، وانتشرت أفكاره كما أوراده وتعالت صيحات التهليل والتكبير في كل أرجاء بلاد سوس. انتشرت كتبه وعمت المكتبات والزوايا، وهنا بدأت فرنسا تتحسس وتتبع أخبار وفتوحات الشيخ ماءالعينين. من دلالات التتبع التخوف من استغلال الشيخ وجوده بهذه المنطقة لدفع أهاليها لدعم مقاومة بلاد شنقيط للمستعمر. التخوف الفرنسي لم يكن محض صدفة، فالحركة المعينية بعد وفاة مؤسسها لن تقف مكتوفة الأيدي أمام التوغل الاستعماري وإنما ستتخذ من فكر الشيخ الجهادي لتواكب مقاومة باقي المناطق المغربية . الانتقال من السمارة إلى تزنيت يدل على رغبة الشيخ ماءالعينين في نشر فكر جديد يوازن بين التدين العميق والمشاركة في الحياة. طبعا دلالة ذلك تفند كل المحاولات التي تتم بوعي أو لا وعي والهادفة لتقزيم قوة وعطاء الحركة المعينية في خطاب ضيق يتماشى مع ظرفية سياسية أضفت على التصوف طابعا سياسيا وأقحمته في أتون حروب لا الصوفي يقبلها ولا فكره يسايرها، ولذلك يمكن القول أن وضع حركة تاريخية ذات العطاء الغني في دائرة محدودة يضرب عمق الحركة ويسيء فهم هذه التجربة الفريدة . من دلالات التصوف عند الشيخ ماءالعينين، تفرده بتصوف منفتح على كل الفرق الصوفية، داعيا للإخاء والقطيعة مع كل أشكال الانحراف العقدي. ومن دلالات لقاءه مع علماء فاس وتحمله أعباء السفر صلة الرحم ناهيك عن رغبة للمذاكرة والإنصات لتنتهي رحلاته العلمية إلى إنهاء معضلة الكتانيين. سياسة الشيخ ماءالعينين اعتمدت الدحض للبرهنة على صحة معتقد الزاوية الكتانية . لاقى الشيخ ماءا لعينين حفاوة وترحيبا من خمس ملوك علويين منذ عهد عبد الرحمان ابن هشام إلي الملك سيدي محمد بن عبد الرحمان (1859 1873) مرورا بعهد الحسن الأول ( 1873 1894) ثم عهد مولاي عبد العزيز ( 1894 1908). وقد حظي الإمام العارف بالله بتقدير قل نظيره باحترام هؤلاء الملوك وبتقديرهم . من دلالات اللقاء تقديم النصيحة وإسداء المشورة، عالم متمكن من أصول الفقه وأصول السياسة ومجاهد جمع بين الحنكة والإبداع وسلامة التدبير والتدبر. و من دلالات استقبال الملوك للشيخ ماءالعينين حراسة الدين والعقيدة وتجديد الولاء للفقه المالكي والعقيدة الأشعرية، لأن ممثلها المدافع عنها في تلك اللحظة التاريخية هو ذلك الشيخ الجليل الذي نافح عن التصوف السني ضد كل أشكال الغلو والتطرف . ختاما لابد من الإشارة لأهمية انبعاث دراسات جديدة، تقطع مع الشكل المتطرف والاقصائي، وإخراج مضمون فكر الشيخ من بوتقة التصوف، والتركيز عليه فقط خدمة لواقع مزيف، يجعل من الزوايا سندا سياسيا مرحليا. لذلك لابد و ضرورة الحرص على شمولية إنتاجه وعطاءه في مجالات الفقه وأصوله، والعقيدة والشعر والأدب واللغة ناهيك عن علم الفلك. لهذا فالمطلوب ليس من أبناءه بل من ذوي الهمم من المفكرين والباحثين الانتباه لفكره الشمولي للحفر في أفكاره ومواقفه.