فيما تطل صومعة الكتبية وراءه بشموخها الظاهر وأقواس المدينة المميزة ونخيلها، يبرز المراكشي شريف راضي التعكريطة من جدارية ضخمة بوجهه البشوش ولباسه التقليدي حاملا رمزا من رموز المدينة الحمراء. ما أن انتهت تلك اللوحة الفنية بريشة فنان عالمي بحي أزلي الجنوبي 1، منتصف يونيو حتى علت محياه ابتسامة تضاهي تلك الحاضرة في اللوحة أو تفوتها قليلا. يقول التعكريطة الرجل الأربعيني الذي يحمل اسمه صفة النخوة المميزة لأهل مراكش لجريدة العمق محاكيا أغنية مشهورة "الصورة خيالو، لكن خيالو ماشي بحالو"، معبرا عن اعتزازه بما يقوم شباب الحي من نظافة وتزيين. تزيين تعمل جمعية "ما تقيش حومتي" بمدينة مراكش على تزيين الحي بجداريات كبيرة وصل عددها لحد الآن سبعة. يقوم الفنان مراد رشمبدال القادم من مدينة سلا، طيلة ست أيام مستعينا برافعة، بوضع لمساته في كل جدارية كبيرة لتبدو زاهية من بعيد أو قريب. من بين تلك اللوحات، صورة للملك محمد السادس إلى جانب ولي العهد مولاي الحسن، ولوحة تعبر الأكبر من بين المجموعة تبرز فيها التعكريطة بجلبابه التقليدي وطاقيته المائلة و"طنجية" كبيرة. يقول رئيس الجمعية أمين الخضري (30 سنة) لجريدة العمق " الهدف من تلك اللوحات هو إشاعة روح الفن الجميل بين أبناء الحي، وإضفاء الطابع الجمالي والبيئي على المبادرة، لكن أيضا الاحتفاء بوجوه ومشاهد المدينة الإنسانية والحضارية". زهو يقف شريف راضي مزهوا أمام الجدارية التي اختير مكان خاص قرب "فران التراب" التاريخي، من يرى اللوحة الجميلة، تقوده الأسئلة إلى البحث عن نشأة الفكرة عن أعمال الجمعية الأخرى. يشرح أمين أن جمعيته التي تأسست منذ سنة ونصف، بدأ نشاطها في يونيو من السنة الماضية، وأردت تريد أن تضع بصمة قوية من خلال اسمها المختار. "ما تقيش حومتي" هي عنوان لتضافر الجهود" كما يقول شهيد لكرو نائب رئيس الجمعية (28 سنة) ، كما يحكي أن اختبار وجه رجل بسيط هو للتعبير عن امتنان لفئة من الشعب تحافظ على الموروث الثقافي والحضاري. لمسة ما أن تتجول في الحي "أزلي الجنوبي 1" حتى تظهر لمسة الجمعية الفنية، شوارع نظيفة، وأرصفة مصبوغة باللونين الأصفر أزرق ماجوريل. حديقة مزهرة ومزهريات كبيرة، تضيف على سكون الحي وهدوئه روعة وجمالا، يشيد أمين بالحس التضامني التي تبديه الساكنة التي تضم أكثر من 1400 منزلا. فيما يضيف شهيد بحماس ظاهر "لم نكن لنصل إلى ما وصلنا إليه من "نجاح" في ظرف وجيز لولا مساهمة الساكنة، التي يجسد التعكريطة جزءا من تضحياتها بمالها، متضافرة مع جهود أفراد الجمعية السبعة وأكثر من عشرين ناشطا جمعوا بين الفتوة والخبرة. كورونا فرضت كورونا ذاتها في العالم على كل الناس وكل الأمكنة، حي أزلي الجنوبي 1، كان له نصيب من ذلك، لكن بطريقة أخرى. لم تسجل أية حالة في الحي، لكن أثر الفيروس بقي حاضرا من خلال لوحة فنية ساهم في رسمها أطفال الحي يطمحون أيضا ليكونوا "مكعرطين" يجمعون بين نخوة أهل المدينة واجتهادهم في المدرسة. تجمع اللوحة جنود الصف الأول من أطباء ومهنيي الصحة ونساء ورجال تعليم وقوات الأمن والقوات المساعدة وأعوان السلطة وبقال الحي أيضا، وغيرهم كثير. يقول أمين وهو يتفرس الوجوه على اللوحة الجدارية ويقدم لها التحية " هي مبادرة اعتراف وامتنان، بأبعاد تربوية، وجود الأطفال في كل عمل إبداعي رهين بدمجهم في عمل جمعوي مبدع". خارج الحي بهمة ونشاط يعمل جميع أفراد الجمعية في كل مناسبة متاحة، كورونا حرمت عددا من المواطنين من عملهم جعلتهم عرضة للبطالة وقلة اليد. لكن "ما تقيش حومتي" بادرت إلى تقديم المساعدة وهي تضع في الحسبان تطبيق مقولة "أكرموا عزيز قوم ذل". يؤكد أمين "تضررت أسر كثيرا من الجائحة، لكن تضافر الجهود خفف من ذلك كثيرا، قبل أن يضيف " ستبقى لوحة التعكريطة أيضا شاهدة على فترة تضامن فيه الجميع من أجل مواجهة الوباء. أمل يريد التعكريطة (الذي تعني أيضا الرزانة) أن يمكث طويلا إلى جانب الرسم الكبير في أول يوم من إتمامها، تميل الشمس إلى الغريب فيما إحساس كبير يزيد داخله مع الوقت، يشعره أن الجدارية أصبح جزء منه وهو جزء منها. يقول إن اللوحة تمثل جزء فقط من حضارة مدينة، والتي تحتاج لمئات اللوحات والجداريات للتعبير عن غنى ثقافتها ورموزها الحضارية والإنسانية. حين يهم بالمغادرة في نهاية اليوم، يملأ نفسه يقينا أن وجهه الباسم بطاقيته و"طنجيته" لا تعير عنه وحده وإنما عن أهل وحضارة مدينة بأكملها.