المغرب شريك "موثوق" و"دعامة للاستقرار" في المنطقة (المفوض الأوروبي للجوار)    الوالي التازي يترأس لجنة تتبع إنجاز مشروع مدينة محمد السادس "طنجة تيك"    تعزيز وتقوية التعاون الأمني يجمع الحموشي بالمديرة العامة لأمن الدولة البلجيكية    السكوري يلتقي الفرق البرلمانية بخصوص تعديلات مشروع قانون الإضراب    الرجاء والجيش يلتقيان تحت الضغط    في سابقة له.. طواف المسيرة الخضراء للدراجات النارية يعبر صحراء الربع الخالي        الإنترنت.. معدل انتشار قياسي بلغ 112,7 في المائة عند متم شتنبر    المدعو ولد الشنوية يعجز عن إيجاد محامي يترافع عنه.. تفاصيل مثيرة عن أولى جلسات المحاكمة    ارتفاع كمية مفرغات الصيد البحري بميناء الحسيمة    لاعبتان من الجيش في تشكيل العصبة    "الهاكا" تواكب مناهضة تعنيف النساء    لفتيت: مخطط مكافحة آثار البرد يهم 872 ألف نسمة في حوالي 2014 دوارا    تكريم منظمة مغربية في مؤتمر دولي    المغرب يفقد 12 مركزاً في مؤشر السياحة.. هل يحتاج إلى خارطة طريق جديدة؟    ليبيا: مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي يجدد التأكيد على أهمية مسلسلي الصخيرات وبوزنيقة    غرق مركب سياحي في مصر يحمل 45 شخصاً مع استمرار البحث عن المفقودين    حموشي يستقبل المديرة العامة لأمن الدولة البلجيكية بالرباط    "البيجيدي": الشرعي تجاوز الخطوط الحمراء بمقاله المتماهي مع الصهاينة وينبغي متابعته قانونيا    ريال مدريد يعلن غياب فينسيوس بسبب الإصابة    «الأيام الرمادية» يفوز بالجائزة الكبرى للمسابقة الوطنية بالدورة 13 لمهرجان طنجة للفيلم    في لقاء عرف تفاعلا كبيرا .. «المجتمع» محور لقاء استضافت خلاله ثانوية بدر التأهيلية بأكادير الكاتب والروائي عبد القادر الشاوي    تكريم الكاتب والاعلامي عبد الرحيم عاشر بالمهرجان الدولي للفيلم القصير بطنجة    انعقاد مجلس للحكومة يوم الخميس المقبل        بعد رفض المحامين الدفاع عنه.. تأجيل محاكمة "ولد الشينوية"    الشرطة توقف مسؤولة مزورة بوزارة العدل نصبت على ضحايا بالناظور    استئنافية فاس تؤجل محاكمة حامي الدين إلى يناير المقبل    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    العالم يخلد اليوم الأممي لمناهضة العنف ضد النساء 25 نونبر    صنصال يمثل أمام النيابة العامة بالجزائر    بورصة البيضاء تفتتح تداولات بالأخضر    أرملة محمد رحيم: وفاة زوجي طبيعية والبعض استغل الخبر من أجل "التريند"    منظمة الصحة: التعرض للضوضاء يصيب الإنسان بأمراض مزمنة    تدابير للتخلص من الرطوبة في السيارة خلال فصل الشتاء    "الكاف" يقرر معاقبة مولودية الجزائر باللعب بدون جمهور لأربع مباريات على خلفية أحداث مباراتها ضد الاتحاد المنستيري التونسي        إيرادات فيلمي "ويكد" و"غلادييتور 2″ تفوق 270 مليون دولار في دور العرض العالمية    أسعار الذهب تقترب من أعلى مستوى في ثلاثة أسابيع    تقرير: جرائم العنف الأسري تحصد امرأة كل عشر دقائق في العالم    مدرب مانشيستر يونايتد يشيد بأداء نصير مزراوي بعد التعادل أمام إيبسويتش تاون    استيراد الأبقار والأغنام في المغرب يتجاوز 1.5 مليون رأس خلال عامين    تقرير : على دول إفريقيا أن تعزز أمنها السيبراني لصد التحكم الخارجي    6 قتلى في هجوم مسلح على حانة في المكسيك    مهرجان الزربية الواوزكيتية يختتم دورته السابعة بتوافد قياسي بلغ 60 ألف زائر    أونسا يوضح إجراءات استيراد الأبقار والأغنام        تحالف دول الساحل يقرر توحيد جواز السفر والهوية..    الإمارات تلقي القبض على 3 مشتبه بهم في مقتل "حاخام" إسرائيلي    جدعون ليفي: نتنياهو وغالانت يمثلان أمام محاكمة الشعوب لأن العالم رأى مافعلوه في غزة ولم يكن بإمكانه الصمت    الصحة العالمية: جدري القردة لا يزال يمثل حالة طوارئ صحية عامة        كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العلام يكتب .. في أن قرار المحكمة الدستورية يتضمّن رفضا ل"تفويض التصويت"
نشر في العمق المغربي يوم 09 - 06 - 2020

تَقدّم واحد وثمانون (81) نائبا برلمانيا بتاريخ 14 ماي 2020، بإحالة للمحكمة الدستورية، يطعنون بموجبها بمخالفة مسطرة التصويت على القانون رقم 26.20 يقضي بالمصادقة على المرسوم بقانون رقم 2.20.320 الصادر في 7 أبريل 2020، المتعلق بتجاوز سقف التمويلات الخارجية لأحكام الدستور. وقد اعتبر الأعضاء الموقعون على رسالة الإحالة “أن عملية التصويت على القانون المعروض، جاءت مخالفة لأحكام الفصلين ال 10 و 60 من الدستور، ولأحكام أخرى منه، ولمقتضيات المادة 156 من النظام الداخلي لمجلس النواب، إذ لم يتم الإعلان عن عدد أعضاء المجلس الحاضرين للجلسة العامة المخصّصة للتصويت على القانون المذكور، ولا تم احتساب عدد المصوتين عليه، ولا بيان تصويتهم بالموافقة أو الرفض أو الامتناع، وأن محضر الجلسة العامة أتى خاليا من هذه البيانات، وأنه، فضلا عن ذلك، تم احتساب أصوات أعضاء متغيبين، مما يشكل إخلالا بالحقوق التي ضمنها الدستور للمعارضة البرلمانية، وتفويضا محظورا بنص الدستور، للحق الشخصي لأعضاء مجلس النواب في التصويت”.
وعند فحص هذه الإحالة من قِبل المحكمة الدستورية، تبين لها أن الإحالة مستوفية لكامل الشروط القانونية التي ينص عليها الدستور. وبعد استحضار الفصول الدستورية والقوانين التنظيمية ذات الصلة بالشأن، ومناقشة مستفيضة لحيثيات الإحالة سيما ما وصفته الرسالة ب”مخالفة أحكام الفقرة الأولى من الفصل 60 من الدستور، بعلة حصول تفويض للحق الشخصي لأعضاء المجلس في التصويت، بفعل ما ترتب عن إعمال “قرار” مكتب مجلس النواب، المتّخذ في هذا الشأن، وبدعوى ما حدث من مس بحقوق المعارضة المكفولة بمقتضى أحكام الفصل 10 والفقرة الأخيرة من الفصل 60 من الدستور”، فإنه قد استقر عند المحكمة أن المخالفة التي تدعّيها رسالة الإحالة غير ثابتة.
أما العناصر التي بنت عليها المحكمة قرارها، فهي بالأساس: المحضر الخاص بالجلسة العامة المنعقدة في 30 أبريل 2020، المتعلقة بالدراسة والتصويت على مشروع القانون موضوع رسالة الإحالة، حيث تأكّد لها: “خلو المحضر ممّا يفيد طلبا بالإعلان عن نتائج الاقتراع بالتفصيل وفقا للإمكانية المتاحة بمقتضى المادة 164 من النظام الداخلي”، بمعنى أنه لا يوجد في المحضر الذي بين يدي المحكمة، دليل على أن هناك من طلب داخل جلسة التصويت بعرض النتائج بالتفصيل، كما استندت المحكمة على أن المحضر لا يتضمن “ما يفيد أن الطالبين أثاروا، أثناء الجلسة العامة، ما نعوه من عدم الإعلان عن عدد أعضاء المجلس الحاضرين”، ما دفعها للتصريح بأن “عدم الإعلان عن عدد أعضاء المجلس الحاضرين للجلسة العامة المخصصة للتصويت على القانون المحال، على فرض ثبوته، لا ينهض وحده سببا للتصريح بعدم مطابقة إجراءات إقرار القانون المحال للدستور، طالما أن صحة الاقتراع لا تتوقف على عدد الحاضرين إلا في الحالات التي يوجب فيها الدستور أغلبية معينة، وهو ما لا ينطبق على القانون المعروض”.
من هذا المنطلق، رأت المحكمة أن “تصريح رئيس الجلسة بأن المصادقة على القانون [تمت بناقص معارض، يعني الإجماع، يعني 394 مصوتا]، فإن ذلك لا يعدو أن يكون مجرد خطإ في الوقائع، لا يترتب عنه أي أثر قانوني، طالما أن التصريح المسجل وما جاء في المحضر، لا يختلفان في نتيجتهما، أي الإقرار بالمصادقة على القانون المحال بالأغلبية، بدليل إعلان رئيس الجلسة، في التسجيل المدلى به، عن معارضة صوت واحد”. ما يفيد أن قرار المحكمة لم يستند إلا على المحضر الذي تم تسجيله من قِبل “أمناء المجلس”، حيث أشار هذا المحضر إلى أن مشروع القانون موضوع الإحالة تم التصويت عليه بالأغلبية، وليس ما صرح به رئيس المجلس في الجلسة العامة، لأن ذلك مجرد خطأ في التعبير أو هفوة كلام.
وفق هذا البناء القانوني، قرّرت المحكمة بأن: “مسطرة إقرار القانون رقم 26.20 يقضي بالمصادقة على المرسوم بقانون رقم 2.20.320 الصادر في 13 من شعبان 1441 (7 أبريل 2020) المتعلق بتجاوز سقف التمويلات الخارجية، ليس فيها ما يخالف الدستور”.
إذا كانت تلك إذا هي حيثيات الموضوع، وذلك هو القرار المتخذ، فمن أين حصل الاستنتاج لدى البعض بأن المحكمة تؤيد “التصويت بالتفويض” الذي اعتمده مجلس النواب؟ ومن أين نستنتج أن المحكمة رفضت “التصويت بالتفويض” من دون أن تعلنه في قرارها؟ لمعالجة هذا الموضوع، نقترح بسطه في النقاط التالية:
أولا: يبدو أن مصدر الالتباس الحاصل حول الموضوع، عائد بالأساس إلى مضمون رسالة الإحالة، التي فضل أصحابها أن ينتصروا لحق المعارضة، وأن يطعنوا في مسطرة التصويت على مشروع قانون بسبب خطإ بسيط. ومن هذا بدأ تهافت موضوع الإحالة وضعفه، وذلك من حيث أن الفريق الذي أشرف على جمع التوقيعات على رسالة الإحالة، ينتمي في الأصل إلى المعارضة وقد صوت ممثلوه في مجلس النواب على مشروع القانون موضوع الإحالة بالموافقة، وهذا ما يفيد بأن المعارضة استفادت من حقها، فضلا على أن نفس الفريق قد قبِل بالطريقة التي انعقد بها المجلس، ولم يصدر منه أي اعتراض عليها، ولم يحدث أن سجل أي خرق للفصل 60 من الدستور الذي ينص على أن التصويت حق شخصي، ولم يسبق له أن اشتكى من أن أحدا منع نوابه من حضور جلسات البرلمان، كما أن رسالة الإحالة لم تقدّم للمحكمة دليلا ملموسا على أن هناك تفويضا للحق الشخصي في التصويت؛
ثانيا: أسّست المحكمة قرارها على الأدلة المادية المقدمة إليها، والتي تفيد أن أعضاء مجلس النواب صوتوا بحرية، وأن من تخلف منهم عن التصويت لم يكن مجبرا على ذلك. ومن هنا، وبمفهوم المخالفة، نستنتح أن المحكمة لو وجدت ضمن المستندات التي وردت في رسالة الإحالة، ما يفيد أن هناك من صوت نيابة عن الآخرين، لقضت ببطلان مسطرة التصويت، وذلك بدليل ما جاء في قرارها، وسيما في فقرته المتضمنة: “وحيث إن أعضاء البرلمان يستمدون نيابتهم من الأمة، وأن ما كفلته أحكام الفقرة الأولى من الفصل 60 من الدستور من حق أعضاء البرلمان الشخصي في التصويت، يترتب عنه تساويهم، أغلبية ومعارضة، في حرية التصويت حسب قناعاتهم، وأن نتيجة التصويت، سواء تم الإعلان عنها إجمالا أو تفصيلا، هي مجموع اختيارات تصويت كل نائبة أو نائب على النص التشريعي، بالموافقة أو المعارضة أو الامتناع”، وأيضا الفقرة التي أوردت: “وحيث إنه، لا يتبين من الاطلاع على محضر الجلسة العامة المشار إليها، ولا من باقي الوثائق المرفقة بالملف، ما يثبت منع عضو أو أعضاء من مجلس النواب، من أداء واجب المشاركة الفعلية في أعمال الجلسات العامة (…) أو من إبداء رأيهم أثناءها (…)، أو من التصويت (…)، كما أن مجموع الوثائق المذكورة لا يتضمن ما يثبت المس بالحقوق المكفولة للمعارضة البرلمانية بموجب أحكام الدستور، و قيام أعضاء المجلس الحاضرين، بمخالفة أحكام الفقرة الأولى من الفصل 60 من الدستور، بتجاوز حقهم الشخصي في التصويت إلى التصويت بالتفويض نيابة عن أعضاء المجلس غير الحاضرين”.
إن ما أوردناه في الإيجاز أعلاه لهو دليل واضح، على أن المحكمة الدستورية لا تقبل تفويض التصويت، ولا ترى أي إمكانية لحدوثه، وانه لو ثبت لديها ما يؤكد أن مجلس النواب قد لجأ إليه أثناء التصويت، فإن قرارها سيكون هو إعلان البطلان. وبما أن رسالة الإحالة لم تكن في الأصل طعنا في مسطرة التصويت من حيث” تفويضه”، سيما وأن أصحابها قد وافقوا على المسطرة ولم يعترضوا عليه، فإنها أغفلت عرض الأدلة بخصوص هذا الموضوع، بينما ركزت على جزئية تفاوت العدد المعلن عنه والعدد الحقيقي. أخذا في عين الاعتبار أن النائب البرلماني الذي هو موضوع هذه الإحالة ليس هو من بادر بها، ولا ينتمي للفريق الذي وقّعها، ولم ينازع أثناء الجلسة في مسألة عرض تفاصيل التصويت، ولا طالب بتصحيح الأمر في محضر الجلسات، وإن كان قد حاول –حسب ما عرض على شاشة التلفزيون أثناء بث الجلسة – تنبيه رئيس المجلس من خلال طلب نقطة نظام، لكنه وُوجِه برفض الأخير بدعوى أنه “لا توجد نقطة نظام أثناء التصويت”، والحال أن النائب كان عليه أن يلحّ في طلبه أو أن يعمد إلى طلب تدقيق الأمر في المحضر النهائي للجلسة، على الرغم من أن “التغيير” في المحضر قد حدث فعلا سواء كان النائب قد طلبه أو لم يفعل.
أما من زاوية أخرى، فإنه لم يكن متوقعا من المحكمة الدستورية، أن تتجاوز التمسك بأدق تفاصيل رسالة الإحالة، حتى تتجنب التطرق إلى موضوع “تفويض التصويت”، سيما وأنها رفضت كل وسيلة أخرى لإثباب الأمر من غير محاضر الجلسات، غير أن هذا لا يمنع من القول بأن مجلس النواب قد لجأ حقيقة إلى مسطرة “تفويض التصويت”، وذلك وارد من خلال وقائع ملموسة وقرائن/وقائع يمكن الاعتماد عليها؛ وأما الوقائع، فتتمثل في رسالة الإحالة التي وقعها 81 نائبا بمجلس النواب، يقرون فيها بحدوث “التصويت بالتفويض”، ويعترفون أنهم قاموا بالأمر، على اعتبار أن ممثلهم بالجلسة العامة صوت نيابة عنهم في مجلس النواب، وبما أن الاعتراف سيد الأدلة، فإنه ينطبق على هذه الواقعة، القول: “وشهد شاهد من أهلها”. علما أنه في إمكان المحكمة الدستورية أن تعود إلى محاضر اجتماعات المجلس ومن ضمنها محضر اجتماع رئيس المجلس مع الفرق النيابية بتاريخ 30 مارس 2020، (ولا نتوقع أن ينعقد أي اجتماع من هذا المستوى من دون محضر، وقد نشر مجلس المستشارين بلاغا تفصيلا عن الإجراءات التي اتخذها قصد تأمين انعفاد جلساته) الذي تم الاتفاق فيه على ما أسماه بلاغ صادر عن المجلس “شكليات الحضور في الجلسة الخاصة لافتتاح الدورة الربيعية التي ستنطلق يوم الجمعة 10 أبريل طبقا لمقتضيات الفصل 65 من الدستور”، حيث تضمّنت هذه الشكليات الاتفاق على حضور ثلاثة ممثلين عن كل فريق، مما يناقض مبدأ التمثيل النسبي، ويجعل جميع الفرق متساوية في التمثيل، وهو ما لا يتوافق مع العديد من إجرائيات الديمقرطية والتي أبرزها التنافس السياسي، كما اتفقوا على “اعتماد تصويت ممثلي الفرق باعتباره تصويتا للفريق ككل”.
وإن أهم واقعة دالّة على حدوث التفويض، لهي المتمثلة في تصريح رئيس مجلس النواب، كما هو وراد في رسالة الإحالة، ومثبت في التسجيل صوتا وصورة، وذلك عندما صرّح بأن المصادقة على القانون “تمت بناقص معارض، يعني الإجماع، يعني 394 مصوتا”، وهو أمر لا يمكن اعتباره “مجرد خطإ في الوقائع، لا يترتب عنه أي أثر قانوني، طالما أن التصريح المسجل وما جاء في المحضر، لا يختلفان في نتيجتهما” كما حاولت المحكمة توصيفه في قرارها، لأنه ما كان لرئيس المجلس أن يوظّف ذلك التعبير، إلا إذا كان متيقنا، كامل اليقين، بأن ممثلي الفرق النيابية يصوتون نيابة عن باقي زملائهم في الفرق، بدليل أن ولا واحد من الحضور قد اعترض على الموضوع باستثناء نفس النائب الذي سبق له أن سجل اعتراضا مشابها أثناء التصويت على المشروع في لجنة المالية، وهو أمر كان يمكن للمحكمة أن تستنتج منه حدوث التفويض لا أن تبحث له عن تبرير. علما أن الفريق الذي تقدم برسالة الإحالة، مُنعَت عنه الرسالة الجوابية التي أدلى بها كل من رئيس مجلسي النواب، وقد، أثبت ذلك الرفض بحضور منتدب قضائي. لأنه لو توافرت لدينا تلك الرسالة، لأمكن الوقوف على حقيقة مضمونها، وما إذا كان رئيس مجلس النواب قد أكد حدوث تفويض التصويت أم قام بنفيه، وفي كلتي الحالتين كان سيكون في مأزق قانوني وأخلاقي لأسباب متعددة.
وأما القرائن، فهي متعددة من قبِيل: 1- منذ بداية انعقاد مجلس النواب والكتابات تتناسل حول انتقاد “تفويض التصويت”، ومع ذلك لم يخرج أي نائب برلماني أو مسؤول رسمي لكي ينفي الموضوع. 2- وردت تصريحات وكتابات لبعض البرلمانين، يرفضون فيها “تفويض الحق في التصويت”، معتبرين إياه خرقا للدستور، ومستغربين “كيف يتم إحصاء أصواتهم بينما هم في بيوتهم”، دون أن يصدر عن المؤسسة التي ينتمون إليها أي بلاغ تكذيبي (ننشر في الدراسة التي تصدر قريبا نماذج موثّقة من هذه التصريحات)؛ 3- يمكن اعتبار البلاغ الذي أصدره مجلس المتشارين، هو بمثابة رد على الإجراء الذي اتخذه مجلس النواب من خلال توفيض التصويت، وقد ورد في البلاغ ما يلي: “وفي هذا الإطار، وإعمالا لمقتضيات الفصل 60 من الدستور في فقرته الأولى، والتي تنص على أن حق تصويت الأعضاء حق شخصي لا يمكن تفويضه، والمادة 175 من النظام الداخلي للمجلس التي تنص على أن التصويت يكون علنيا برفع اليد أو بواسطة الجهاز الإلكتروني المعد لذلك، فقد قرر المكتب اتخاذ كل التدابير اللازمة من أجل اعتماد آلية التصويت الإلكتروني بالجلسات العامة، مع تعميمها على اللجان الدائمة، انطلاقا من الأسبوع المقبل”، رغم أن هذا الموضوع يحتاج وحده إلى نقاش مستقل، لأن مجلس المستشارين لم يميز بين التصويت الإلكتروني الذي يكون حضوريا، وبين التصويت عن بعد الذي لا يحضر فيه المستشار، ولا يوجد له أي تأسيس من القانون الداخلي للمجلس، فضلا عن الإشكالات الأمنية المرتبطة به، في غياب تقنية القنوات الداخلية المؤمّنة، حتى لا يُستغل “البعد” لكي يصوت شخص آخر نيابة عن المعني بالأمر.
بناء على كل ما سبق، يمكن القول أن موضوع قرار المحكمة الدستورية رقم 106/20 بتاريخ 4 يونيو 2020 لا علاقة له بتزكية قرار مجلس النواب بتفويض التصويت، وإنما موضوعه الحصري جزئية بسيطة، تتعلق باحتساب الأصوات على مشروع واحد، خلال جلسة عمومية محددة. وأن المحكمة لم تبثّ في أي موضوع له علاقة ب “تفويض التصويت”، أما إذا فسحنا المجال للاستنتاج، فإن الرّاجح أن المحكمة أشار في أكثر من موضع – بمفهوم المخالفة – إلى أنه لو ثبت لها حدوث تفويض في التصويت، لقضت ببطلانه، وإن كان الاعتقاد حاصل أن المحكمة لو أعملت الاجتهاد لتين لها بالأدلة الملموسة والقرائن، أن تفويض التصويت قد حصل في أكثر من مناسبة، علما أن مسألة احتجاج المحكمة الدستورية فقط بمحاضر “الأمناء” فيها نقاش كبير، قياسا على كون هذا الأمر لا تدفع به عندما تنظر في المنازعات الانتخابية، حيث تسعين فيها بالقرائن والتسجيلات ولا تتوقف عند المحاضر فقط.
في ظل ذلك، فإنه أمام الجهات الحريصة على الشرعية، والتي من صلاحياتها – في غياب القانون التنظيمي للدفع بعدم الدستورية – الإحالة على المحكمة الدستورية، إلا أن تعمل على حشد الأدلة والبراهين والشهادات، وأن تقدمّها للمحكمة، من أجل الطعن في مسطرة التصويت على كل مشاريع القوانين التي عرضت على مجلس النواب، خلال الفترة التي صوت فيها بالوكالة، وذلك خرقا للدستور الذي يمنع عن النواب تفويض تصويتهم، لأنهم إما صوتوا تفويضا أو صوتوا تزويرا أو أن محاضر أمناء المجلس لم تعكس الحقيقة.
أما إذا كان مجلس النواب قد تراجع عن أمر “تفويض التصويت”، من خلال إعادة ضبط مضامين المحاضر، فهذا أمر محمود، ينقصه فقط الخروج بتصريح، يعترف فيه مكتب المجلس بأنه أخطأ بداية، وأنه تراجع عن الأمر، رغم أنه من الراجح جدا، أننا فعلا أمام حالة تراجع عن خطإ، لم يملك أصحابها الشجاعة للإعلان عنها، وإنما تمت تغطيتها بحيلة ذكية تمثلت في ضبط لغة محاضر “الأمناء”، واستبدال الاعلان عن تفاصيل التصويت بعبارة “صوت بالأغلبية عن كذا، وبالمعارضة عن كذا”، وهي مناسبة لكي يطالب النواب مستقبلا– حسب ما يمنحهم النظام الداخلي لمجلسهم – بإعلان تفاصيل التصويت، حتى لا يتم اللجوء إلى العبارات العامة، علما أنه من غير المعقول ألاّ ينقل “الأمناء” ما يدور حرفيا في الجلسات، ما يدور فعليا فيها، وإنما كتبوا في محاضرهم أمورا ليست كما حدثت بالفعل، وغّيروا الكلم عن موضعه (دون أن يصدر من داخل الجلسة ما يفيد أنه طلب منهم ذلك)، وإلا ما معنى أن يتحول كلام رئيس المجلس من أن المصادقة “تمت بناقص معارض، يعني الإجماع، يعني 394 مصوتا ” إلى: “صادق مجلس النواب بالأغلبية على مشروع قانون رقم…” ، لأن هذا يعتبر تزويرا لواقعة وتكذيبا لملايين المغاربة الذين سمعوه بآذانهم ورأوا بأعينهم ما قاله رئيس مجلس النواب حقيقة، الأمر الذي يستدعي إقالة هؤلاء “الأمناء” ما داموا لم يعكسوا الصفة التي يحملونها.
نختم بهذه الواقعة التي تكاد تتكرر في نهاية كل المقالات التي يناصر فيها أصحابها مبدأ الشرعية، والتي مفادها أن سكان أحد أحياء بريطانيا كانوا قد اشتكوا – بينما دولتهم في أوج حربها مع النازية خلال الحرب العالمية الثانية – من الازعاج الذي تُسببه لهم الطائرات الحربية، فضلا عن الخطر الذي يتهدّدهم نتيجة وجود المطار الحربي قرب مساكنهم، فما كان للقضاء إلا أن انتصر لهم، وأمهل الدولة 7 أيام من أجل تنفيذ الحكم. فهل تعلّلت الحكومة بظروف الحرب لكي تحتقر حكم المحكمة؟ إن الذي حصل هو انه لما بلغ إلى علم رئيس الوزراء البريطاني الأسبق “ونستون تشرشل” حكم المحكمة، سأل معاونيه: كم تبقى من أجل تنفيذ الحكم؟ أجابوه: 48 ساعة. فما كان منه إلا أن أمرهم بنقل المطار قبل انتهاء الأجل، وقال مقولته: “أهون أن تخسر بريطانيا الحرب من أن يقال انها لا تحترم القانون والقضاء”.
لقد وُضعت القوانين الدستورية، من أجل أن تُحترم، لا من أجل أن يتم خرقها بموجب مبررات متعددة من مِثل: “داعي المصلحة العليا للدولة” أو “الظروف الخاص” أو “حالة الطوارئ”.

بقلم: عبد الرحيم العلام، أستاذ القانون الدستوري
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.