النقاش حول إمكانية رفع الحجر الصحي من عدمه، وإمكانية الرفع التدريجي في ظل تمديد حالة الطوارئ الصحية، لم يعد صحيا من الناحية السياسية والإعلامية، خاصة في ظل الخلط الكبير لدى الرأي العام وتناسل التكهنات والتخمينات ولعبة “المصادر المطلعة” التي تغذي نسب المتابعة لبعض المواقع الالكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي. فالتقييم الأولي لحجم خسائر الاقتصاد الوطني يحتم علينا تسريع العودة التدريجية للحياة الطبيعية اقتصاديا واجتماعيا، وامتصاص هذه الخسائر وإشكالاتها قد يتطلب شهورا وليس فقط أسابيع محدودة. وفي ظل هاته الظرفية الخاصة، يتعين تكثيف التواصل بخصوص خطة الرفع التدريجي للحجر الصحي، في أفق إنهاء الطوارئ الصحية خلال الأسابيع المقبلة، وهي التجربة التي نجحت بشكل كبير في عدد من الدول الأوربية. فحالة الطوارئ الصحية محددة بالمرسوم بقانون، والذي يخول السلطات العمومية المختصة اتخاذ إجراءات استثنائية (غلق الحدود، منع التنقل بين المدن، منع بعض الأنشطة الاقتصادية، الحد من تنقل الأشخاص داخل المناطق….). وبالتالي يعتبر الحجر الصحي من ضمن هاته الإجراءات الاستثنائية، ويمكن الإعلان بشكل واضح عن البدء تدريجيا في إنهاء الحجر المنزلي حسب الفئات والمناطق، بالموازاة مع تسريع العودة التدريجية للمهن والأنشطة الاقتصادية. فالحجر الصحي له تكلفة عالية جدا، وقد يؤدي طول مدته لنزيف اقتصادي ومالي واجتماعي حاد قد لا تتحمله بلدنا مستقبلا، وهذه هي المخاطر الحقيقية التي تأتي في مرتبة ثانية بعد المخاطر الصحية التي تمكنت المملكة من تفاديها ولله الحمد. كما أن منسوب الثقة في المؤسسات، والتعبئة المجتمعية والتضامنية، الذين عشناهما خلال الأسابيع الأخيرة قد لا يستمران طويلا. وهذا الغموض قد يثير الاحتقان الاجتماعي أكثر مما قد يتسبب فيه الحجر الصحي من أساسه، خاصة وأن العلل الاجتماعية والنفسية بدأت تنافس الإشكالات الاقتصادية والمالية في خطورتها على المجتمع. فما قبل هذه الوضعية سيختلف جذريا عما بعدها اقتصاديا ومجتمعيا وسلوكًا اجتماعيًا أيضا، مثلما سيختلف من حيث الأولويات والإكراهات المطروحة على الاقتصاد الوطني وعلى المالية العمومية. وسيكون أكثر خطورة على القدرة الشرائية للمواطنين والتي تعتبر جزءا أساسيا في الاستقرار الاجتماعي وفي إعادة إنعاش الدورة الاقتصادية. وخلال مثل هاته الحالات الاستثنائية يكون دور الدولة حاسما وأساسيًا: – أولا من خلال وضوح الرؤية وحسن التواصل مع الرأي العام ووضع خطة الخروج بشكل مستوعب من المجتمع؛ – ثم من خلال سياسات اقتصادية مستعجلة للنهوض بالقطاعات المتضررة وضمان تعافيها بالسرعة الكافية، مثل القطاع السياحي، ومجال العقار، والمهن الصغرى التجارية والصناعية والخدماتية؛ – ومن خلال سياسة نقدية توسعية تمكّن من تمويل الاقتصاد بشكل سريع وملائم وبتكلفة جد منخفضة تلامس نسبة فائدتها الصفر، وإقرار قروض بدون فائدة لتمويل المهنيين الصغار والمقاولون الذاتيون بشكل مستعجل.