مقدمة يحق لكل شريك في ملك مشاع ان يتصرف في حصته كما يشاء عن طريق قيامه بمجموعة من التصرفات القانونية كالبيع مثلا، وهذا البيع قد يتم غالبا لفائدة شخص أجنبي عن باقي الشركاء وهو الأمر الذي من شأنه ان يلحق اضرارا بالملكية العقارية ويمس بمبدأ التماسك بين الشركاء المالكين على الشياع، وفي سبيل الحفاظ على الشيوع وتفاديا لدخول ذلك الشريك الأجنبي وبهدف تحقيق المصالح الاقتصادية والاجتماعية المرجوة من العقارات ودورها التنموي، فإن المشرع المغربي خول لكل شفيع له مصلحة ان يتدخل لممارسة الشفعة، و الشفعة كنظام قانوني لا يتم الأخذ بها إلا في نطاق التصرفات التي بمقتضاها يكتسب المشتري الحصة المشاعة عن طريق البيع أو المعاوضة، ولقد نظم المشرع المغربي احكام الشفعة في كل من قانون الالتزامات والعقود ومدونة الحقوق العينية، وممارسة حق الشفعة قد يقع على عقارات محفظة او غير محفظة، كما يمكن أن ينصب على عقارات في طور التحفيظ؛ وهي العقارات التي قدم بشأنها مطلب التحفيظ والتي لا زالت مسطرة التحفيظ سارية بشأنها بمعنى أنه لم يتم تأسيس رسم عقاري خاص بها، والعقار في طور التحفيظ عندما يكون مشاعا بين عدة أشخاص فإن ذاك لا يمنع من خضوعه لمجموعة من التصرفات القانونية كالبيع مثلا، آنذاك يحق لكل شريك ان يتعرض على البيع بهدف ممارسة حق الشفعة المخول له قانونا، وممارسة هذا الحق يقتضي اتباع مجموعة من الإجراءات واحترام الاجل القانوني لذلك تحت طائلة سقوط الحق في ممارسة الشفعة، هذه الأمور سنحاول تسليط الضوء عليها في هذا الموضوع نظرا لما تطرحه مسألة الاجل القانوني لممارسة الشفعة من إشكالات عملية بين ماهو منصوص عليه في مدونة الحقوق العينية وبين ما هو منصوص عليه في قانون التحفيظ العقاري، هذه الاشكالات التي من شأنها إهدار حق الشفيع في أولويته وافضليته وسقوط حقه في ممارسة الشفعة رغم توفره على كل الشروط القانونية . المحور الأول: الإطار القانوني لممارسة الشفعة للعقار في طور التحفيظ عرف المشرع المغربي الشفعة انها 1 ” الشفعة هي اخذ شريك في ملك مشاع او حق عيني مشاع حصة شريكه المبيعة بثمنها بعد أداء الثمن…” وقد تتم ممارسة الشفعة اثناء مسطرة التحفيظ التي تنصب على عقار او ملك على الشياع حيث يحق لكل مالك ان يفوت حصته استنادا إلى قاعدة لا يجبر احد على البقاء في الشياع، ولقد حصر المشرع المغربي الحق في ممارسة الشفعة بالنسبة للعقار في طور التحفيظ في صورة واحدة تتجلى في التعرض(2)،بمعنى ان الشفعة تتم وفق اجراءات معينة وتتسم بخصوصية تختلف عن التعرض العادي على مطلب التحفيظ، وهذا ما اكدته المادة 305 من مدونة الحقوق العينية التي تنص على ما يلي ” اذا كان العقار في طور التحفيظ فلا يعتد بطلب الشفعة إلا إذا ضمن الشفيع تعرضه بمطلب التحفيظ المتعلق به” وهذا ما اكدته كذلك محكمة النقض في قراراتها حيث جاء في إحداها ما يلي (3) “…. إن طلب الشفعة يجب تقديمه عن طريق التعرض على مطلب التحفيظ طالما ان العقار في طور التحفيظ… ” ولقد اختلفت الآراء بخصوص القواعد القانونية الواجبة التطبيق عند ممارسة الشفعة على العقار في طور التحفيظ مابين اتجاه أول يرى ضرورة تطبيق القواعد العامة المقررة في قانون التحفيظ العقاري 14.07 المنصوص عليها في الفصلين 24 و84 منه، بينما ذهب الاتجاه الثاني إلى وجوب تطبيق الأحكام الفقهية المقررة في قواعد الفقه المالكي وقانون الالتزامات والعقود، باعتبار ان الشفعة سبب من أسباب كسب الملكية وبالتالي فالأجدر هو أن تتم ممارستها عن طريق إقامة دعوى مستقلة (4) بعيدا عن مسطرة التحفيظ. أمام هذا التذبذب في الآراء والأحكام القضائية كان لزاما على المشرع التدخل وذلك عبر اصداره مدونة الحقوق العينية 39.08 التي تضمنت مجموعة من المقتضيات القانونية المنظمة لمختلف التصرفات القانونية الواردة على الحقوق العينية بشكل مفصل ودقيق، حيث لم يعد يعتد بطلب الشفعة إلا إذا قام الشفيع بتضمين تعرضه بمطلب التحفيظ المتعلق به(5)، وبذلك يكون المشرع قد ساير الاتجاه الأول الذي يرى بضرورة تفعيل مقتضيات الفصلين 24 و84 من قانون التحفيظ العقاري، بمعني سلوك مسطرة التعرض على مطلب التحفيظ واعتبار تاريخ إيداع التعرض امام المحافظ على الأملاك العقارية بمثابة ممارسة قانونية للمطالبة بالشفعة، بذلك أصبح كل مالك على الشياع يرغب في أخذ الحصة المبيعة إلى المشتري( المشفوع منه) والتي تم بموجبها سلوك مسطرة الإيداع طبقا للفصل 84 من ظ ت ع وذاك من أجل الحفاظ على حقوقه المكتسبة من الضياع اثناء مسطرة التحفيظ وتقييدها بعد ذلك بالرسم العقاري، يمكن لهذا الشريك أن يسلك مسطرة التعرض المنصوص عليها في الفقرة الثالثة من الفصل 24 من ظ ت ع باعتباره شفيع. المحور الثاني : اهم الاشكالات العملية لممارسة الشفعة بخصوص العقار في طور التحفيظ اذا كان المشرع قد حسم في الإطار القانوني المنظم لممارسة الشفعة بالنسبة للعقارات في طور التحفيظ وذلك عن طريق التعرض على مطلب التحفيظ، إلا أن الأمر لا زال لا يخلو من العديد من الإشكالات العملية المرتبطة بتفعيل تلك المقتضيات، وأهم إشكال يتعلق بالأجل الذي يجب الاعتماد عليه عند سلوك التعرض، خاصة وأن الآجال تعتبر من الأمور الدقيقة والمهمة التي يجب احترامها وضبطها ولا يجب ترك الأخذ بها لهوى الأطراف ورغبتهم يقومون بها متى يشاؤون، وبرجوعنا للمادة 304 من مدونة الحقوق العينية نجد ان المشرع قد حسم في مسألة الأجل المتعلق بممارسة حق الشفعة، وحدده ما بين أجل الشهر من تاريخ التوصل بالتبليغ الذي يقوم به المشتري لفائدة الشفيع وبين أجل السنة من تاريخ الإيداع بسجل التعرضات ، لكن السؤال المطروح هنا ما مدى امكانية التوافق والتجانس بين الأجل المحدد في المادة 304 والذي يعتبر أجلا عاما وبين أجل التعرض المنصوص عليه في الفصل 24 من ظهير التحفيظ العقاري ؟ كذلك هناك تساؤل آخر يرتبط بطبيعة التعرض المنصوص عليه في المادة 305 من مدونة الحقوق العينية والذي تتم ممارسته من طرف كل شخص يرغب في الشفعة حسب ما ألزمه به المشرع بمعنى التعرض على مطلب التحفيظ، هل يتعلق الأمر بالتعرض على الإيداع المنصوص عليه في الفصل 24 ظ ت ع أم يتعلق الأمر بالتعرض العادي على مطلب التحفيظ الذي يقوم بكل كل شخص يدعي حقا على العقار موضوع التحفيظ ؟ الجواب على هذه الأسئلة يقتضي منا التمييز بين ثلاث حالات يفترض أن يتدخل فيها المشفوع منه، و المشفوع منه هو الشخص الذي انتزع النصيب المتملك بعوض(6): الحالة الاولى: قد يتدخل المشفوع منه اثناء مسطرة التحفيظ عن طريق مسطرة الإيداع المنصوص عليها في الفصل 84 من ظ ت ع، الشفيع هنا يمارس تعرضه داخل اجل الشهرين من تاريخ الإيداع بسجل التعرضات. الحالة الثانية: المشفوع منه قد يتدخل في مسطرة التحفيظ عبر تقنية النشر او الخلاصة الاصلاحية المنصوص عليها في الفصل 83 من ظ ت ع، الشفيع هنا يمارس حق الشفعة داخل أجل الشهرين من تاريخ نشر الخلاصة الاصلاحية بالجريدة الرسمية. الحالة الثالثة : قد يكون المشفوع منه هو طالب التحفيظ الأصلي، الشفيع هنا يجب عليه ممارسة حق الشفعة داخل الأجل القانوني المنصوص عليه بالنسبة للتعرض العادي او الاستثنائي إن توفرت شروطه ووافق عليه المحافظ طبعا. فالملاحظ إذن أن الأجل المنصوص عليه في المادة 304 من م ح ع لممارسة حق الشفعة بالنسبة للعقارات في طور التحفيظ والمحدد في سنة من تاريخ الإيداع يعتبر أجلا عاما يتعارض مع الأجل الخاص للتعرض الذي أشرنا اليه سابقا، وهو الأمر الذي من شأنه ان يحرم الشفيع من ممارسة حقه في الشفعة وإن كان أجل السنة لازال مفتوحا، وذلك بمجرد انتهاء أجل التعرض العادي، ولا يبقى آنذاك للشفيع سوى إمكانية طلب فتح أجل استثنائي للتعرض المنصوص عليه في الفصل 29 من ظ ت ع، لكن في حالات كثيرة يكون قاضي التحفيظ قد بت في التعرض وأرجع الملف إلى المحافظة العقارية، وبالتالي لم يعد بإمكان الشفيع تقديم تعرضه بشكل قانوني وسيكون مآله عدم القبول، إضافة إلى ذلك فإن الشفيع لا يمكنه التدخل أمام محكمة التحفيظ لان ذلك الأمر محسوم فيه وغير مقبول على أساس أن محكمة التحفيظ تبت فقط في حدود الملف المحال عليها من طرف المحافظ العقاري سواء فيما يتعلق بالأطراف أو الموضوع دون زيادة ولا نقصان، وما زاد الأمر تعقيدا هو ما تضمنه القانون الجديد 14.07 من سحب إمكانية تقديم التعرض الاستثنائي أمام وكيل الملك بمعنى لا يمكن للنيابة العامة التدخل في القضية كما كان عليه الأمر في السابق في ظل ظهير التحفيظ 1913. ختاما يمكن القول أن الشفيع يبقى رهين هذه الفصول والمواد القانونية الغير المتجانسة والتي قد تكون سببا في ضياع حقوقه وهدرها، وذلك بحرمانه من ممارسة الشفعة وسقوط حقه فيها رغم توفره على كافة الشروط القانونية، ورغم ان الأجل العام لممارستها لا زال مفتوحا وذلك تحت ذريعة أن أجل التعرض المنصوص عليه في قانون التحفيظ العقاري قد استنفذ دون تقديم أي تعرض، من هنا تتضح ضرورة تدخل المشرع بمقتضي تشريعي يخول للأغيار سلوك مسطرة التدخل اثناء منازعات التحفيظ إسوة بالقواعد العامة لقانون المسطرة المدنية، وحتى لا تبقي صلاحية قاضي التحفيظ محدودة ومقيدة بالملف كما هو محال عليها من قبل المحافظ على الأملاك العقارية دون إمكانية قبول اي تدخل من كل ذي مصلحة حتى ولو كان شفيعا، كما يجب على المشرع الحسم في مسألة الأجل التي يجب على الشفيع سلوكها، إضافة إلى تحديد طبيعة التعرض الذي يقوم به استنادا للمادة 305 من مدونة الحقوق العينية . * محامية وباحثة في قانون العقار والتعمير