لا أحد في الحقل التعليمي، له رغبة في تحليل الأمور بشكل مستقل عن عريضة طويلة لمختلف النظريات التي عالجت، ولا زالت تبحث عن معالجة فعالة لأشكال التقويم المدرسي، والامتحانات الاشهادية، ومدى ارتباطاتها بمبادئ تكافؤ الفرص، وبناء شخصية المتعلم على أساس التوازن النفسي، والاستقرار العقلي، والثبات الوجداني في المواقف والافعال، وغيرها من الأمور التي تدخل في صلب الحياة الاجتماعية الوظيفية، أو الأسرية وأو غير ذلك. إذ أن مجمل النظريات التقويمية التي أسست عليها الامتحانات الاشهادية، يتوخى منها أساسا معرفة أو الحصول على نقطة عددية، تؤهل صاحبها للعبور للمستويات العليا، أو ولوج إحدى المراكز أو المعاهد الدراسية، التي صبغت بالرسميات، نظرا لولوجها المحدود، القائم على عدد محدد من المقاعد خصوصا بالمعاهد العليا. فالامتحانات، وإن كانت تدخل قي إطار تحديد وغربلة الإنسان بشكل عام، أو التلاميذ والطلبة بشكل خاص، على اساس الاستحقاق النسبي القائم على درجة التحكم في مختلف المعارف والمهارات، المراد الوصول إليها، أو تحديد الحد المعقول منها. فهي من جانب السلوك والمعاملات الاجتماعية تبقى بعيدة عن جملة من القيم، تلك القيم المبنية على نكران الذات وحب الخير للجميع، من خلال القضاء على كل من ينخر المجتمع والدولة على حد سواء. فإذا كان التطبيع مع سلوكات مشينة داخل المجتمع، كالرشوة، والحسوبية، والاستهتار بالقانون، والتضامن القائم على الرياء، وتشريد الأطفال، والتحرش بالنساء في الشوارع، وتفشي الاتكالية، ونشر اليأس، وعودة العرقية المقيتة، ونكران تراث الأمة، واحتقار تاريخ البلاد، والتشبت بحضارات الاستعمار، والتمادي في التقليد الأعمى، وجلد الذات باستمرار! فأي نتيجة أو غاية تحققت من هذه الاشهادات التي اعتمدت على نقط عددية، وشهادات ورقية، صبغت بطابع الرسمية بهدف ضبط استقرار وتوجيه الموارد البشرية المتنوعة. الحياة المدرسية في نظام التقويمات الحالية تعتمد على الفصل بين الأسلاك التربوية، وهو ما ينعكس على بناء مجموعة من القيم التي تغرس في الصغر، بيد أنها تتلاشى كلما تم الانتقال للمستويات العليا، نتيجة ازدياد حدة ادراك قيمة الوعي، والتحليل الواقعي للأمور المتناقضة في كل شيء. لذا فإصلاح نظام التقويمات، لا يقتصر فقط على طبيعة الأسئلة، وتنوعها المعرفي، والمهاري، أو الوجداني، والتي يحكم عليه نظريا، في مقابل تناقضاتها سلوكيا وواقعيا. إذن التقويمات الاشهادية، أو الاجمالية المرحلية، عليها أن تتبع معيار الاستمرارية السلوكية، القائمة على تقوية مفهوم الحياة المدرسية، وفق مقاربة نسقية مبنية على الترابط والتواصل والاستمرارية، حتى يسهل إصدار الأحكام النسبية في نهاية المطاف، على أساس الحياة المدرسية كاملة، لا على أساس الفصل بين المستويات في النجاح وربطها بعتبة محددة. بمعنى نيل أي شهادة مدرسية تكون على أساس الربط بين جميع المسالك والأسلاك، على أساس النسبية المحددة، وفق مقاربة شمولية، تراعي التشجيع على طلب العلم، والمعرفة من الأسلاك الابتدائية وصولا إلى الأسلاك العليا. فمثلا نيل شهادة الباكالوريا، عليه أن يدرج في إطار المجهود الذي بدل طيلة الحياة المدرسية، بحيث معدل شهادة الباكالوريا عليه أن يعتمد على مقاربة لها أثر رجعي مرتبط بالمستويات السابقة للتلميذ، والمتصلة بالحياة المدرسية ككل، في أفق الانتقال إلى المستويات الجامعية العليا.. فمعدل الباكالوريا، ونيل الشهادة، عليه أن يتغير من مفهوم تقويم المعدلات السلكية، أي ربط الباكالوريا بجميع معددلات ونتائج الأسلاك التربوية السابقة، بطرق تدريجية في أفق تعمميمها على الباكالوريا بجميع أصنافها. فمثلا بعد الاعتماد بطبيعة الحال على التقويمات غير الاشهادية، واحترام العتبة الصارمة للنجاح، يتم احتساب معدل الباكالوريا وفق نسب تراعي سيرورة الحياة المدرسية ككل، أي لنيل هذه الشهادة تعتمد نقط جميع المستويات الدراسية للابتدائي والإعدادي والسنوات الأولى من الثانوي. إذ، يحسب المعدل القائم على نيل هذه الشهادة على الشكل التالي: نقط الابتدائي في جميع المستويات تحسب بنسبة %5 ونقط الثانوي الإعدادي بمستوياته الثلاث يحسب بنسبة %10 في حين تحسب نقط السنة الأولى من السلك الثانوي بنسبة %5 والسنة الثانية من الباكالوريا بنسبة %10، في حين يحسب امتحان الباكالوريا بنسبة %65 والمراقبة المستمرة للسنة الثانية من الباكالوريا بنسبة%5. وهكذا نكون حققنا نسبة%100. نسبة الحكم والنجاح وأخذ شهادة الباكالوريا، وفي نفس الوقت نعطي قيمة للدراسة والجد والاجتهاد والمتابعة، والتنافس منذ الصغر في إطار حياة مدرسية متصلة، مفعمة بالاحساس الوجداني، والتتبع المستمر للأسر، والتلاميذ لمجهوداتهم المبذولة، طيلة المسار الدراسي المتصل بمختلف تلاوينه وتأثيراته المعرفية، والمهارية والوجدانية. ولم لا يتم كذلك، توسيع هذا المنظور ليشمل في المدى المتوسط ربط الحياة المدرسية بالحياة الجامعية ككل!