مقدمة: في ظل الظروف التي يعيشها العالم جراء انتشار الوباء المعروف بفيروس كورونا المستجد، وما خلفه من إصابات وقتلى، اتخذت عدة دول الكثير من التدابير الاحترازية أبرزها: الحجر الصحي كبديل ووقاية لمنع تفشي هذا المرض. ولم يكن المغرب بمعزل عن هذه التدابير فقد دعا هو الآخر إليها وذلك بإعلانه اتخاذ مجموعة من الإجراءات منها: إغلاق المؤسسات التعليمية حيث ترتب على هذا الأمر توقف التعليم المباشر في المؤسسات، فوضع هذا الفيروس جهاز التربية والتعليم أمام تحديات مواصلة المسيرة التعليمة ليتم اللجوء إلى بديل آخر تقتضيه المرحلة الراهنة وهو ما أطلق عليه : التعليم عن بعد باعتباره ضرورة ملحة فرضها الواقع ومطلبا أساسيا للأساتذة والتلاميذ وطلبة الجامعات . فجاءت الدعوة من الوزارة الوصية إلى مسايرة التعليم عن طريق إطلاق منصات إلكترونية وبث الدروس المصورة عبر القنوات التلفزية بغية تمكين التلاميذ من حقهم في التعلم واستكمال الدروس المبرمجة، وهي أول تجربة واقعية حقيقية يخوضها المغرب. الشيء الذي يجعلنا نقف مع مجموعة من الإشكالات أهمها: ما مدى نجاعة التعليم عن بعد؟ ولماذا التعليم عن بعد؟ وماهي الحلول المقترحة للنهوض به؟ التعليم عن بعد كما عرفه رونترى هو” التعليم الذي يحدث عندما تكون هناك مسافة بين المتعلم والمعلم ويتم عادة بمساعدة مواد تعليمية يتم إعدادها مسبقا، ويكون المعلمين منفصلين عن معلميهم في الزمان والمكان أو كليهما ” وهذا النوع من التعليم ليس جديدا في الساحة التربوية بل نجد له جذورا قديمة تزيد عن قرن من الزمان، حيث كان على شكل تعليم بالمراسلة في كل من ألمانيا وبريطانيا والولايات المتحدةالأمريكية لتقديم الخدمة التعليمية لأفراد محرومين من الحصول عليها وغير قادرين على الوصول إلى أماكنها المعتادة. وانتشر التعليم عن بعد في العقدين الأخيرين في مجالات التعليم والتدريب في معظم بلدان العالم، ويتجلى ذلك واضحا على مستوى التعليم العالي حيث تزايدت أعداد الجامعات التي عملت بهذا النوع من التعليم. أما التعليم المفتوح والتعلم عن بعد في بعض الدول العربية، كانت البداية الفعلية له عام 1979 م كتوصية لمؤتمر عُقد في الأردن، وشارك فيه مختصون عرب وخبراء من اليونيسكو. فقد أوصى المؤتمر بإنشاء جامعة عربية مفتوحة لتدعم الجامعات التقليدية وتساهم في تطوير التعليم في الوطن العربي من خلال تقديم فرص التعليم العالي للطلبة العرب غير القادرين على الالتحاق بالجامعات التقليدية. ومنذ ذلك الحين تعددت التجارب العربية في مجال التعليم المفتوح والتعليم عن بعد. – لماذا التعليم عن بعد؟ إن العمل ببيداغوجيا الكفايات كمدخل من مداخل المنهاج الدراسي المغربي الذي تبناه المغرب في منظومته التربوية، يسعى إلى تطبيق مجموعة من الكفايات منها: الكفايات التكنولوجية وذلك عن طريق إدخال الوسائل التكنولوجيّة لتحسين العملية التعليميّة وزيادة كفاءتها ولإعانة للمتعلم حتى يتسنى له حسن توظيف هذه الوسائل في بناء تعليماته وفي بحثه عن حاجاته الثقافية والعلمية. والتعليم عن بعد يتعلق بهذه الوسائل ويخدم هذا النوع من الكفايات، لأنه يرتبط بالأساس على وجود وسيلة اتصال متطوّرة بين التلميذ والمدرّس يتم من خلالها تبادل المهام والواجبات التعليمية. فالتعليم عن بُعد يقوم على فلسفة تُؤكِّد حق الأفراد في الوصول إلى الفرص التعليميَّة المتاحة لهم، فهو بذلك يحقق عدة إيجابيات منها: تخفيف الضغط المتصاعد على نظام التعليم التقليدي. تقديم برامج ثقافية لمعظم شرائح المجتمع. إتاحة الفرص التعليميَّة لكل المُتعلِّمين الراغبين والقادرين على ذلك. استقلالية المُتعلِّمين وحريتهم في اختيار الوسائط وأنظمة وأساليب التوصيل. الإسهام في إعداد الأفراد الذين يمتلكون المعارف والمهارات والقدرات. عدم الحاجة للتنقل لمن يصعب عليهم الانتقال بهدف الدراسة. التحكم في الوقت وتوفيره. يُظهر المهارات الفردية للمتعلمين. اكتساب مهارات التعامل مع التقنيات الحديثة في الاتصال والمعلومات التي أصبحت ضرورية في هذا العصر. لكن يبقى السؤال المطروح: إلى أي مدى يمكن أن يحقق التعليم عن بعد هذه الإيجابيات على المستوى العملي؟ إننا كممارسين لرسالة التدريس وفي ظل تجربة التعليم عن بعد التي فرضها فيروس كورونا المستجد، نقف أمام عوائق تحول دون تحقق إيجابيات هذا النوع من التعليم نذكر منها: غياب الانصاف وتكافؤ الفرص: حيث يحرم الكثير من هذا التعليم بسبب الظروف المادية التي يعيشها التلاميذ وذلك بعدم توفرهم على الوسائل التي تمكنهم من ذلك. صعوبة التحفيز، لأن التعليم عن بعد ذاتي نوعاً ما، فيجد بعض التلاميذ صعوبةً في تحفيز أنفسهم بنفسهم، أو تنظيم عملهم وإتمامه في وقتٍ محدد. يُغَيب التعليم عن بعد التفاعل العمودي المباشر (بين الأستاذ والتلميذ) والتفاعل الافقي (بين التلاميذ أنفسهم) الضعف التقني في بعض الدول النامية يعيق وصول المادة العلمية للمتعلمين. التعليم عن بعد يقصي دور الأستاذ باعتباره أحد ركائز المثلث البيداغوجي المهمة . صعوبة التقييم وتطوير معاييره . تعطيل التعليم بالقدوة وغياب تام لبعض البيداغوجيات (كالبيداغوجيا الفارقية وبيداغوجيا الخطأ ….) ضعف التكوين في التعامل مع التقنيات الرقمية وطرق الاستفادة منها. فقدان المناقشات الجماعية والحوار بين المتعلمين مما يشعر الدارس بالعزلة الدراسية ارتفاع التكلفة المادية للانضمام له. نظرا للعوائق السالفة الذكر وغياب إمكانيات التعليم عن بعد، يتضح لنا جليا الدور الأساسي والمحوري الذي يقوم به الأستاذ داخل القسم فهو: الموجه و المقوم، والمنشط، والمسهل للعملية التعليمية التعلمية، وهذه الأمور لا يمكن لها أن تتأتى بطريقة فعالة إلا بالتعليم المباشر بين الأستاذ وتلاميذه داخل الفصل الدراسي وهو الأمر الذي يغيبه التعليم عن بعد الذي أبان عن محورية الأستاذ وقصور وعجز العديد من تلاميذ المستوى الابتدائي و الثانوي بسلكيه عن المواكبة والاستمرار في هذا النوع من التعلم الذي يدعى بالتعلم عن بعد. حلول مقترحة للنهوض بالتعليم عن بعد: نشر ثقافة التعليم عن بعد بين بين النّاس بشكلٍ أكبر، من خلال عقد ندوات توعويّة، ونشر منشورات تحتوي على فوائد التعلم عن بعد. عقد دورات لتعلّم وسائل التعليم الإلكترونيّ، والمحاضرات المجانيّة التي تشرح أهميته. الاستفادة من الخبرات الخارجيّة، وخاصّة تجارب الدول المتقّدمة في مجال التعليم عن بعد وأخذ العبرة. تحسين البنية التحتيّة التي تخدم الاتصالات. توفير الإمكانيات المساعدة على ذلك . المراجع: – التعليم الإلكتروني: د سعديه الأحوري التعليم المفتوح والتعليم عن بعد في الوطن العربي: نحو التطوير والإبداع الدكتور صلاح عايد الشرهان – التعليم عن بعد والتعليم المفتوح: د طارق عبد الرؤوف عامر * طالب باحث في ماستر المناهج وطرق التدريس في الدراسات الإسلامية