مقدمة : تحاول العديد من الأنظمة التربوية في العالم التكيف مع واقع تفشي فيروس كورونا المستجد، والاسراع نحو اتخاذ مجموعة من التدابير الاستباقية والاحترازية لمنع شيوع هذه الجائحة, ومن ذلك تعليق الدراسة بالمؤسسات التعليمية والبحث عن بديل و ابتكار أنماط تعليمية جديدة تخدم المنظومة التعليمية بطريقة مبتكرة في إطار ما أطلق عليه الاستمرارية البيداغوجية , والتحرر من قيود الزمان والمكان, وذلك بغية ضمان حق التلاميذ في التعلم، مما يشكل فرصة أمام العديد من دول العالم، بما فيها المغرب، للانطلاق نحو بناء رؤية استراتيجية للرقمنة البيداغوجية ويعتبر التعليم عن بعد ( Distance Learning) أحد اهم هذه الأنماط. وقد شكل التعليم عن بعد بجميع أنواعه (التعليم الإلكتروني مثلا …)، منذ ظهور الانترنيت إلى وقتنا الحالي، محور اهتمام أعرق الجامعات ( الأمريكية… الكندية… البريطانية..) ومراكز التعليم والمدربين، مواكبة منها للتطور الهائل الذي يشهده العالم، خاصة في مجال تقنيات التعليم. كما عرفت السنوات الأخيرة اهتماما متزايدا بمجال التعليم والتطوير من خلال الإنترنت، فظهرت الكثير من الجامعات الإلكترونية والمؤسسات التعليمية والمراكز التي تقدم هذا النوع من التعليم، إضافة إلى البرامج المتكاملة والشهادات العلمية التي يحصل عليها من يكملون المنهج المقرر، و المنصات والمناهج الالكترونية والدورات التدريبية التي تبنتها العديد من الشركات لتدريب الموارد البشرية على صقل المهارات أو تحديث المعلومات في مجال العمل. وفي ظل الظروف التي تعيشها بلادنا بسبب جائحة كورونا المستجد الذي اجتاح العالم كانتشار النار في الهشيم، اعتمدت المملكة، من خلال الوزارة الوصية، خيار التعليم عن بعد, لضمان حق التلاميذ في التعلم والاستمرارية البيداغوجية التي تهدف إلى تتبع عملية سير التعليم. ويطرح هذا الموضوع مجموعة من الاشكالات من بينها :ما مدى نجاعة التعلم عن بعد وآفاق تحسين مردودية المنظومة التربوية والتعليمية بالمغرب. وتتفرع عن هذه الاشكالية مجموعة من التساؤلات من قبيل:ما هو تعريف التعلم عن بعد ؟ وعلى ماذا يرتكز؟ وماهي خصائصه ومميزاته؟ وماهي وضعيته بالمغرب؟ وماهي الإشكاليات المرتبطة بتطبيقه والحلول المقترحة؟ وكيف يمكن الاستفادة من هذا النوع من التعليم لتطوير المنظومة التعليمية والتربوية الوطنية والمساهمة في التنمية بشكل عام؟ لقد تعددت الاتجاهات واختلفت في إعطاء تعريف موحد للتعلم عن بعد ،ونذكر على سبيل المثال منظمة اليونسكو حيث عرفت التعلم عن على أنه : "عملية تربوية يتم فيها كل أو أغلب التدريس من شخص بعيد في المكان و الزمان عن المتعلم، مع التأكيد على أن اغلب الاتصالات بين المعلمين والمتعلمين تتم من خلال وسيط معين سواء كان إلكترونياً أو مطبوعاً" ونجد أيضاً تعريف الجمعية الأمريكية للتعليم عن بعد بأنه "عملية اكتساب المعارف والمهارات بواسطة وسيط لنقل التعليم والمعلومات متضمن في ذلك جميع أنواع التكنولوجيا وأشكال التعلم المختلفة للتعلم عن بعد”, أو هو :” تلك العملية التعليمية التي يكون فيها الطالب مفصولاً أو بعيدا عن الأستاذ بمسافة جغرافية يتم عادة سدها باستخدام وسائل الاتصال الحديثة.” و ينقسم التعليم عن بعد من حيث النقل الى نوعين : نقل متزامن synchronous delivery حيث يكون الاتصال والتفاعل فى الوقت الحقيقي real time بين المحاضر والطالب . النقل اللامتزامن asynchronous delivery حيث ان المحاضر يقوم بنقل وتوصيل او توفير المادة الدراسية بواسطة الفيديو ، الكمبيوتر او أي وسيلة later time أخرى ويتلقى او يتحصل على المواد فى وقت لاحق. ونخلص من هذه التعاريف الى أن التعلم عن بعد يمتاز بمجموعة من الخصائص : – توفير فرص الدراسة والتعلم المستمر لمن لاتسمح لهم قدراتهم او إمكاناتهم بمواصلة التعلم لأسباب اجتماعية( ذوي الاعاقة…) أو إقتصادية أو موضوعية مثل : الاكتضاض بحجرة الدراسة,أو نقص في الاطر التربوية أو الادارية… -تمكين الطلبة والتلاميذ من الدراسة متى يريدون, فضلا عن تمكينهم من الدراسة والعمل – إعادة الطالب مشاهدة جُزء معين من المحاضرة، وهذا الأمر من الصعب تحقيقه في المحاضرات التقليدية. وإذا كانت العملية التعليمية التعلمية تقوم على ثلاثة أسس إذا كنا بصدد المثلث الديداكتي( مدرس .معرفة .متعلم), أو أربع أسس إذا كنا بصدد الحديث عن المربع الديداكتيكي ( مدرس.معرفة.معلم.tice) في ظل استراتيجيات التعلم الحديثة (المقاربة بالكفايات)فإن جل الانشطة ترتكز وتتمحور حول المتعلم بإعتباره محور العملية التعليمية التعلمية, واعتبار المدرس موجه ومسهل هذه العملية …كما جاء ذلك في مقتضيات الرؤية الاستراتيجية 2015-2030. وبالتالي وطبقا لهذه الاستراتيجية فإن المتعلم يمكنه ان يوظف الوسائل التكنولوجية -كما هو الحال للمدرس – في مواكبة التعلم عن بعد عبر المواقع tilmidetice))والمنصات والمسطحات الالكترونية التي تقدم هذه الخدمة… لكن السؤال الذي يطرح ذاته هو : الى أي حد يمكن القول أن التعلم عن بعد يحقق النجاعة على المستوى التطبيقي خاصة ؟ على مستوى الواقع, ومن خلا ل تجربتنا في هذا المجال فإن تطبيق عملية التعلم عن بعد -المنصات الالكترونية- مع المتعلمين تعتريها مجموعة من المعوقات والاشكالات, والتي تحول دون تحقيق أهدافه ومزاياه, وأذكر منها -على سبيل المثال لا الحصر- : . وجود عددٍ كبير من المعلمين الحاليين غير قادرين على استخدام التقنية الرقميّة بطريقة تمكّنهم من التعامل معها، والتدريس من خلالها، . عدم تقبل المجتمع لهذا النوع من التعليم ، لا سيما التكاليف المادية الباهظة التي يجب على الأسر تحملها (توفير الوسائل التقنية والتواصلية ..) من أجل إنجاح هذا النوع من التعلم . صعوبة تقييم المتعلم وتطوير معاييره في هذا التعليم، حيث أنه لا يتيح المجال للمتعلم لمناقشة إجاباته.وابراز مهاراته وقدراته ,و إنماء قدراته اللفظية. . قد يتسرب الملل الى المتعلم من طول الجلوس امام الاجهزة الالكترونية, بخلاف الفصل الدراسي الذي يبدع فيه المعلم والمتعلم لتمر هذه العملية في جو يسوده التواصل الفعال والحوار البناء . . ضعف التكوين في تقنيات الإعلام والتكنولوجيا الحديثة عند أغلب المتعلمين ولا سيما المدرسين بسبب ندرة الاطر المدرَّبة لتصميم وتطوير وسائل التعليم عن بعد, مما يحول دون تحقيق أهداف هذه العملية . . التدريس بأسلوب التعلم عن بعد يحتاج من المعلم الكثير من الوقت في إعداد المقررات, والتوصيف الدقيق لها , والمواد التفصيلية وكافة الوسائط المساندة التي سيعتمد عليها المتعلم عن بعد ,ويرى البعض أن الوقت المطلوب لا عداد مقرر عن بعد يزيد بحوالي )66%) عن الوقت المطلوب لا عداد مقرر عادي. . غياب القدوة والتأثر بالمعلم في هذا النوع من التعليم, وضعف للعلاقات الاجتماعية لدى المتعلم وبالتالي غياب تام للجانب الانساني. . عملية التعلم داخل الفصل الدراسي يلجأ فيها المدرس إلى تطبيق مجموعة من التقنيات والطرق والبيداغوجيا لتحقيق أهداف التعلم ، بخلاف التعلم عن بعد نجد المتعلم يكتفي بطريقة التلقي ، وهي من الطرق التقليدية الكلاسيكية (خاصة في مراحل التعليم الابتدائي والثانوي بسلكيه). . في التعلم عن بعد عملية التواصل التربوي لا تتحقق بطريقة سليمة ، بخلاف الفصل الدراسي الذي يبدع فيه المدرس والمتعلم لتمر هذه العملية في جو يسوده التواصل الفعال و النقاش الحوار البناء . . جل المتعلمين الذين ينخرطون في هذه العملية من الطبقة الميسورة أو المتوسطة ، في حين نسجل غيابا تاما للمتعلمين الذين ينحدرون من الأحياء الهامشية أو الذين يعيشون أوضاعا مزرية… وهذا يضرب في المبدأ الذي جاءت به الرؤيا الاستراتيجية 2015-2030 الذي يقضي بتحقيق الإنصاف وتكافؤ الفرص بين جميع المتعلمين. وعملية التعلم عن بعد قد تكون ناجعة في المسالك الجامعية التي تعتمد على طرق الإلقاء والمحاضرة -وهي من الطرق البيداغوجية المتجاوزة في العصر الحديث- ، ونظرا لغياب الشروط الموضوعية لتنزيل الطرق والاستراتيجيات الحديثة بالجامعات يلجأ غالبية المدرسين لهذه الطرق التقليدية ، ومن ثم فعملية التدريس عن بعد بالجامعات لها إيجابياتها كتخفيف الاكتظاظ الذي تعج به مدرجات الكليات، وسد النقص الكبير في الهيئات التدريسية ، وكذا التخفيف من ضعف الإمكانيات التي تعاني منها الجامعات المغربية , وإن كانت بعض الجامعات المغربية قامت بتجريب والعمل بهذا التعليم محليا وعلى نطاق محدود ,أو من خلال شراكات دولية, كجامعة ابن زهر بأكادير , والقاضي عياض بمراكش وغيرها…بهدف تطوير دروس تعطى بطريقة التعليم عن بعد بالنسبة للطلبة… كل هذه الاشكالات وغيرها يجعل عملية التعليم عن بعد صعبة والتطبيق التنزيل في ظل الاكراهات والاوضاع الاجتماعية الهشة , الامر الذي يتطلب من المسؤولين عن هذا القطاع العمل على إنجاز ابحاث ودراسات, وعقد ندوات وطنية ودولية للرقي والنهوض بهذا النوع من التعليم عن بعد وتوفير كافة الشروط المتطلبة… والاستفادة من تجارب الدول الرائدة في هذا المجال مثل : امريكا وكندا وابريطانيا, وتوفير الوسائل الديداكتيكية والبيداغوجية للمتعلم فهو حجر الاساس لجميع البرامج الفعالة للتعليم عن بعد ,فهو المقياس الذي يتم على ّأساسه تقويم كل جهد يبذل في هذا الحقل ,و تحقيق مبدأ الإنصاف وتكافؤ الفرص من خلال دعم الأسر الضعيفة حتى تتمكن من مسايرة الفئات الميسورة. -المراجع : -التعليم عن بعد في الوطن العربي و تحديات القرن الحادي و العشرين : رمزى احمد عبد الحي -التعلم عن بعد بين النظرية والتطبيق :لمجوعة من المؤلفين – العلم عن بعد : جلال عيسى *طالب باحث في : ماستر مناهج وطرق التدريس في الدراسات الاسلامية