“التعليم سر الأمان بالنسبة للأمم الصغيرة” “يوهان فيلهلم سلنمان” لا غرو في أن اقتراح نموذج شخصي للتدبير مخاطرة ومغامرة ذلك أن نموذج التدبير يجب أن يستند إلى إطار تصوري وأسس نظرية متينة، والواقع المدرسي يقتضي أستاذا باحثا عن سبل تجويد ممارسته المهنية بصرف النظر عن السياسة التعليمية التي تنتهجها البلاد، مما يعني أن عليه أن يكون خبيرا وموهوبا ومبدعا في تطبيق تلك النماذج النظرية بشكل يلائم المادة المدرسة أولا وقدرات المتعلمين ثانيا، والسؤال الذي يلح هنا هو: ما النموذج التدبيري الفعال الذي يضمن جوا صفيا نشطا ومشجعا؟ بالعودة إلى النماذج الموجودة– نموذج “كانتر” السلوكيي، ونموذج “غوردن” الإنساني (شبه المهيكل)، ونموذج “كلاسر” الإنساني (المهيكل)- نلحظ أنها تستند إلى أسس نظرية دقيقة تحدد دور ومهمة كل من المدرس والمتعلم داخل الفصل و تؤسس العلاقة التفاعلية الرابطة بينهما أو التي يفترض أن تربط بينهما. لكن في منظورنا الشخصي وبالارتكان إلى تجاربنا الشخصية في المجال سواء تجاربنا المعاشة باعتبارنا كنا متعلمين أو تجاربنا المتواضعة داخل رقعة الفصل نرى بأن النموذج الأكثر حضورا هو النموذج السلوكي ويليه النموذج الإنساني (شبه المهيكل) وأخيرا النموذج الإنساني (المهيكل) بشكل نادر ومحتشم، ويرجع هذا الأمر إلى تمثلات أغلب المدرسين المسبقة عن طبيعة المتعلم الذي سيدرسه وإلى نزوعه إلى التسلط وفرض الذات بشكل غريزي، وإلى الشعور بعدم الثقة والتوجس من نظرة الآخر إليه ولسلوكه الفعلي والقولي، و إلى عدم الأخذ بعين الاعتبار طبيعة المادة المدرسة وما تستلزمه، مما يدفع المدرس إلى التحلي بالميكانيكية والآلية في تقديم مادته. نقترح في هذا السياق نموذجا ينبع من رؤيتنا المتواضعة للفعل التعليمي ارتأينا أن نطلق عليه “النموذج الفعال” وهو نموذج ينهض على علاقات تربوية ندرجها وفق الشكل التالي: علاقة المتعلم بالمدرسة: العلاقة بين المتعلم والمدرسة علاقة وظيفية حيث يرتبط النجاح والتحصيل الجيد عادة بتكوين وجهات نظر موجبة تجاه المدرسة (الرضا عنها) والعكس صحيح فالتحصيل الضعيف يرتبط بتكوين تصورات وأفكار سلبية تجاه المدرسة(السخط عليها) ولتعديل وتغيير هذه الأفكار والتصورات لابد من تغيير الجوانب الوجدانية المتحكمة فيها، فالانطلاق من الجانب الوجداني يسهم بشكل كبير في جعل التعلم ذا معنى عند المتعلم . علاقة المدرس بالمتعلم: خلال فترة ما قبل التمدرس يكون المتعلم في علاقة مباشرة ومحدودة مع أسرته ومحيطه لكن ومع ولوج المدرسة تتسع هذه العلاقة وتكبر بناء على مجموعة من العوامل من بينها : الصرامة والرقة وطريقة التدريس أي النموذج الذي يتبناه المدرس في التعامل مع المادة والمتعلم، وتؤثر هذه العوامل على العلاقة بين هاذين القطبين الرئيسيين في العملية التعليمية التعلمية، فإما تتكون لدى المتعلم نظرة إيجابية نحو المدرس أو سلبية لدى يجب على المدرس أتباع أسلوب مرن يأخذ بعين الاعتبار الخصوصيات النفسية والنمائية لمتعلميه، وهو الأمر الذي يفسر تفضيل المتعلم مادة على أخرى بل وتفضيل مدرس على آخر. علاقة المتعلمين فيما بينهم: التفاعل بين المتعلمين مبني أغلبه على علاقة تنافس في التحصيل تتعزز هذه العلاقة بتدخل المدرس الذي يميل بشكل طبيعي للتلاميذ المتفوقين مما يؤجج الصراع بينهم، لكن هذه الطريقة في التعامل مع المتعلمين تقليدية جدا وغير نافعة لأنها تحول جماعة الفصل إلى طبقات حسب تحصيلهم وهو أمر يتنافى مع مهمة المدرسة ودورها وهو “التربية والتعليم” حيث يجب اعتبار كل المتعلمين سواسية لا فرق بينهم بل ويجب على الأستاذ أن يعمل على توطيد علاقة التعاون المعرفي بينهم فكل تلميذ مكمل للآخر مما يسمح ببناء شخصية المتعلم بناء قائما على التسامح والتعاون والتآخي وهو أمر ينعكس على المجتمع ككل. جو حجرة الدرس: يلعب الفضاء المدرسي دورا مهما في تحقيق التعلم فالمدرسة ليست عبارة عن مكان للتعلم بل هي مجتمع مصغر يتفاعل فيه مجموعة من الأعضاء ويؤثر كل واحد منهم في الآخر، ولابد من إعداد هذا الفضاء إعدادا جيدا والاهتمام بأدق تفاصيله نحو ترتيب المقاعد، طلاء الحجرة، الملصقات التي تعكس كنه المادة …الخ طبيعة المادة المدرسة: الانطلاق من طبيعة المادة ومواردها، والعمل على بناء تعلمات المتعلم بطريقة ذكية، مدبرة بكيفية محكمة عن طريق إيجاد نقط تلاق بين المادة (اللغة العربية) والواقع المعيش، يسهم في استيعابها بشكل كبير لأنها تنطلق من ماهو ملموس لا ما هو مجرد. وهي علاقات مبنية في مجملها على ما هو وجداني إنساني قبل أن تكون مبنية على ما هو معرفي فتحصيل المتعلم وعلاقاته التواصلية بين الأشخاص والأماكن مبنية على رغبته ميوله وإرادته في التعلم ويطلع المدرس بدور هام جدا في حفز هذه الإرادة وتشجيع المتعلم والإيمان به وبقدراته وبمساعدته له لتجاوز كل المعيقات التي تحول بينه وبين التعلم. التعلم الوجداني تعلم فعال يحمل معنى ذلك أن المتعلم لا يقبل على التعلم إن لم يكن يمتلك هدفا يحركه وميولا يدفعه قدما. أسس النموذج الفعال: يؤكد على الهدف من التعلم. أن يكون المدرس مبدعا في طرائق تدريسه. أن ينطلق المدرس من وجدان المتعلم عن طريق الحفز والتشجيع لبناء التعلمات. خلق فضاء مناسب للتعليم. التشجيع على التعاون . إشراك الأسرة في التعليم. التأكيد على الكيفية لا الكم. تجنب العقاب، والتشجيع على الحوار والنقاش. التركيز على إذكاء مهارات المتعلم. خلق تلميذ مفكر ومبدع ومستقل معرفيا. اختيار مدرسين مؤهلين يمتلكون شخصية قيادية قادرة على تحمل المسؤولية . التدريس أشبه برسم لوحة أو زراعة حديقة، وعلى المدرس أن يكون رساما ماهرا وفلاحا خبيرا ليتمكن من إبداع لوحة متناسقة الأشكال والألوان، وليتمكن من زراعة مشتل من العقول المبدعة والمثمرة. لذلك فإن نموذجنا يركز على فاعلية المدرس- الباحث- في أداء مهمته النبيلة على أكمل وجه وذلك بمساعدة المتعلم والأسرة والمجتمع أيضا. * باحثة بماستر لسانيات عربية تطبيقة، باحثة في التربية وأستاذة اللغة العربية