تغير كل شيء اليوم…هدوء عام صمت قاتل ورعب داخل، وترقب وتأمل نحو ذات تحاول الخروج من أزمة الوباء… ثم ماذا بعد؟ ماذا بعد الحجر الصحي؟ هل ستتم إعادة نفس اللعبة؟ – كما سماها آلان دونو في كتابه نظام التفاهة..-، لعبة التفاهة واللامبالاة؟ أم سيعاد النظر فيما كان ولا زال مسكوتا عنه؟ لا شك أننا كلنا دون استثناء نطرح هكذا أسئلة بعدما عرت الجائحة الفتاكة حقيقة الوضع المجتمعي وكشفت الستار عن ما تم سحقه والتغاضي عنه، الوضع الذي طالما ظل مسكوتا عنه كلعبة يلعبها الأطراف، ويعرفها الجميع والبديهي لا أحد أو بالأحرى قليل من تسمع صيته في زمن لا يُسمع فيه إلا صوت التفاهة، والخطير في الأمر أن هاته اللعبة لا قواعد ولا قيم لها، للحد الذي يصاب فيه الجسد الاجتماعي بالفساد فيفقد الناس تدريجيا اهتماماتهم بالشأن العام كما عبر عنها الفيلسوف آلان دونو في نظام التفاهة. طالما لعبة التفاهة التي ضربت العديد من المجالات وعديد من المواقع خصوصا والمواقع الاجتماعية لسرعة انتشارها بها ولتواجد العديد من المشاركين فيها، بل والأخطر في ذلك استغلال المسكوت عنه قصد إبراز مجالات لا تصلح لشيء سوى أنها تستنزف عقول الجماهير. وفي نفس الصدد ما طعّمه الفيلسوف الكندي آلان دونو بكون ” التافهين ربحوا الحرب، وسيطرو على عالمنا وباتوا يحكمونه، فالقابلية للتعليب حلت محل التفكير العميق” مابعد الحجر الصحي، ستتغيرالأوضاع خصوصا وتلاحق الأزمات بعدما فضحت وانكشفت وصار كل قطاع يمثل دوره سواء في النقص الكبير على مستوى العديد من القطاعات التي لم تعنى بها كقطاعات تشكل لبنة أساسية في تنمية المجتمع والنهوض بأوضاعه، كالصحة باعتبارها القطاع الأكثر هشاشة في البلاد، لا من حيث النقص الحاصل في عدد الاطباء والاطباء الأكفاء، ولا من حيث البنية التي تستنجد أكثر مما يُستنجد بها ولا من حيث الميزانية المخصصة لها والتي لا تعادل ثمن ميزانية المهرجانات (موازين…)، أما على مستوى قطاع التعليم المتدني الماقبل والمابعد، فكيف لهاذا القطاع أن يتقدم ويعطي أكله والأستاذ باعتباره محرك القطاع هو نفسه من يتعرض للتهميش والحكرة المهنية…ناهيك وعملية التعليم عن بعد غير المتكافئة بين تلميذ وآخر وتكريس العنف الرمزي بين الطبقات الإجتماعية، خصوصا و هشاشة الوضع الاقتصادي للأسر ذات الدخل المحدود…والأخطر من هذا كله متعلق بهشاشة مستوى الوعي لدى فئة عريضة من المجتمع، ولربما تدني الوعي الجمعي والتبعية التي كرست هذا المفهوم المتعلق بالجهل المركب الذي يهمش يهدم كل ما بني لأجله… فالواقع والأحداث من حولنا كلها تشير لنهاية ما كنا نعيشه وإن على المستوى الفردي وبداية لأحداث جديدة منسوجة من وحي نهاية “إما و إما”. إما التخلص من شوائب التفاهة ومن التافهين أنفسهم الذين لا يشعرون بخطر ما ينشرونه ويستعرضونه من تفاهة، وإنهاء ما يضر الصالح العام الذي يهدد دائما بالسقوط في الوسط كما يعبر عنه الكاتب آلان دونو في فصله الرابع الموسوم ب ” إنهاء مايضر الصالح العام”، فرصة الإنهاء تتحقق بفرصة القضاء على نظام التفاهة المتجدرة في النظام الاجتماعي… لان إصدار التفاهة بغية الوصول لما يسمى “بالبوز”، و”الطوندونس” و”التشهير الخالي المحتوى”… التخلص من إنتاج الحضيض في الأشياء والوقائع والإهتمام بالمسكوت عنه بإعادة النظر في نموذجنا التنموي الذي يحتاج لأن يصبح ديناميكيا وقادرا على التأقلم مع كل التحولات التي يعرفها المغرب والعالم ككل. نموذجا يضمن تكافؤ الفرص والتضامن وتحقيق العدالة الاجتماعية والمجالية، وترسيخ الحكامة والشفافية والالتقائية وترسيخ المشاركة المواطنة بتعزز قدرة المواطن وإدماجه في السياسات العمومية وتكوين متطلباته من تشغيل، وصحة، وتعليم… وإما إعادة إنتاج التفاهة التي لم ما فتئت أن انسحبت من حلبة الأزمة التي يعيشها الوطن والعالم ككل، فكيف لمحتوى فارغ أن يفكر ولو لثانية فيما أصبحنا فيه وما سنعيشه؟ مفارقتين بين “الإما” الإيجابية والمستخلصة كدرس علمتنا إياه كورونا، درس القطيعة مع التفاهة ومشتقاتها، و”الإما” السلبية والمرتبطة بنكران الدرس وإعادة إنتاج نفس الخطأ، خطأ “اللامعنى” و”اللامنطق” و”اللاعتبار”… لا طريق أمامنا سوى سبيل “المناهضة” واللاسكوت عن الوضع، وإن تعذرت الظروف نظرا للإكراهات التي يعانيها الإنسان المناضل ضد التفاهة. وهذا لا يعني عدم المجابهة، بل و المجابهة بتغيير المحتوى بنموذج تنموي يشفي غليل الوطن والمواطنة. *خريجة ماستر سوسيولوجيا المجال وقضايا التنمية الجهوية – جامعة ابن طفيل- القنيطرة