تقف البشرية في مواجهة خطر الانقراض، جراء جائحة خرجت عن السيطرة، وتحمل اسم فيروس كورونا، وظهرت لأول مرة، في نهاية العام 2019، في بلد ينتمي إلى الشرق، اسمه الصين. أتابع انهيار نظام عالمي، كان يقف معاندا بكل غرور، بعد أم ظهر في مرحلة ما بعد نهاية ثاني الحروب العالمية، وتأكد بعد انهيار جدار برلين، فلأول مرة، لا يستطيع مجلس الأمن الدولي، نادي الكبار المنتصرين في الحرب، إصدار ولو بيان إدانة ضد فيروس كورونا. فكل دولة منشغلة بتأمين الكمامات وسوائل التعقيم وصناعة أجهزة للتنفس الصناعي، وتقديم الإحصائيات اليومية عن عدد المصابين والوفيات والمتعافين والمستبعدين والمخالطين، ودول عادت لتمارس القرصنة من جديد، إعلانا عن انهيار قيم دبلوماسية عالمية، عمرت لنصف قرن من حساب البشرية، لقد سقطت الأقنعة عن العالم. أسقط فيروس كورونا ثنائية الشمال والجنوب، فالقارة الأوروبية تحولت إلى مركز عالمي للوباء، وحركة الطيران الدولي شبه متوقفة، والبشرية في غالبيتها دخلت بيوتها في حجر صحي جماعي، احترازا من الإصابة بفيروس كورونا. عاشت إيطاليا أسابيع طويلة مريرة، في عزلة تامة، عن أي إغاثة من الاتحاد الأوروبي، فيما لا تزال إسبانيا تعيش يوميات سوداء، دون إغاثة من الجيران الأوروبيين، بينما فرنسا تريد مساعدة إفريقيا وهي تغرق كل يوم أكثر، أنفة الرئيس إيمانويل ماكرون لا تزال صامدة، أو هكذا يبدو. وفي بريطانيا العظمى، انهارت نظرية مناعة القطيع، وعاش رئيس وزراء البلد بوريس جونسون، ساعات عصيبة في العناية الطبية المركزة، بعد أن أصبح مصابا بفيروس كورونا، فيما البريطانيون تابعوا خطابا جديدا ونادرا، من الملكة إليزابيث، أرسلت فيه شحنة من الألم بعد مرور الألم. لم يعد للتضامن الدولي وجود، في زمن فيروس كورونا، في انتظار أن يستيقظ القانون الدولي من غرفة التنفس الصناعي، الأنانية شعار جديد لتحديد العلاقات بين الدول. عادت الحدود التقليدية إلى التواجد، فكل دولة أغلقت حدودها البرية والبحرية والجوية، وعلقت كل شيء إلى أجل غير مسمى، في انتظار جلاء الجائحة، وعودة الحياة إلى طريقها الأول، هذا إذا عادت، بطبيعة الحال، وهذا في علم الغيب. فلا يمكن تنبأ وجه العالم، لما بعد فيروس كورونا، لأن الجائحة في ذروة انتشارها عبر العالم، ولا بارقة أمل بعد في علاج ناجع، يرفع درجة الأمان وسط البشرية، وهنا نقطة الضعف، وتبقى نقطة قوة الإنسانية أنها تاريخيا خرجت من المحن أقوى. ويبقى كوكب الأرض أكبر مستفيد من دخول البشرية في العزل الصحي الجماعي، فجودة الهواء تحسنت، وعادت الحيوانات إلى استرجاع مساحات أكبر على حساب الإنسان، فيما سحب التلوث تتراجع تدريجيا، وعادت قمة جبل الهمالايا إلى الظهور من بعيد؛ وهذه منافع فيروس كورونا على الأرض. ضرب فيروس كورونا الرأسمالية المتوحشة في مقتل، ويقف النظام المالي العالمي على أرض هشة لأول مرة، فأصحاب الثروات لم يعودوا راسمين للقرارات، بل استرجعت الدول صناعة السياسيات، لتعطي الأولوية للقطاع الطبي. وأصبحت البشرية تصفق بحرارة للجيوش البيضاء، من الأطباء والممرضين وكل العاملين في المستشفيات، وكل الذين يساعدون مرضى فيروس كورونا، بينما الجيوش التقليدية، أصبح دورها مراقبة احترام الناس للحجر الصحي الجماعي، أو بناء مستشفيات استعجالية أو توزيع الإعانات التموينية اليومية. ولأول مرة، منذ الحرب العالمية الثانية، يشتغل الطبيب المدني إلى جانب زميله العسكري في الطب، للتخفيف من ألم المصابين بفيروس كورونا. يتسبب فيروس كورونا، في انهيار نظام عالمي قديم، ويدفعنا الفيروس الجائح، بسرعة إلى شيء جديد لم يكتمل تشكله بعد. ستنجو البشرية تأكيدا من طوفان فيروس كورونا، إلا إذا أراد رب الجلالة شيئا آخر، ولكن هل تتعلم البشرية الدرس القاسي، في عدم اللعب بالتوازنات الكبرى؟