حيث أصدرت المحكمة الابتدائية بالقنيطرة بتاريخ 09 أبريل 2020 ملف جنحي عدد 495/2103/2020، حكما قضى بعدم الاختصاص للبت في القضية، مع إحالة مقيم الدعوى العمومية على من له حق النظر. وحيث إن المحكمة مصدرة الحكم عندما اعتبرت أن السرقة أثناء حالة الطوارئ الصحية يعتبر جناية، بما جاءت به من أن ” …ومن جهة ثانية قد ارتكبت – السرقة – أثناء حالة الطوارئ الصحية المعلن عنها من طرف حكومة المملكة بمقتضى المرسوم عدد 2.20.293 تطبيقا للمرسوم بقانون عدد 2.20.292، والناتجة عن التهديد العام لحياة الأشخاص وسلامتهم جراء إنتشار جائحة فيروس كورونا، وهو ما يعد في نظر المحكمة كارثة بمفهوم الفصل 510 أعلاه، وذلك بالنظر لما أحدثه انتشار هذا الفيروس في نفوس المواطنين من هلع واضطراب يعجز معهما عليهم حماية ممتلكاتهم، خصوصا أمام إلزامهم قانونا، وفق المادة الثانية من ذات المرسوم التطبيقي، بمنع مغادرة محال سكناهم إلا في حالة الضرورة القصوى وبشروط ضيقة ومحصورة تحت طائلة العقاب الجنائي…” وحيث إن تعليل المحكمة في الشق المذكور أعلاه جانب الصواب، وذلك للاعتبار التالي: كما هو معلوم أن فعل السرقة هو جنحة طبقا للفصل 505 من القانون الجنائي الناص على أنه ” من اختلس عمدا مالا مملوكا للغير يعد سارقا، ويعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات وغرامة من مائتين إلى خمسمائة درهم “. بيد أن السرقة تعتبر جناية إذا اقترنت بظرف من ظروف التشديد، ومن هذه الظروف ما نص عليها الفصل 510 أنه ” يعاقب على السرقة بالسجن من خمس إلى عشر سنوات إذا اقترنت بواحد من الظروف الآتية : -… – … -… -… – ارتكاب السرقة في أوقات الحريق أو الانفجار أو الانهدام أو الفيضان، أو الغرق أو الثورة أو التمرد أو في أي كارثة أخرى .” والملاحظ أن المشرع عدد مجموعة من الحالات كالحريق والفيضانات …ثم أنهى البند الخامس من الفصل 510 المذكور بعبارة ” أو أية كارثة أخرى “، مما قد يستشف منه للوهلة الأولى أننا بصدد حالات ذكرها المشرع على سبيل المثال، وبالتالي لا ضير من أن تدرج المحكمة حالة شبيهة بالحالات المذكورة، مادام تبين لها ذلك. والحال أن الأمر خلاف ذلك فالقاضي الجنائي له سلطة تقديرية في تفريد العقاب وليس في مسألة التجريم. ذلك أن الأولى أي السلطة التقديرية في تفريد العقاب كما نص عليها الفصل 141 من القانون الجنائي أنه ” للقاضي سلطة تقديرية في تحديد العقوبة وتفريدها في نطاقين الحدين الأدنى والأقصى المقررين في القانون ..” ونحن لا نناقش المحكمة مصدرة الحكم في ذلك، لأنها مكنة تشريعية للقاضي الجنائي جاءت عبر سياق تاريخي معين، يعرفه كل متتبع ودارس للعلوم الجنائية، وبالتالي يمكن للقاضي الجنائي تحديد العقوبة التي يراها مناسبة مراعيا في ذلك خطورة الجريمة من ناحية، وشخصية المجرم من ناحية أخرى. بيد أن مسألة التجريم لا سلطة تقديرية فيها للقاضي الجنائي، فهو محكوم ومقيد وملزم بتطبيق ما يسمى بمبدأ الشرعية أي لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص، والناص عليه المشرع في الفصل الثالث من القانون الجنائي بما جاء به من أن ” لا يسوغ مؤاخذة أحد على فعل لا يعد جريمة بصريح القانون ولا معاقبته بعقوبة لم يقررها القانون ” والملاحظ أن المشرع استعمل في الفصل الثالث أعلاه عبارة ” بصريح القانون ” بمعنى إذا لم يذكر المشرع الفعل بصيغة صريحة وواضحة فلا يمكن اعتباره جريمة. فضلا على أن القاضي الجنائي مقيد بعدم التوسع في تفسير النص الجنائي، وكذلك يمنع عليه القياس. وبالرجوع لنازلة الحال نجد أن المشرع في الفصل 510 ذكر ” أو أية كارثة أخرى ” وليس الأوبئة، فهناك فرق بين الكوارث والأوبئة، ففيروس كورونا يصنف ضمن الأوبئة وليس ضمن الكوارث، وعلى فرض أنه من الكوارث فالقاضي الجنائي ملزم بالتجريم والمعاقبة على الأفعال التي تم النص عليها صراحة ؟ فهل تم النص صراحة على الأوبئة؟ طبعا لا. ومن جهة أخرى فالنص الغامض يفسر لصالح المتهم. ولعل ما يؤكد أن المحكمة مصدرة الحكم استحضرت التفسير الواسع، هو العبارة الواردة في الحكم “..وهو ما يعد في نظر المحكمة كارثة بمفهوم الفصل أعلاه..” والعبارة المذكورة في حد ذاتها يمكن اعتبارها مجانبة لمبدأ الشرعية الجنائية، والأصح هو في نظر القانون. الشيء الذي يكون الحكم معه مجانبا للصواب في هذا الجانب. * محام بالرباط