من منا لا يزال يحلم بقطع البحر الأبيض المتوسط، والعبور نحو الضفة الأخرى، ليحقق حلمه بالتسكع في شوارع باريس، والعيش في شقة تطل على برج إيفل، أو في أخرى بمدريد، لتسهل عليه عملية المواظبة على متابعة لقاءات كلاسيكو كرة القدم بين فريقي “البارصا والريال”، والتقاط صور “السيلفي” من على مدرجات الملاعب، ونشرها على موقع “فايسبوك” للتباهي، عسى أن يراها الأصدقاء والأقرباء الباقون بأرض الوطن؟ من منا لا زال يشتهي وصال أوروبا ومعانقة فردوسها المنشود.. وشراء سيارة مكشوفة بلا سقف.. وقيادتها صيف كل سنة في اتجاه الوطن لقضاء العطلة بضفاف أحد شواطئه الجميلة؟! من منا لازال مستعدا لركوب الموج على متن قارب مجهول الهوية والمغامرة تحت شعار “يا إما ذبحة ولا ربحة”؟! إذا كنت أنت! فمن الأفضل لك أن تستيقظ من حلمك.. وتنظر بعينك إلى الواقع من حولك.. ألا ترى أن مجرد فيروس لعين، استطاع أن يبعثر أحلامك، ويقلب أفكارك، ويغير الكثير من قناعاتك.. ليعود بك إلى منزلك.. إلى ذاك الركن الذي لطالما فكرت في مغادرته.. فأصبح اليوم ملاذك الوحيد ومصدر سلام وأمن لك؟! مجرد فيروس، استطاع أن يحولك من نزق متمرد، إلى شاب بعقلية عجوز، أكبر همه هو أن ينال حسن خاتمة، وموتا سهلا تخرج فيه روحه من جسده بسلاسة كما تخرج الشعرة من العجين.. وأن يدفن في بلاده ليضمن على الأقل أُنس وقرب أهله حينما يزورونه كل جمعة، محملين بالدعاء. ها هو الوباء يعيد ترتيب المشهد، وتلميع المرايا وإزالة الضباب عن صورة عالم يمضي نحو مصيره بارتباك، مواجها ديمقراطية فيروس لا يفرق بين فقير وغني، أو دين وآخر، أو حاكم ومحكوم.. ضرب الولاياتالمتحدةالأمريكية وبوأها المرتبة الأولى في عدد الحالات المصابة بالفيروس.. كما ضرب أفقر الدول.. أفرغ الساحات العمومية والمقاهي والمطاعم والمطارات والملاعب والمناطق السياحية من بني البشر.. بل حتى أولئك الأغنياء الذين كنت تحلم أن تملك جواز سفر مثل جوازات سفرهم، وحسابات بنكية بأموال لا تنفذ كحساباتهم، لم يجدوا حتى فرصة للسفر هربا من الوباء نحو مكان آمن، أو طلبا للعلاج في مستشفى من مستشفيات العالم المعروفة… كورونا.. هذا الوحش المخيف الذي أغلق المدن على بعضها، والدول أمام بعضها، وقطع شرايين العالم.. هذا الوحش الذي صار قريبا من كل واحد منا.. لم يعد خطرا فقط على شاشة التلفاز وعناوين الأخبار ومنشورات وسائل التواصل الإجتماعي، بل بات خطرا ينتظرك على مقبض باب البيت أو مقبض سيارة الأجرة أو لُعابٍ يتطاير من فم صديق ثرثار تصادفه هنا أو هناك ممتلئا بشوقه إليك وبفيروس كورونا! لقد بات كورونا خطرا محدقا بنا جميعا، وباء يترصدنا في كل مكان.. موتا ينتظرنا في كل شيء نلمسه أو نقترب منه.. ونحاربه بالكمامات ومواد التعقيم وكثير من الأمل والصبر. ها هو الجشع الأمريكي، بدروه، يغادر طاولات القمار في لاس فيغاس، مضطرا، نحو المصانع والمختبرات بحثا عن سلاح مضاد لكورونا.. وها هو ترامب يرغم “جنرال موتورز” و”فورد” المتخصصتين في صناعة السيارات، على تخصيص بعض مصانعهما لإنتاج أجهزة التنفس الصناعي، للمساهمة فى مكافحة وباء كورونا فى الولاياتالمتحدة.. ها هي كل الطموحات والرؤى والمشاريع وقد أصبح لها هدف وحيد هو البحث عن طريق للنجاة.. نجاة الجميع. في ظل هذا الوضع المؤذن بأزمات إقتصادية، ومع فشل دول كبرى في محاصرة الوباء لحد الساعة.. تقدم الدولة المغربية نموذجا محترما في طريقة التعامل مع جائحة كورونا، من خلال قيامها بحزمة إجراءات هامة، تهدف إلى التخفيف من الآثار الاقتصادية والاجتماعية لحالة الطوارئ الصحية على المواطنين خاصة الذين هم في وضعية هشة. بالمقابل يبقى الرهان الأكبر لتجاوز الأزمة معقودا على المواطنات والمواطنين، ومدى التزامهم بالإجراءات والتدابير المتخذة لمواجهة هذا الوباء.. خاصة عملية الحجر الصحي بالمنازل. وأنت، أيها الحالم! ألا زلت تحلم بالهجرة إلى الضفة الأخرى للحصول على جنسية دولة أروبية؟