هناك العديد من المواقف التي لم يتجرأ إلياس العماري، الأمين العام المُنصّب في عشرين ثانية على رأس حزب الأصالة والمعاصرة، أن ينطق بها في الندوة الصحفية التي أعقبت مبايعته بالهتافات والتصفيق وبدون منافس ولا إحصاء للأصوات ولا فتح لصناديق زجاجية أو كرتونية، وهي المواقف التي يحملها ولد لفقيه ومن شاكله تجاه الإسلاميين وليقولها بصراحة اتجاه حضور الإسلام في الحياة العامة للمغاربة كذلك. فرضيات كثيرة تلك التي يمكن طرحها حول ما يضمره العماري تجاه نوع من الإسلاميين وحول حضور التدين في الحياة العامة، لكن يمكن الاكتفاء في هذا الصدد بالتي لها مؤشرات ووقائع تسندها. وهي مؤشرات تفضح حقيقة ولادة وطوية ومرامي هذا الحزب الإداري المخزني، وفق السياق المعروف لنشأته سنة 2008. لقد قال العماري وأكد في الندوة التي أعقبت تنصيبه أن "البام" جاء "للمساهمة في مواجهة الإسلاميين ودفاعا عن المسلمين"، ودعا للتفريق بين الأمرين، وأضاف: "المغرب بلد مسلم وليس بلد إسلامي.. نحن ندافع عن الدين وليس عن الفكر الديني.. الدين حاجة ديال المواطنين كلهم.. وقلنا أيام التأسيس إن عدم الفصل بين السياسة والدين سيؤدي لأمور خايبة". أولا: إن الدستور المغربي كمرجعية سامية واضح في تصديره وفصله الأول، حيث تحدث عن أن المملكة المغربية دولة إسلامية، وليس مسلمة أو بلدا مسلما كما قال العماري، بل يضيف الدستور وصفا لمكونات الدولة أن منها "العربية - الإسلامية"، وبعدها قول الدستور بأن الأمة تستند في حياتها العامة على "الدين الإسلامي"، ثم إن الدين الإسلامي يتبوأ الصادرة... إلى غير ذلك من السياقات والعبارات التي لم يرد فيها على الإطلاق مصطلح بلد مسلم كما ادعى ذلك العماري. ثانيا: لقد قال صاحبنا إنه وحزبه يدافع عن الإسلام. وهنا قفز إلى الذهن الحفل الباذخ الذي أقامه إلياس في تلك الليلة الحمراء داخل علبة ليلية بأحد فنادق الرباط، حيث هرق فيها الخمر كما تهرق المياه في الطرقات، فهل هكذا يكون الدفاع عن الإسلام مثلا؟ وعلى قاعدة أي مذهب فقهي؟ كما أن المتتبع لمقترحات "البام" القانونية ومرافعاته البرلمانية لن يجد غير "الكيف" والوقوف ضد عقوبة الإعدام والدفاع عن الحريات الفردية بمعناها الرويسي وذاك حقه وشأنه، فقط نسأل دائما عن ذاك الإسلام الذي قال إلياس إنهم يدافعون عنه. فضلا عن غياب الوازع الأخلاقي لدى الحزب بالمعنى الذي عبر عنه الزميل يونس دافقير في الأحداث المغربية يوما، حيث يجعل هذا الحزب كل شيء مباح في مواجهة خصومه، ولعل انتخابات 2009 وانتخابات 4 شتنبر الأخيرة واتهام إلياس من طرف حميد شباط بتلقي أموال المخدرات وتهم أخرى تهم ذمته المالية من طرف ابن كيران وأفتاتي وآخرون، كلها مشاهد تستحق الوقوف والتأمل والتحليل. الحقيقة أن المعني بالمواجهة هو الإسلام في الحياة الخاصة والعامة على حد سواء، وهذا هو المسكوت عنه في كلام العماري، البداية تكون بفصل الدين عن السياسة، ثم الدفع بخطاب الفصل ما بين الحياة الخاصة والعامة فقط ليغيب الإسلام عنها، فما هو الإسلام الذي سيدافع عنه إلياس المعاصرة؟ هل هو إسلام الطاجين والجلابة بمعناه الخرافي الطقوسي الفارغ من أي فكرة أو مضمون؟ وما هي أطروحة هذا الحزب الذي كلما بدا أنها قريبة التبدي زادت سرابا وغموضا وسرية. ثالثا: إن قول العماري بمواجهة الإسلاميين فيه تذكير وإشارة لنهج استئصالي تجاه مشاركة الإسلاميين ذوي القوة التنظيمية والفكرة الخصبة ونوع من الاستقلالية، وهنا يمكن استحضار دعوات حل حزب العدالة والتنمية، وتهم الزج بالناس في السجون، منها واقعة جامع المعتصم التي لا يتوقف ابن كيران عن التلميح والتصريح بوقوف إلياس العماري وراءها، ومنه يستنتج أن قصد العماري بالمواجهة هو الإسلام الحركي المبادر المزاحم المدافع، والدليل هو السكوت عن باقي مكونات الحقل الإسلامي من جماعات وحركات وزوايا وأحزاب كالنهضة والفضيلة، إما لضعفها أو لانسحابها للهامش أو لزهدها في العمل السياسي بلغة الأحزاب مع الانخراط فيه من زوايا أخرى (واقعة البودشيشيين ودستور فاتح يوليوز نموذجا). كما أن كل التقارير الإعلامية تفسر أن الإسلاميين الذين يقصد العماري مواجهتهم بالعدالة والتنمية، وهي وحدها من ردت وعلقت، أما البقية فهم يعلمون أنهم ضمن مصطلح الإسلاميين غير أن حساباتهم شتى. رابعا: وهذا معطى لا ينبغي أن يغيب، فإن خطاب مواجهة الإسلاميين يقصد به إلياس أيضا "التعبئة بالتحدي"، فمن غير مواجهة الإسلاميين التي هي العدالة والتنمية تحديدا في هذا السياق؟ بماذا في نظركم يمكن أن يعبئ العماري أتباعه؟ هل سيعارض النظام مثلا؟ ومادام "البام" تشكل من مجموعة من المتياسرين، حسب تعبير أفتاتي عبد العزيز وأصحاب الشكارة، فإن المتياسرين سيطربون لخطاب مواجهة خصم يعتبرونه محافظا ورجعيا وظلاميا، فيما لم ينس إلياس الطرف الآخر في الحزب وهم أصحاب الشكارة، حيث أغراهم بتحقيق نتائج جيدة في الانتخابات المقبلة في تلميح واضح للغة المناصب والامتيازات إعمالا للمثل المغربي الدارج "الطماع ما يقضي عليه غي الكذاب". طبعا "البام" لا يعبر فقط المكونين المشار إليهما، بل هو أيضا تعبير عن أجندة ما ليست موضوع الحديث الآن. خامسا: إن خطاب مواجهة الإسلاميين يعني فيما يعنيه أيضا محاولة للتعلق بالدولة وهي التي يبدو حسب بعض المحللين، أنها تريد أخذ مسافة من هذا المخلوق المسمى "البام"، فليس صدفة أن يكرر العماري كلام فؤاد علي الهمة بعد سبع سنوات من تأسيس حركة لكل الديمقراطيين ثم حزب الأصالة والمصارعة كما عبر عن ذلك نجيب الوزاني يوما خطأ، وهو رئيس لفريق حزب الجرار بمجلس النواب، قبل أن ينزل من ظهر "التراكتور" بسبب "سيطرة إلياس العماري عليه"، كما صرح بذلك لجريدة الأسبوع الصحفي بتاريخ 27 فبراير 2014، ولعلها الهفوة التي عبرت وتعبر عن حقيقة "البام" إلى يوم الناس هذا.