التَّنَمُّر، هذه أول مرة في حياتي أكتب هذا المصطلح، ولا زلت والحمد لله لم أتلفظ به بعد. قبل أزيد من عشر سنوات، شاهدت فلما أجنبيا مترجما، وكانت أول مرة أقرأ في الترجمة عبارة تنمر، ولم أفهمها، وظننت أن القصد هو تشبه بالنمر، أو أنه خطأ في الترجمة… ثم مرت الأيام وأعدت مشاهدة الفلم، وبعد تركيز فهمت القصد، أو لنقل فهمت معنى قريبا من المعنى المتداول الآن. فهمت أنه نوع من الظلم والعنف، ولم يرتبط في ذهني أنه ذلك العنف الذي يمارسه الأطفال على بعضهم إلا في الفترة الأخيرة. في كل مرة يتم الحديث عن هذا المصطلح الغريب والنشاز، أحاول البحث عن معناه، فلا أجد له معنى. هو مصطلح عابر إلى العربية، بترجمة غريبة عجيبة، وحتى مجالات تداوله حين البحث عنه بالعربية، تجده بالدرجة الأولى في النصوص القانونية التي تمنعه وتجرمه… وتجده في أدبيات علم النفس وعلم النفس الاجتماعي… خاصة لدى الأطفال، ثم المصدر الثالث الذي يمكنك أن تجد فيه هذا المصطلح، هو مواقع التواصل الاجتماعي. أصبح المصطلح موضة على كل لسان، خاصة في السنة أو السنتين الأخيرتين، التنمر التنمر التنمر… لا أدري بداية، لماذا ربط سلوك عدواني بالنمر، مع أن هناك حيوانات عديدة يمكن ربط نفس السلوك بها وأكثر؟ لا ادري أصلا لماذا ربط سلوك بشري بالحيوانات، وتحميلها انحرافات البشر؟ لا أدري هل حين نشأ هذا المصطلح في أول مرة، تم نحته من اسم النمر أو من صفة من صفاته، ثم تطور وتغير مثلا، أم أن المترجمون هم من اختاروا له هذه الترجمة بعيدا عن المصطلح الأصلي (Bullying بالإنجليزية أو Harcèlement بالفرنسية). ثم لنفترض جدلا أن الناحتون لهذا المصطلح، أو المخترعون له، في بيئة معينة، يرتبط ذلك عندهم بثقافة أو أسطورة أو أحجية أو تمثل… لماذا ينتقل إلينا بنفس الترجمة، مع أنه لايعكس نفس المعنى؟ التنمر في العربية يمكن أن يفهم على أنه تشبه بالنمر، أو لبس قناع للنمر… ثم هو مصطلح جميل لايحمل في طياته تلك الحمولة العنيفة المقصودة، في التعبير عن هذا السلوك العدواني بين الأطفال، فالنمر يمتلك شكلا جميلا وألوانا جذابة، وهو من القطط الكبيرة، الشبيهة بالقطط المنزلية التي اعتدنا عليها… في العربية عشرات المصطلحات التي يمكن أن تعبر عن معنى وحمولة هذا السلوك العنيف، من قبيل التحرش والاحتقار والازدراء والظلم والعدوانية والتسلط والتجبر والاحتقار والإساءة والإيذاء والتخويف والتهديد والترهيب… بل في الدارجة مصطلح جميل ومعبر جدا، هو “الحگرة”… فلماذا التنمر؟ هل لأن الآخرين قالوا التنمر؟ دون أن نعرف لماذا قالوها أصلا؟ وحتى إذا عرفنا، فإن أسباب اختيارهم لاتلزمنا، خاصة أن قاموسنا غني بما يعبر حقيقة عن هذا السلوك؟ لماذا ينتقل مصطلح التنمر لمجالنا التداولي الإعلامي والتعليمي والتربوي؟ إنها الببَّغائية والقِرْدية بكل بساطة. جاري النشر… شكرا على التعليق, سيتم النشر بعد المراجعة خطأ في إرسال التعليق المرجو إعادة المحاولة