اعلم أن خروج حكيم بن شماس للرد على تصريحات عبد اللطيف وهبي يعكس حالة الأحزاب السياسية ودرجة الوعي التي وصلها قادة الأحزاب، بيد أن التفاعل مع هذا السجال، خصوصا بين أبناء حزب الأصالة والمعاصرة، لا يخرج عن وصفه ردة فعل عاطفية لا ترقى للمستوى المطلوب، ذلك أن محاولة الاصطفاف لبعضهم مع أحد القياديين دون الآخر، لم تُظهر لنا الأسباب الموضوعية بقدر ما أظهرت التشبث بالشخص لا بالأفكار. وخلال هذه الكلمة المتواضعة سنحاول تسليط الضوء على بعض الأمور التي يتم إغفالها، إما قصدا أو خوفا وليس جهلا، وإن كان بعض الأفراد لم يدرك بعد الأمر. جاء على لسان عبد اللطيف وهبي، خلال الندوة الصحفية، أن إمارة المؤمنين نوع من الإسلام السياسي، الأمر الذي أثار ردة فعل قوية لاسيما من بعض مناضلي حزب الأصالة والمعاصرة، كان في مقدمتهم الأمين العام للحزب حكيم بنشماس؛ وقد وصف هذه التصريحات بالطائشة وغير المسؤولة لما تحملها من مغالطات صارخة، بل استنكر منطوق الكلام واعتبره قولا قبيحا لا يخدم إلا أولياء وهبي من قوى الإسلام السياسي. قبل البدء في مناقشة ما أثار حفيظة بن شماس ومناصريه، نود التنبيه إلى بعض القضايا الأكثر حساسية والتي ركز عليها وهبي خلال الندوة، حيث أشار إلى استقلالية الحزب في قراراته ومدى ارتباطها بالمخزن، كما شكك في طريقة التسيير المالي للحزب، أي أن مسألة توجيه الحزب من “المخزن” وأيضا الفساد المالي أكثر قضيتين كان على بنشماس وغيره مناقشتها، بل محاولة إزالة الشكوك حولها، لاسيما أن من أصدر الاتهام أحد أبرز قادة الحزب والذي كان محاطا بمجموعة من المناضلين، والذي أقر بما كان يقال في وسائل الاعلام منذ تأسيس الحزب. لكن من ركز على قضية إمارة المؤمنين دون إثارة القضايا الأخرى، دعانا للتساؤل حول مدى جدية الفاعل السياسي في محاربة الفساد المالي والسياسي، بدل محاربة الأفكار السياسية والاجتهادات الفلسفية. للتنبيه فقط، إن مناقشتنا هذه، لا تعني بالضرورة اعتناق أفكار وهبي ولا أفكار بنشماس، لكن بما أن القضية تعني الشأن العام، ارتأينا الادلاء بما نراه يسهم في تصحيح المسار وتجويد الفعل السياسي، بعيدا عن الخطاب الشعبوي الذي ما فتئ كلا الشخصين ينبذانه. إن الحديث عن إمارة المؤمنين واعتبارها ضمن الإسلام السياسي من عدمه، يقتضي تحديد المفهوم والمقصود من المصطلحين؛ إمارة المؤمنين والإسلام السياسي؛ حتى يتسنى لنا جميعا القدرة على تحديد نوع العلاقة بين الإسلام السياسي وإمارة المؤمنين، لكن في هذه المساهمة المتواضعة، سنكتفي فقط ببعض الإشارات، لعل من يهمه الأمر يجدها فرصة للتعميق أكثر. إن النظر في كيفية استعمال مصطلح “الإسلام السياسي” ولا سيما من طرف الشخصيات ذات التوجه العلماني لا يخرج عن مفهوم “استعمال الدين في السياسة”، مع اتهام كل مُعتقِد “باتصال السياسة والدين” توظيف الدين في السياسة للوصول إلى لحكم، كما أنهم لا يتركون وسيلة إلا سلكوها في تشويه من يدعو إلى تطبيق الشريعة بل تسفهيه، لأن السياسة عندهم نجس لا يجب خلطها مع الدين، أو أن الدين يختص بعلاقة المرء بالإله ولا دخل له في الشأن العام. أما مصطلح إمارة المؤمنين فيقصد به عموما الرئاسة التامة المكلفة بمهمات الدين والدنيا، كإقامة الدعوة إلى الله وحفظ البلاد ورعايته وإنصاف المظلومين وأخذ الحقوق وغيرها، ولعل أعلى منصب ديني وسياسي يجمع بين أهم السلطات هو منصب أمير المؤمنين قديما وحديثا. لذلك، فإن إمارة المؤمنين يمتزج خلالها السياسي بالديني ولا يمكن التفريق بينهما، بل مشروعية إمارة المؤمنين تقوم على وصل الدين بالسياسة، وأن محاولة الفصل بينهما، أي اعتماد التوجه العلماني، هو بداية انهيار مشروعيتها. إن من خلق الجدال داخل حزب الأصالة والمعاصرة بخصوص تصنيف إمارة المؤمنين ضمن الإسلام السياسي من عدمه، لا ينكرون توجههم العلماني، وهذا حقهم في الاعتقاد ومن واجبنا جميعا توفير الجو المناسب لعرض نظرتهم، بيد أن الالتجاء إلى الدستور المغربي ونصوصه من أجل مناصرة ما يعتقدون لا يستقيم، ذلك أن الدستور يقر بإسلامية الدولة وبإمارة المؤمنين، التي تقوم على عكس ادعائهم. لكن خلال النظر وتحليل ما جاء على لسان وهبي، يجعلنا نلمس شيئا من المنطق السليم، حيث أشار إلى أن الأحزاب تؤمن من خلال أوراقها بالدين الإسلامي والملكية، وهذه وجهة نظر صائبة لا تحتاج لأي نقاش، بل يجعلها نظرة موافقة لمنطوق الدستور والقوانين الأخرى، ويمكن اعتبارها الحقيقة التي أثارت حفيظة بنشماس إضافة إلى قضية الفساد المالي والسياسي للحزب. أما بشماس وطريقة تقديمه للنصوص الدستورية لا تخلو من التأويل والابتعاد عن المفهوم الأصيل الذي يقره الدستور، ذلك لنصرة توجهه ومحاولة إقحام إمارة المؤمنين لتصفية خصمه السياسي عبد اللطيف وهبي، بل هناك من اعتبرها نوع من الهروب إلى الأمام، لاسيما أن وهبي ركز على مسألة الخيوط والعلاقة التي تربط الحزب بالمخزن والتي تؤثر في قراراته. وفي الختام، إن مثل هذه النقاشات السياسية حتى إن أظهرت بعض الجوانب السلبية، كطريقة محاولة تدبير الخلاف وتأويل النصوص إلى عكس ما ترمي، فإنها فرصة لتأسيس جو سياسي واضح المعالم، حيث تظهر حقيقة الأشخاص والمنظمات، بل تدعونا لخلق نقاش سياسي وطني جاد وتنظيم مناظرات علمية للظفر بإنتاج سياسة عامة وفكر فلسفي يخلوان من التناقضات، ولعل الانتهاء من هذه المرحلة بنجاح، سيساعد على إنتاج نموذج تنموي قوي يوفر العيش الكريم للمواطن ويجعل بلدنا ضمن الدول المتقدمة. اللهم ارزقنا المنطق السياسي السليم والعمل على تنزيله. جاري النشر… شكرا على التعليق, سيتم النشر بعد المراجعة خطأ في إرسال التعليق المرجو إعادة المحاولة