نقد فني هيرمونيطيقي بسيط بعدما كان بُّوزْ فْلو كنائم يكتب، و كأن الأحلام تتحدث عبره بدون منطقية، لا يتحكم في الكلمات بل الكلمات هي التي تتحكم به، و كأن اللاشعور قد تجسد من خلاله، تحول الآن إلى متشرد وسط الواقع، يحكي عن تأثيرات هذا الواقع بتسلسل مفهوم. بوز فلو من خلال كلماته في هذه الأغنية الأخير، يدل على أنه تراجع عن أسلوبه السريالية، و انطلق نحو أسلوب الإنطباعية في السرد، ابتعد عن سِلفادور دالي بجنونه اللامفهوم، و التحم بفَان كُوخ الكئيب، الذي يسرد شعوره بألوان صفراء ناضجة تنتظر تعفنها. لقد مثَّل بوز فلو سابقا في فن الراب المدرسة السيريالية بغرابتها غير المفهومة، حيث كان يسرد كلمات غير مفهومة و غير منطقية، يمكن لأي شخص تأويلها حسب موقعه الإجتماعي و مكانته الثقافية و حياته الشخصية، و قد فتح هذا الأسلوب السيريالي لبوز فلو مجالا لتطوير خيال المستمع و تسريح عقله المنتهي. لكن تراجع بوز فلو إلى الإنطباعية، التي تسرد آثار الواقع في الشعور، و ليس سرد الواقع (الواقعية-كما في الراب السياسي)، يجعلنا نتساءل عن التغيُّر إن كان مهما أم إن كان انتكاسة؟ فالإنطباعية، تُحاول التعبير عن شعور الفنان بعد تعرضه لتأثير ظاهرة أو أكثر، أي التعبير عن الإنطباع الذي تركته الظاهرة في جوفه. و هذا ما نطق به بوز فلو في أغنيته الأخيرة “الأوربوروس”، فأكد أن الواقع إلى حد الآن، قد ترك فيه إنطباعا بأنه يلتهم نفسه ليس إلا، و يمكن إعتبار هذا انطباعا تشاؤميا محصورا بين عبثية ألبير كامو بأسطورة سيزيف و عدمية إميل سيوران بمياهه التي لونها بلون الغرق، و الذي صرح بأن المحظوظ هو الحيوان المنوي الذي لم يصل إلى البويضة. على ما أعتقد، أن الأغنية الأخيرة له، تُعبِّر بشكل كبير، عن تطور فني غريب في شخصية هذا الفنان، و كأنه تحول إلى “نذير شؤوم بآثار الواقع على الإنسان المغربي”، فبوز فلو في هذه الأغنية خلَّط بين الأوتوبيوغرافيا (الحكي عن الذات) و الفينومينولوجيا (وصف الظواهر كما هي)، لرسم لوحة فنية قاتمة و صفراء تستمد شعورها من الواقع، إنه يحكي عن نفسه و كأنه يحكي عن الشخص الذي يستمع إليه، لهذا سيشعر المستمع و كأن الأغنية تنتمي إليه و ليس لأحد، لقد نجح بوز فلو في خلق أغنية تراجيدية تنطلق من الذات و تؤكد ظواهر الواقع بدون أدلة. في الأخير، مادفعني لأكتب هذا المقال هو؛ أولا، القيمة الفنية التي يتميز بها فن الراب كفن شعبي يحتاج إلى إهتمام نقدي هيرمونيطيقي، فبالطبع العقلية الأكاديمية تتغاضى عن أمره و لا تهتم به رغم تأثيره الجمالي و الإنساني في المجتمع، و ذلك لأن العقلية الأكاديمية تحتقر الهوامش. ثانيا؛ يُعتبر “جواد أسرادي” الملقب ب “بوز فلو”، فنانا ناضجا يتعامل مع فن الراب بجدية طفل ناضج، يُبدع ليرتاح، و ليس ليُتاجر. ثالثا، ما يُقدمه جواد أسرادي في فن الراب، يُعتبر قيمة مُضافة، فهو شاعر -كما قلت سابقا- سيريالي، قبل أن يتحول الآن إلى الإنطباعية. أي أنه فنان بالمعنى الكلاسيكي و الفلسفي. إذن، هذا المقال مُجرد نقد فني بسيط، أحاول من خلاله أن أوضح أهمية فن الراب في المجتمع كفن يمزج الجمالية بالأنطولوجيا و الأخلاقيات (الكرامة، العدل، الإنسانية…)، و ليس كما يُراد تصويره على أنه مجرد جزء من التأثيرات الجانبية للمراهقة، أو كطيش شارعي (زنقاوي). جاري النشر… شكرا على التعليق, سيتم النشر بعد المراجعة خطأ في إرسال التعليق المرجو إعادة المحاولة