نظم ماستر سوسيولوجيا المجالات القروية والتنمية بكلية الأداب والعلوم الإنسانية سايس-فاس لقاء علميا مفتوحا، وذلك يوم الجمعة 13 دجنبر 2019م، بتعاون مع مختبر الأبحاث النفسية والإجتماعية بكلية ظهر المهراز، ويندرج هذا اللقاء ضمن سلسلة من الندوات العلمية التي يسهر على تنظيمها الفريق البيداغوجي للماستر بغاية انفتاحهعلى العلوم والمواضيع الأخرى، وكذا ربط جسور التواصل مع الجامعات الأخرى بالمغرب. وفي هذه الأمسية العلميةجاءتنا من جامعة ابن زهر بأكادير، الدكتورة والباحثة كنزة القاسمي، الباحثة في السوسيولوجيا وأنثروبولوجيا العالم الإسلامي، خريجة جامعة بوردو بفرنسا، أستاذة علم الاجتماع بجامعة ابن زهر بأكادير،لها مجموعة من المشاركات والأعمال البحثيةوالعلمية،كما لهامشاركات في عدة مناسبات ومحطات وطنية ودولية. تميزت الندوة بحضور أساتذة وطلبة باحثين في مجال السوسيولوجيا ومجالات علمية أخرى متنوعة.في بداية الندوة استهلالدكتور عبد الرحيم العطري، المنسق البيداغوجي لماستر سوسيولوجيا المجالات القروية والتنمية، كلمتهالإفتتاحية معبرا فيها عن شكره للدكتورة كنزة القاسمي على قبولها دعوة المشاركة في هذه الأمسية العلمية، وبعد ذلك تناول الكلمة الدكتور عبد القادر المحمدي رئيس شعبة علم الاجتماع بكلية الآداب سايس والذي بدوره رحب بالحضور من طلبة وباحثين، كما توجه بالشكر والتقدير للأستاذة المحاضرة على جهودها في سبيل خدمة العلم. بعد ذلك تناولت الكلمة المسيرة للندوة الطالبة والباحثة نادية حرفي، والتي رحبت فيها بجميع الضيوف نيابة عن الطلبة والحضور،ثمبعدها أعطت الكلمة للدكتورة كنزة القاسمي، والتي عبرت عن سعادتها بتلقيالدعوة والمشاركة وتقاسم المعرفة والتساؤل مع الأساتذة والحضور في أحضان كلية سايس. وقد عنونت الدكتورة والباحثة كنزة القاسمي مداخلتها ب “الصور النمطية وإعادة إنتاج التميز المبني على النوع الاجتماعي”، وحاولت أن تركز على معالجة الموضوع وربطه بالسياق المغربي. فبدأت الموضوع بتعريفات مفاهيميةتحاول رفع اللبس السائد عند عامة الناس حول مفهوم “المساواة بين الجنسين” و”مقاربة النوع الاجتماعي” في السياسات العمومية بالمغرب وكذا مفهوم “النوع” في السوسيولوجيا… فعملت على ربط هاته المقاربة المفاهيمية بخصوصيات السياق المغربي، على اعتبار أنالاشكال مطروح بكل المجتمعات، لكن تباين خصوصية السياقات الثقافية هوما يحدد الفرق في التمثلاتو العادات و التقاليد و الممارسات و كذا المقاربات القانونية اتجاه إشكالات النوع الاجتماعي بصفة عامة …. وتؤكد الاستاذة الباحثة على ضرورة تحديد و مراجعة المفاهيم المتبناة في ساحة النضال النسائي المغربي، وهو النضال الذي تعتبره الأستاذة جوهريا و حاملا لمشعل التغيير و التثوير بهذا الوطن، بالرغم من أن رائداته تشكلن الأقلية بهذا الوطن وتعانين في معظم الأحيان من المضايقات و الوصم الاجتماعي… و في هذا الإطار، لاحظنا تأكيد الأستاذة المستمر على انخراطها في مسار السوسيولوجيا المناضلة، لأنها ترى بأن المفروض في المثقف هو الانخراط في قضايا الجماهير لا التعالي عليها، و إلا فإن وجوده لا يستحق الوجود… كما اثارت الدكتورة والباحثة كنزة القاسمي قضية ترديد و تقديس بعض المفاهيم الغربية و عدم انتقادها و إعادة النظر فيها… فردت مثلا على مقولة سيمون ديبوفوار : “لا نولد نساء بل نصبح كذلك” بقولها : “نحن نساء، نولد نساء و لنا الحق في ان نكون كذلك” ، لا نناضل من أجل تغيير خصوصية جنسنا بل نناضل من أجل تغيير المنظومة الشاملة التي ترسخ دونيتنا… كما تطرقت الدكتورة كنزة القاسمي لمقاربة النوع الاجتماعي المتبناةبالسياق الثقافي و السياسي المغربيو اعتبرتها مقاربة إحسانية، وأكدت على أن المطلوب في المساواة هو المساواة في القانون و بموجب القانون من أجل إنصاف النساء في سياق يهيمن فيه الفكر الذكوري بامتياز عبر التمثلات السائدة وآليات التنشئة و مضامين التمدرس و الإعلامو كذا عبر مقاربات التدين الشعبي و الموروث الثقافي الذكوري… وتؤكد الأستاذة على أن سيادة الفكر الذكوري تشمل كل المجتمعات، لكن التباين تحدده خصوصيات السياقات على المستويات الكوسمولوجية و الثيولوجية و كذا على مستوى مسارات اختيارات الدول السياسية والاقتصادية و الثقافية… كما تطرقت الأستاذة لعنوان كتابها المترجم “ما بعد المجتمعات الذكورية”، فذكرت أنها اختارت هذا العنوان المثير للكتاب،و الذي قد يفهم منه انتهاء عهد المجتمعات الذكورية، في حين أن المقصود هو كوننا نعيش اليوم فصلا آخر جديدا من الذكورية، حيث تسود الممارسات و العادات و التمثلات الذكورية في ظل سيادة القوانين و المعاهدات الدولية للمساواة بين الأفراد بالمجتمع. وذكرت في هذا الإطار أن الكتاب هو محاولة تنظيرية سوسيولوجية في النوع الاجتماعي، يسميها إريك ماسي بسوسيولوجيا توافقات النوع الاجتماعي. كما عمدت إلى تقاسم صعوبات الترجمة انطلاقا من تجربتها، والتي اعتبرتها تجربة صعبة احتاجتللصبر والعمل الدؤوب،خاصة في ظل غياب مجهود مؤسساتي يخلق التوافق حول المصطلحات الموازية في سياقنا الثقافي. و في هذا الاطار تطرقت إلى مجموعة من المفاهيم التي أفرزتها عملية الترجمة عندها، نذكر منها ما يلي : أبيسية الحداثة، أبيسية التحديث، أبيسية إعادة التحديث، توافقات النوع و التوافقات المركبة في سياقات التحديث… كما لم تغفل التشديد على أهمية الترجمة و ضرورتهالمد جسور التواصل الثقافي و الانفتاح على الحضارات الأخرى… وتوقفت الباحثة عند مفهوم النوع وخلصت إلى أن النوع الاجتماعي سوسيولوجيا هو علاقات اجتماعية تضفي المعنى على اختلاف الجنس و الجنسانية و تنظم اجتماعيا الاختلاف بين المذكر و المؤنث على اعتبار أن النوع هو علاقات اجتماعية تتمظهر عبرها العلاقات السلطوية… وفي سياق الحديث عن المجتمع المركب ردت الباحثة بأن المجتمع المغربي ليس وحده الذي يتميز بخاصية التركيب بل كل المجتمعات في العالم هي كذلك، و التباين يتأسس على خصوصية المجتمعات التي تحدد مستوى التركيب و لا تنفيه… والنوع الاجتماعي كمفهوم وكقضية لا تتم دراسته بمنأى عن خصوصية السياقات الثقافية و بالتالي مستويات التركيب المجتمعية…على أساس أن كل المجتمعات تتعايش مع أشكالمن التمييز والتفاوت المبني على النوع الاجتماعي. واعتبرت الأستاذة الباحثة بأن التوتر الخاص ب «توافق النوع المركب» بمجتمعنا المغربي هو نتاج للعوامل التالية: – استمرارية حضور وترسخ الموروث الثقافي الشعبي، و الذي تتم شرعنته و ترسيخه عبر الموروث الديني. – استمرار تسويق صور نمطية ترسخ دونية النساء و تشرعن تبخيسهن. – تموقع معظم النساء بمجتمعنا المغربي ضد المساواة المساوية. – اللاعقلانية بالمسارات السوسيو ثقافية والسياسية بمجتمعنا المغربي … – أن مجتمعنا لم يعرف بعد الحداثة كاختيار عقلاني تنويري جريء، يقطع مع كل الموروث الدوغمائي … فأستنتجتبأن توافق النوع المركب بمجتمعنا هو توافق يعكس التوتر و التناقض الحاصلين بين النزوع للحداثة كشكل و كجمالية من أجل مضاهاة الحداثة الغربية و ما بين القيم المترسخة و السائدة.و بالتالي فمجتمعنا بحاجة أولا لمصالحة و مصارحة جريئة و شاملة بين مكوناته، يحدد عبرها اختياراته بكل شجاعة…. أما بالنسبةلآليات إعادة إنتاج التمييز المبني على النوع و ضمان استمراريته بمجتمعنا المغربي، فهي تؤكد بأن هناك ثلاث محددات أساسية لمنتوج التمييز المبني على النوع بمجتمعنا المغربي: أ- المحدد الأول بنيوي: و يتجلى في أن المرتكز الأساس لهيمنة الفكر الذكوري بالمجتمع المغربي هو نظامي، بمعنى ان تجذر الفكر الذكوري تضمنه الاختيارات السياسية و الأيديولوجية و الدينية المتبناة، بل و المتشبث بها بالمغرب منذ القدم، رغم ما يتم ادعاؤهباستمرار من تبني للحداثة أو التحديث، حيث تظل هاته الإدعاءات مجرد أشكال زائفة للخداع، تستهدف مضاهاة الغرب لتجميل الصورة و للحصول على مكتسبات سياسية أو مادية دولية… ب- المحدد الثاني : يتجلى في لعبة التمرير و الترسيخ للصور النمطية الذكورية عبر التنشئة الأسرية و مضامين المقررات الدراسية و كذا عبر مضامين الإعلام الرسمي، إضافة للأعراف و التقاليد التي تصنع تمثلات الحس المشترك عبر رموز مادية و لامادية، كمايضفى طابع القداسة الدينية على هاته التمثلات مما يهدد بالوصم و العار أو الكفر لكل من تسول له نفسه التجرؤ على الخروج عن ما هو سائد… ج- المحدد الثالث : يتجلى في ضمان استمرارية الدوغمائية عبر تضبيع الأجيال وتربيتها على اليقينيات والمطلقات والمسلمات وسلبها منذ الطفولة الأولى كل سبل اكتساب الفكر النقدي التنويري العقلاني، الذي يمكنه وحده أن يكون منطلقا لتقبل التغيير وبنائه. الخلاصة : التمييز المبني على النوع الاجتماعي ببلدنا المغرب، لا يمكن التصدي لتمظهراته المتعددة، (التي تتجلى أول أشكالها في أنواع التعنيف و انواع الهشاشة)، إلا من خلال رؤيا شمولية تأخذ بعين الاعتبار الأبعاد العامة و الجزئية للإشكال و كذا امتداداته التي تشمل بؤس الاجيال و المعاناة الانسانية لأفراد لا ذنب لهم سوى أنهم أبناء هاته المنظومة … واختتمت الدكتورةمحاضرتها بمجموعة من التوصيات، لعل أبرزها ضرورة إرساء أسس المصالحة مع الذات و توسيع مجال الحريات الفردية و إعادة النظر في المؤسسات التي تضمن استمرار و ترسخ الهيمنة الذكورية و قدسيتها… وفي اطار ثقافة الاعتراف، تم تكريم الدكتورة كنزة القاسمي التي تألقت وأبدعت أثناء مقاربتها للموضوع، كما تم توثيق اللحظة بأخد صور تذكارية جماعية.