(تكمن الحقيقة المأساوية في أن شعور الإنسان بكونه ضحية، هو الذي يجعل الفرد بالفعل ضحية، وهو المعوق الأكبر للنفوس، والعقول الصغيرة، إن تلقين الشباب بأن حياتهم تحت السيطرة ليس فقط من خلال أفعالهم، ولكن من خلال القوى الإجتماعية، والإقتصادية، أو من خلال قوى غامضة شريرة تفوق سيطرتهم، يعني تلقينهم السلبية والاستسلام والكسل والخمول واليأس.) – كورد رودفولد – هل نحن معنيون فعلا بأفعال أبنائنا تجاه وضعية تعليمية تعلمية خارج باراديغم القيم وأخلاقيات الحوار الانساني؟ أقول الإنساني لأن الوعي به درجة تحت الصفر، في مدرسة متحللة من كل ما هو إنساني وأخلاقي ! إن حالة الانفصام التي تجري مجرى الدم في عروق مدرستنا هي متاهة في المجهول وصرخة ألم في جسد مسكون بأزمات متلاحقة. وفوق ذلك كله استعداء سيكولوجي متأخر جدا، وقضية موت تحتاج لدفن عاجل! هذه ليست أحكاما معيارية حديثة الانفعال. وليست حالة تلبس تحفظي ناتج عن رغبة في تقويض الشكوك وتعليقها. إنها قناعة متجذرة في أساسات التوتر التي طبعت زمن جيلين على الأقل، اختفت فيه لغة المدرسة، ووعيها السيروري المتاخم للأعراف والتقاليد المترسخة في بنية مجتمعنا المحافظ، بل إن أشكالا جديدة من الضباع الدخيلة بدت وكأنها تنتقم من جسدها المكبوت وتاريخها المأسور بلواقط الهشاشة الاجتماعية والوعي اللا ثقافي . صارت كل المواثيق السابحة في ذرى هذه الوحدة القيمية التي تجسدها لحمة الإحساس بالمواطنة والصدق في العمل والمراهنة على التغيير وخلق فرص التفكير واعتماد تكافؤ الفرص غريبة وعاطلة عن المكاشفة والتكشف. بل إن رمزيتها وحضورها في المخيال الشعبي يكاد يلامس العدمية والحشو الزائد وانتقائية خارجة تماما عن سيطرة الزمن وتحولاته الصارخة. ومن تمظهرات انتشار السلبية والتغافل والنكوص تجاه بيت القراءة والتعلم انفضاض المربين عن أداء مهماتهم المقدسة، وانشغال بعضهم عن ملامسة واقع تردي مستويات إصلاح المنظومة، حتى أضحى الحديث عن واقع الأزمة وامتداداتها أمرا لا تعافه النفس، بل تستسيغه دواعي الصمت ومؤامراته العجيبة الغريبة. لقد افتقدت المدرسة المغربية صوت معلمها وحكمته. وتشعب هذا الفقد الجسيم حتى بلغ منتهاه؛ ولم يعد بالإمكان معالجته أو ترميمه سوى بالهدم الكلي لأركانه وإعادة إحيائه من جديد. جرى حوار بيني وببن فاعل تربوي في مؤسسة تعليمية عمومية. قلت : هل يقتضي الأمر حمل المتمدرسين على التعلم بالعنف، حيث لا قدرة للأستاذ على ضبط الحجرة الدراسية إلا بحمله العصا وتهديده النافذ بخصم النقاط والوعيد بالويل والتبور وعظائم الامور ؟! – قال مجيبا : لقد أفلت الضابط الرابط بين الأستاذ ومتعلميه، ولم يكن من بد سوى تحويط العلاقة من أن تجد نفسها خارج الفعل التربوي .. إننا نكرس هدفية الإخافة والتسويغ عوض الضياع والاستسلام النهائي .. قاطعته : وأين قيم المؤسسة التربوية ( الاحترام والقابلبة وتطويع الملكات الصفية ؟ ) – أجاب صاحبنا : كل ذلك رهين محبسين ( الأسرة وإرادة الإصلاح )؟! قلت مختتما : بل إنها الفاقة التي تقسم رؤيتنا للأشياء، حيث نراها بنصف كأس غير مملوءة .. لو كنا نؤمن بقيمنا ونخلص لها ، لما وصلنا لقاع القاع. نحن فاشلون في تقييمنا للفعل التربوي .. أما ما تبقى من هزائمنا فيأس واجترار وسوء نظر وتقدير .