ما كان ليرجع سؤال هل حميد شباط برلماني بالمغرب؟ لو لا إطلالته الأخيرة من الخارج للتعليق على أحداث وطنية، وهو ما ينطبق على الرئيس السابق لفريق الأصالة والمعاصرة بمجلس المستشارين عبد العزيز بنعزوز، وبرز بإلحاح مع تسجيل ظاهرة غياب البرلمانيين عن حضور أهم قانون يرهن موارد المغرب واستثماراته ويوجه سياسته العامة، ألا وهو مشروع قانون المالية. ويستغرب المتابع للشأن المغربي من حجم الشعارات الرائجة في سوق السياسة من “ربط المسؤولية بالمحاسبة”، و”الأجر مقابل العمل”، و”محاربة ظاهرة التغييب غير المشروع عن العمل”، و”محاربة الريع والفساد”، ولكن عند التمحيص يجد المرء نفسه أمام واقع آخر، ويزداد استغرابا عندما يجد أن هناك مدونة أخلاقية كان قد دعا الملك محمد السادس لإعدادها قصد تنظيم سلوك البرلمانيين دون أن تساهم في تطور الأداء البرلماني. عند الرجوع إلى الأمين العام لحزب الاستقلال السابق وعضو لجنة مراقبة المالية العامة بمجلس النواب حميد شباط نجد أنه في الوقت الذي يتقاضى فيه 30 ألف درهم شهريا من أموال دافعي الضرائب للقيام بمهمة تمثيلية للأمة، يعتذر عن الحضور في كل مرة، بما فيها افتتاح الملك محمد السادس للدورة البرلمانية، وهو ما حير رئاسة مكتب المجلس في الإجراءات الواجب تطبيقها ضده. وأكد مصدر من مكتب المجلس لجريدة “العمق” أن النظام الداخلي لمجلس النواب يكبل يد الرئاسة لاتخاذ إجراءات زجرية إذا تعلق الأمر بتوصلها برسالة اعتذار من أي نائب برلماني، كاشفا عن اعتذاره عن الحضور بمبرر المرض، وهو ما يتعذر معه القيام باختبار لمدى صدق مبرر غيابه، موضحا أن هذا المبرر يسقط منطقيا عند العلم بتنقل الشخص الدائم خارج المغرب في صحة جيدة ما يعني عدم وجود أي مرض مزمن يقتضي الاعتذار بنفس المبرر. وبالعودة إلى وثائق إثبات الحضور في بعض الجلسات واللجان نجد أن حميد شباط يبعث برسالة اعتذار عن الحضور بشكل مستمر، وعند سؤال المصدر عن نوع العذر أكد أن شباط يتذرع بالمرض قصد الغياب، موضحا أنه من المستحيل أن يظل المبرر هو نفسه إلا إذا كان المرض مزمنا، مشيرا إلى أنه في هذه الحالة يجب تقديم استقالته وتعويضه بآخر جديد. وأفاد المصدر ذاته أن مكتب مجلس النواب بصدد بلورة نقاش حول قضية الغياب عن أشغال جلسات المجلس ولجانه قصد تقليص حالات الأعذار في النظام الداخلي للمجلس، مضيفا أن محاربة ظاهرة الغياب الذي ظهرت انعكاساتها على مناقشة نصوص قوانين مهمة منها مشاريع قانون المالية، والقانون الجنائي، والقوانين التنظيمية للأمازيغية وغيرها يتطلب تحينا للنظام الداخلي وسيادة ثقافة جديدة. وجوابا على سؤال: لماذا أدرجت أسماء بعض النواب المداومين على الحضور في لائحة الغياب المنشورة بالجريرة الرسمية للبرلمان دون ظهور اسمه شباط؟ أكد أن العملية معقدة، وأن هناك خلايا تشتغل على وضع القائمة النهائية بعد النظر في الأعذار والتثبت من الحضور، مضيفا أنه يمكن تسجيل نائب في قائمة الغياب بمجرد نسيان الإتيان ببطاقة خاصة بالبرلماني، موضحا أن شباط يعمل باستمرار على إرسال رسائل اعتذار تفاديا لذكر اسمه ضمن الغائبين. واستنادا إلى بحث على الموقع الرسمي لمجلس النواب نجد أن حصيلة البرلماني شباط “صفرية”، إذا كشف البحث على عدم طرح النائب البرلماني لأي سؤال كتابي أو شفوي طيلة فترته الانتدابية، في الوقت الذي طرح فيه رئيس الفريق الاستقلالي نور الدين مضيان 400 سؤالا شفوي و28 سؤالا كتابيا طيلة الولاية التشريعية الممتدة من 2016/2021. ما قيل عن شباط كاد ينطبق في جوانب كثيرة على الرئيس السابق لفريق الأصالة والمعاصرة بمجلس المستشارين وعضو “لجنة المالية والتخطيط والتنمية الاقتصادية” عبد العزيز بنعزوز الذي غادر أرض الوطن بعد عزله من طرف الأمين العام للحزب حكيم بن شماش وانتداب المستشار البرلماني عبد الكريم الهمس رئيسا لفريق الأصالة والمعاصرة بمجلس المستشارين خلفا له. ورغم تمتعه بصفة “ممثل أمة” بمجلس المستشارين إلا أنه قاطع جلسات المجلس ولقاءات اللجان، وقد خرج زميله بالمجلس علي العسري لهاجمته إلى جانب حميد شباط انتصارا لأستاذ تم عزله من الوظيفة، بالقول “في المقابل برلمانيان معروفان تركا مهمتهما التمثيلية، التي اختاراها بمحض إرادتهما”. وزاد “يستفيدان عنها من تعويض شهري منتظم، يساوي ستة أضعاف الأستاذ، دون أن تحرك ضدهما أي مسطرة، أو يتبرأ على الأقل منهما حزباهما، ويعتبرهما خانا من انتخبوهما، مع أن الأول كان أمينا عاما للحزب، والثاني رئيس فريق الحزب، وبقي الرهان على سلطة الشعب لتعاقب المستهتر والمتستر، كما كان سيعاقب المدير لو لم يبلغ بغياب الأستاذ!!”. والغريب من كل ما سبق هو ألا يقوم رؤساء الأحزاب السياسية بالتدخل لتصحيح مثل هذه الأوضاع، وحمل أعضائها على القيام بالمهمات الانتدابية أحسن قيام، ومواجهة ظاهرة الغياب التي لا تخص فقط شباط وبنعزوز وحدهما، وإن ظهرت أنها مزمنة في حالتيهما، بل تنتشر في كل جوانب قبة البرلمان، وأظهرها مناقشة مشروع قانون المالية والتصويت على القانون الإطار المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، والقانون التنظيمي لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية.