خلقت المادة 9 من مشروع قانون المالية 2020 كما صادق عليه مجلس النواب جدلا واسعا بسبب تنصيصها على أن أموال وممتلكات الدولة والجماعات الترابية ومجموعاتها لا تخضع للحجز بسبب الأحكام القضائية. وفي هذا الصدد كشف نبيل شيخي، رئيس فريق العدالة والتنمية بمجلس المستشارين، في تصريح للموقع، عن أسباب اعتبار هاته المادة معيبة وغير دستورية، وذكر بموقف الفريق في إطار الأغلبية بمجلس المستشارين من نفس المقتضيات، التي سبق تضمينها في مشروع قانون المالية لسنة 2018. وأكد شيخي على أن القراءة الموضوعية لهذه المادة لن يستقيم بدون استحضار أهم خصائص القاعدة القانونية باعتبارها قاعدة عامة ومجردة، وهو ما يعني أن المشرع ينبغي أن يأخذ بعين الاعتبار الآثار القانونية المترتبة عن هذه الخطوة، وانعكاساتها على الحقوق الأساسية لجميع المواطنين والمواطنات. كما لفت المتحدث إلى أنه من الحيف وصف المخالفين والمعترضين على المادة 9 بانتمائهم إلى فئة مهنية معينة، وكأن الانتماء إلى هذه الفئة يفترض تواطؤها الجماعي على التدليس أو خدمة مصالح خاصة، علما أن آراء أخرى، لها وجاهتها، لباحثين وحقوقيين صدرت في الموضوع. وشدد شيخي على أن الفصل 75 من الدستور ينص على أن قانون المالية يصدر “بالتصويت من قبل البرلمان، وذلك طبق الشروط المنصوص عليها في قانون تنظيمي، ويحدد هذا القانون طبيعة المعلومات والوثائق والمعطيات الضرورية لتعزيز المناقشة البرلمانية حول مشروع قانون المالية”. واحتراما لهذه القاعدة، يضيف شيخي، يتعين التذكير بمقتضيات المادة 6 من القانون التنظيمي للمالية رقم 130.13 التي تنص على أنه: “لا يمكن أن تتضمن قوانين المالية إلا أحكاما تتعلق بالموارد والتكاليف وتهدف إلى تحسين الشروط المتعلقة بتحصيل المداخيل ومراقبة استعمال الأموال العمومية”. وزاد المتحدث، إلى أنه بالرجوع إلى المادة المذكورة، فإنها ترمي إلى إحداث مسطرة خاصة لتنفيذ الأحكام القضائية وتعرضها للتجزئة حسب ما تسمح به ظروف ميزانية الدولة أو الجماعة. الشيء الذي لا يدخل ضمن الاختصاص الحصري للقانون المالي. وتابع شيخي بأن القضاء الدستوري حسم بمقتضى قرار عدد 08.728 الأمر، حيث سبق للمجلس الدستوري أن عالج علاقة قوانين المالية بالمجالات التشريعية الخارجة عن نطاقها على أساس اعتبار كل المقتضيات الخارجة عن نطاق تحسين الشروط المتعلقة بتحصيل المداخيل المنصوص عليها في المادة 6 من القانون التنظيمي للمالية، تعتبر خارجة عن نطاق اختصاص قانون المالية ( انظر نص القرار في الجريدة الرسمية عدد 5695 مكرر بتاريخ 31/12/2008). واعتبر بذلك أحكاما ضمن المادة 8 من قانون المالية لسنة 2009 (متعلقة بإحداث مسطرة خاصة لتحصيل الغرامات بشأن المخالفات في مجال السير والجولان وتُشرِّع لوسائل جديدة ترمي إلى التثبت من مخالفات السير والجولان) خارجة عن نطاق اختصاص القانون المالي، وقضى بعدم دستوريتها. كم أكد شيخي أن قواعد تنفيذ الأحكام القضائية منصوص عليها في الباب الثالث من القسم التاسع من قانون المسطرة المدنية، والتي تحدد طرق التنفيذ بما فيها كيفيات إيقاف وتأجيل التنفيذ وتقديم الضمانات والكفالات والبت في الصعوبات، وغير ذلك من الإجراءات المتروك تدبيرها لقاضي التنفيذ بواسطة قرارات وأوامر قضائية تسهل وتوفر كل الضمانات للتنفيذ الملائم للأحكام، خصوصا إذا ما توفرت إرادة التنفيذ. وإذا ظهر أن الإجراءات التدبيرية للتنفيذ المنصوص عليها في قانون المسطرة المدنية غير كافية، وهناك حاجة إضافية، يضيف رئيس فريق البيجيدي بالمستشارين، فإن مكانها الطبيعي يظل هو قانون المسطرة المدنية، مع تجنب كل ما من شأنه أن يكون حيفا أو تمييزا في الحقوق بين المتقاضين. وخلص شيخي إلى أن الإشكاليات الواردة في المادة 9 ينبغي العمل على معالجتها في إطار نصوص أخرى، من بينها قانون المسطرة المدنية، خصوصا أن وزير الاقتصاد والمالية السابق محمد بوسعيد اقتنع بعدم صوابية معالجة هذه الإشكالات في إطار قانون المالية 2018 ووعد بتقديم الحكومة لمشروع قانون يتعلق بتعديل المسطرة المدنية في هذا الموضوع، وهو ما لم يتم لحد الآن.