أحب العرب الوحدة العربية لكنهم لم يتفوقوا على كيفية التعبير عن ذلك الحب. وأحبوا جمال عبد الناصر، واختلفوا في حبه، وحتى في المواقف منه. وأحبوا أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وعبد الحليم حافظ، ولم يختلفوا على حبهم. فقد رحل عبد الحليم “العندليب الأسمر”، في نهاية شهر مارس {آذار} سنة 1977، أي منذ 24 عاما، ومازالت أغانيه تحتل المراتب العليا في المبيعات غير الموسمية للمطربين العرب الأحياء والأموات. لم تحتفل أسرة عبد الحليم حافظ بميلاده، ولم تستقبله نساء قرية ” الحلوات ” بالزغاريد، وإنما بالعويل والصراخ، لأن أمه رحلت لحظة مجيئه الى الدنيا، لكن الدنيا، كلها كانت على موعد مع ميلاد ساحر القلوب، العندليب الأسمر”. عاش ” حليم ” أيامه الأولى يرضع من كل سيدات القرية، فقد كانت أخته الكبيرة “علية” تأخذه وتدور به على سيدات القرية اللائي لديهن أطفال رضع وتطلب إليهن إرضاعه، وكانت نساء القرية يشفقن على ذلك الطفل المسكين ويمنحنه حليبهن. تلقى عبد الحليم شبانة دراسته الابتدائية في ملجأ للأيتام، وعندما أتم دراسته في الملجأ، انتقل الى القاهرة ليلتحق بمعهد الموسيقى العربية، وهو في الحادية عشرة من عمره، وأقام مع شقيقه الذي كان يعمل موظفا في وزارة الصحة. والتحق بقسم الأصوات في المعهد، وتقدم لدراسة آلة لم يتقدم لها أحد وهي “الأبوا” وهي من آلات النفخ، مثل الناي الحزين، وأنهى دراسته بمعهد الموسيقى، وتقرر تعيينه مدرسا للموسيقى في وزارة المعارف العمومية وعمره 17 عاما. لكنه فوجئ بأن عليه أن يقوم بالتدريس في ثلاث مدارس للبنات موزعة في طنطا والمحلة وسم نود، وتحمل المشقة والتعب من أجل المرتب الكبير، الذي كان يحصل عليه آنذاك وقدره 17 جنيها. إلا أنه كان يتأخر كثيرا، بسبب تأخر القطار، ما يعرضه للمساءلة والجزاءات. واستدعاه وكيل وزارة المعارف{ التربية والتعليم حاليا }، أحمد نجيب هاشم وسأله عن سبب تأخره عن مواعيد حصصه، فلم يجد عبد الحليم إجابة إلا قوله” لا أدري”، فاعتبرها وكيل الوزارة نوعا من التحدي والإصرار على الخطأ، لأنه لم يحاول أن يعتذر أو يعد بأن يصلح من أخطائه، فقال له:”أنت لا تصلح موظفا وليس أمامي إلا فصلك من العمل”. وكان قرار فصل عبد الحليم من وزارة المعارف بداية القصة الحقيقية وانطلاقه مع العالم الغناء والفن. بداية المشوار كانت البداية عندما دق جرس باب الشقة، وكان عند الباب صديقه وزميله في المعهد، كمال الطويل. جاء ليخبر عبد الحليم بأن الإذاعة بصدد تكوين فرقة موسيقية جديدة، وطلب منه أن يتقدم عازفا في الفرقة. وفرح عبد الحليم بهذا الخبر وأسرع بتقديم أوراقه، وكان هو الوحيد بين خريجي المعهد الذي يجيد العزف على آلة “الأبوا”. ونفعته هذه الميزة، فنجح في الامتحان وتم تعيينه بمرتب خيالي، لم يكن يحلم به وهو 60 جنيها شهريا. لكن الإنسان لا تتوقف أحلامه وطموحاته عند حد. فمع مضي الوقت بدأ عبد الحليم يشعر بأنه لم يحقق حلمه الأكبر. فمكانه الصحيح ليس هو الوقوف خلف المطربين، بل مكانه هو الوقوف أمام العازفين ليكون هو المطرب. وتأخر المطرب إبراهيم حمودة مرة عند موعد تسجيل إحدى أغانيه، وكان عبد الحليم يشارك في عزف لحن هذه الأغنية، ويحفظ اللحن عن ظهر قلب، فذهب الى حافظ عبد الوهاب، سكرتير لجنة الموسيقى والغناء في الإذاعة، والمشرف على تسجيل اللحن، وأخبره بأنه يحفظ اللحن ويستطيع أن يسجله فورا، بدلا من إبراهيم حمودة، الذي تغيب. ولكن الفرصة هذه المرة لم تكن كاملة، فبعد أن سمع حافظ من عبد الحليم، وأعجب بصوته فوجئ بإبراهيم حمودة قد وصل لتسجيل الأغنية. وكانت فكرة التقدم للغناء أيضا من اقتراح كمال الطويل، الذي كان وثقا بقدرة عبد الحليم على ذلك. ودخل عبد الحليم الامتحان، لكنه رسب مرتين متتاليتين. وقالت اللجنة انه يغني مثل الخواجات. وقال المرة الثانية انه صوت جيد لكن ” مافيهوش قفلة”. وكان عبد الحليم في كل مرة يذهل من هذه القرارات الغريبة، التي لم يكن يفهم لها معنى. وحاول حافظ عبد الوهاب إقناع اللجنة لكنه فشل. وهكذا تسببت مجموعة من الملحنين القدامى ومستشار اللجنة مصطفة رضا مستشار الإذاعة الفني، في سقوط عبد الحليم مرتين. وتم تغيير اللجنة وشكلت لجنة جديدة من بين أعضائها محمد عبد الوهاب ” وكوكب الشرق” المطربة أم كلثوم. وتوقف عبد الوهاب طويلا أمام صوت عبد الحليم وأعاد الاستماع لشرائطه أكثر من مرة، وقال بعدها: “هذا صوت جديد، واللحن أيضا جديد “. واعتمدت اللجنة اللحن وقررت إذاعته، فكتب عبد الوهاب موسيقار الأجيال، شهادة ميلاد لعبد الحليم حافظ، وفتح له باب الشهرة والمجد وأعطاه فرصة طالما تمناها، وعوضه عن ظلم اللجنة السابقة، وسرعان ما زف حافظ عبد الوهاب الخبر لعبد الحليم. لكن ثمة مشكلة بسيطة وهي أن عبد الحليم كان له أخ وكان معتمدا في الإذاعة هو إسماعيل شبانه، فخشي عبد الحليم أن يختلط الأمر على المستمعين، فاقترح عليه كمال الطويل أن يصبح اسمه عبد الحليم حافظ. الفشل الأول وبعدها طلب عبد الوهاب مقابلة عبد الحليم حافظ، فذهب إليه عبد الحليم حافظ في مكتبه متوجسا. فقد قابله منذ سنة تقريبا في الإسكندرية ورفض عبد الوهاب الاستماع له، وحاول أن يعطيه بعض النقود ظنا منه أنه جاء بتسول بعض المال كغيره، لكن هذه المرة اختلف الأمر، فعبد الوهاب هو الذي طلب رؤيته، وقال لدى دخول عبد الحليم: ” أظن أنني رأيتك قبل ذلك “. فقال حليم :” نعم رأيتني في الإسكندرية”.وقص عليه ما حدث، فبادر عبد الوهاب الى الاعتذار ثم طلب منه أن يغني، فغنى من الحان الطويل والموجي. ثم طلب منه أن يغني شيئا من أغاني عبد الوهاب فغنى ” جبل التو باد ” فدمعت عينا عبد الوهاب من شدة التأثر والفرح. وأنهى اللقاء على وعد بأن يسجل له أسطوانات مع شركة ” كايروفون “. لكن لم يظهر الأمل الفعلي حتى طرق “المعلم صديق “، أشهر متعهد حفلات، باب عبد الحليم ليعمل معه شهرا في الإسكندرية، بواقع 5 جنيهات عن الليلة الواحدة، فطار عبد الحليم فرحا ووقع العقد وسافر الى الإسكندرية، لقي عبد الحليم من المصطافين ما لم يلقه أي مطرب، سخرية واستهزاء، لضآلة حجمه وصغر سنه،. وكان عبد الحليم قد أعد أغنية “صافيني مرة ” لتكون هدية لهذا الجمهور، ولكن بمجرد صعود عبد الحليم، حتى انطلقت الهتافات ” انزل..انزل”. لكن حليم لم ييأس، وظل 10 أيام يصعد المسرح وظل الجمهور لا يستجيب فرفض تقاضي مبلغ 50 جنيها، وقال للمعلم صديق، انه لا يستحقها، واقترض خمسة جنيهات، لم يسددها فيما بعد، من تحية كاريوكا، ليعود بها وصديقه محمد الموجي من الإسكندرية. لم يكن عبد الحليم يتوقع أن يواجه جمهورا هكذا، فالصورة المرسومة في ذهنه هي صورة الأستاذ محمد عبد الوهاب وجمهوره، وصورة أم كلثوم وجمهورها. وما أن عاد عبد الحليم من الإسكندرية حتى قابله مسئولوا الإذاعة عن سبب غيابه وسفره الى الاسنكدرية دون إذن أو عذر.فشعر عبد الحليم بالاختناق وتذكر أحمد نجيب هاشم وكيل وزارة المعارف، الذي فصله من التدريس، فقدم استقالته من الإذاعة شعار ” أكون أو لا أكون”. عيد الثورة الأول وكان عبد الحليم قابعا في بيته لا يجد عملا ويعيش في قمة اليأس والإحباط، بعد ما حدث له، لكن اتصل به وجيه أباظة مدير الشؤون المعنوية في الجيش، ليخبره بأنه سمع عن صوته الجميل ويسأله ما إذا يوافق على الاشتراك والغناء في حفل عيد الثورة، الذي سيذاع يوم 23 يوليو سنة 1953، بمناسبة الذكرى الأولى لقيام الثورة. وسارع عبد الحليم بالموافقة والترحيب. وطلب منه وجيه أباظة أن يستعد للحفل الذي سيقام في مسرح الأندلس. المسرح الذي أقيم خصيصا للحفل في الحديقة ويتسع لثلاثة آلاف متفرج. وكان حفل الأندلس بالنسبة لعبد الحليم هو الفرصة الأخيرة والحاسمة. فأما أن ينجح ويصعد الى القمة، أو يفشل ويسقط في هاوية النسيان. وقرر “حليم” أن يغني في وقت يسمعه معظم الناس، واختار الموعد بعد نشرة أخبار الحادية عشرة.وتوجه الى”الإمبراطور”يوسف وهبي وطلب أن يعرف موعد صعوده على المسرح، فسخر منه يوسف وهبي، إلا أن عبد الحليم طلب أن يغني عقب نشرة الأخبار وأصر على موقفه، فأحس وهبي بك بموهبته وقدمه بنفسه. وكانت الفرقة الموسيقية المكونة من 150 عازفا قد أخذت أماكنها في مشهد مهيب. وتقدم عبد الحليم ليصدم الجمهور، بضآلة جسمه. لكن الجميع كانوا ينتظرون ذلك المطرب الذي قدمه يوسف وهبي بنفسه. وأعطى عبد الحليم إشارة البدء للفرقة الموسيقية، التي عزفت لحن “صافيني مرة”. انطلق صوته بقوة وصفاء وجمال، صوت استولى على الجمهور الذي ظل صامتا وعبد الحليم كان منطلقا، حتى انتهى من “الكوب ليه” الأول للأغنية، فإذا بالأكف تندفع في تصفيق حاد يعلن مولد نجم جديد عملاق في سماء الفن. وسرعان ما وقع مع عبد الوهاب عقد احتكار ليسجل لعبد لحليم أسطوانات ويقوم بتمثيل فيلمين يعطيه عن كل منهما 400 جنيه. لحن الوفاء كانت بداية عبد الحليم مع العمل السينمائي بداية قوية ومشجعة، فقد أقبل على العمل بكل طاقته وحيويته وبفرحة وحب شديدين، لأنه كان يريد أن يثبت قدميه ويؤكد نجاحه، الذي انتظره وتمناه وسعى إليه طويلا. كأن يحلم، وكانت السينما بالنسبة إليه بداية الطريق الى تحقيق هذا الحلم. لهذا عندما أمسك بالفرصة وبدأ العمل في فيلم ” لحن الوفاء” أخلص في العمل وتفاني فيه حتى لا تضيع الفرصة. ويتبخر الحلم. ثم شارك في بطولة فيلم “أيامنا الحلوة”. مع فاتن حمامة وعمر الشريف وأحمد رمزي. لكن عبد الحليم لم يستمتع حقا بحياته الجديدة، فداهمه المرض، وظهر عليه الإعياء والتعب وبدأت رحلة العذاب متزامنة، تقريبا، مع رحلة المجد والشهرة. عاد عبد الحليم ذات يوم من الأستوديو، وكان يتصور أن ما يحس به مجرد إرهاق. واستدعت له أخته علية، أحد الأطباء، وذلك بعد أن أصيب بنزيف كثيف للدم من فمه. في شكل كتل غير سائلة. وطلب الطبيب من أخت عبد الحليم أن تحكي له عن نشأته والأمراض التي أصيب بها. وتذكرت علية أنه كان قد أصيب بمرض البلهارسيا وهو في العاشرة من عمره من كثرة نزوله الترعة، للاستحمام مع الأطفال الآخرين. وأدرك الطبيب، أن البلهارسيا هي السبب، وأوصاه بالراحة التامة، لكن عبد الحليم تمرد على تعليمات الطبيب، فقد أقبلت الدنيا إليه وفتحت له صدرها ولن يتردد ولن يتراجع، وعاد الى الأستوديو ليكمل ” لحن الوفاء” و” أيامنا الحلوة” وظل متحديا المرض ، الذي كان قد بدأ يهاجمه بشدة، ودخل معه في معركة شرسة. وسافر بعد شهور الى لندن ليعرض نفسه على أطبائها. وعاد الى القاهرة موفور الصحة مع التشديد عليه بعدم الإرهاق أو الإفراط في الطعام. الحب في حياة العندليب رغم أنه كان الفتى الذي ملأ الدنيا حبا، إلا أنه عاش محروما من هذا الحب، فلم تكتمل له قصة حب واحدة. وظل طوال عمره القصير يبحث عمن يقول لها ” أنا لك على طول خليك لي”. وقيل الكثير عن علاقته العاطفية بين نجمة مشهورة وأخرى غير مشهورة. إلا أن قصة في حياة الفتى الأسمر هي التي قال لها ” كان يوم حبك أجمل صدفة ” وكان يحس معها بصوت يتردد في أعماقه يقول: “كفاية نورك عليا”، فعاش يطارد ذكريات وأطيافها الجميلة في كل مكان. فهي القصة التي استولت بطلتها على كيانه كله، رغم أنها لم تعش أكثر من خمس سنوات كانت بدايتها صدفة، في ذات يوم وفي الإسكندرية، وبالتحديد في الطابق الثالث، وفي مصعد إحدى البنايات، دخلت فتاة سمراء نحيلة رائعة الجمال عيناها زرقاوان كحيلتان، يفوق سحرها أي جمال رآه عبد الحليم في حياته، شعرها الأسود كالليل ناعم وطويل، أسرت الشاب عبد الحليم بجمالها الخلاب. أحبها من أول نظرة وأحبته من أول نظرة وكانت الفتاة الجميلة تحضر حفلات “عبد الحليم ” في الإسكندرية وترسل له قصاصات من الورق كتبت عليها ” أرجوك غني صافيني مرة “. ولم يكن حليم يستطيع أن يكلمها لأنها كانت دائما محاطة بالأهل والأصدقاء، فطلب من أصدقائه جميع المعلومات عنها، لأنه أخذ قراره بالزواج بها بعد أن اشتعل لهيب الحب في قلبه، واستشعر بأنها تبادله المشاعر ذاتها من قراءة العبارات المكتوبة في عينيها. لكنه صدم عندما علم أنها متزوجة ولديها ولدان، كان الخبر أكبر من أن يتحمله قلب العندليب الممزق من العذاب. وسالت دموعه على خديه وبكى. لكن من هي هذه الفتاة؟ “ديدي” “ليلى”ابنة أحد أعيان محافظة الشرقية ومن أعرقهم نسبا وأكثرهم ثراء، تزوجت في العشرين من عمرها برجل من أكبر العائلات في مصر، ويعمل في السلك الدبلوماسي. ورغم كل محاولاتها الخلاص من زوجها والارتباط بعبد الحليم إلا أنها لم تستطع أن تفلت من أسر زوجها وأسرتها، حتى فقدت الرغبة في الحياة وماتت. لكن حب عبد الحليم لها لم يمت. سندريلا…والعندليب لم يحدث طوال تاريخ الفن أن انشغل الناس بموضوع مثلما حدث مع قصة العندليب الأسمر وسندريلا الشاشة سعاد حسني، القصة التي انقسم حولها الجميع طوال ما يزيد على 40عاما. فريق يؤكد أنهما تزوجا في مدريد، عام 1964، وفريق آخر يؤكد أنهما لم يتزوجا وأن كل ما قيل مجرد شائعات. وبين هؤلاء وأولئك فريق ثالث، يؤكد أيضا، أن زواجهما حدث فعلا، ولكن كان زواجا عرفيا لا يعلم به إلا عبد الحليم وسعاد وشاهد العقد. وهذا ما أكده الكاتب الصحافي مفيد فوزي، باعتراف سعاد حسني نفسها عندما قابلها في باريس، وقالت له: “حصل زواج عرفي واستمر 6 سنوات”، وأضافت “ان عبد الحليم كان يعتبر أن الزواج يؤثر في حياة الفنان وأنا لم يهمني الإعلان لأنه هو أهم عندي من كل شيء”. كان عبد الحليم يبحث دائما عن الحب ويتشبث به لأنه يعني له الحياة. ودخلت فتيات كثيرات قلب وحياة عبد الحليم وكانت آخرهن فتاة سورية كانت تداوم على زيارته يوميا في المستشفى في باريس. وامتدت معاني الرومانسية عنده لتؤكد أن الرومانسية حالة من الحب تجعل الإنسان يهيم عشقا بأرضه ووطنه، لذا نجده يغني “ابنك يا قدس زي المسيح..لازم يعود”، وكان يدفع حياته ثمنا لهذه الأغنية، التي كانت رسالة حب منه الى وطن جريح في سنوات ما بعد النكسة. ويقال ان المخابرات الإسرائيلية “الموساد” حاولت اغتياله وهو يؤدي هذه الأغنية في قاعة “ألبرت هول” في لندن. كتب كلمات الأغنية عبد الرحمن الأبنودي، ولحنها بليغ حمدي، وغنى العندليب منذ 30 عاما، للقدس الجريح “يا كلمتي لفي ولفي الدنيا طولها وعرضها، وفتحي عيون البشر للي حصل على أرضها، على أرضها طبع المسيح قدميه..على أرضها نزف المسيح ألمه، في القدس في طريق الآلام وفي الخليل رنت تراتيل الكنايس في الخلا صبح الوجود إنجيل…” لم يكن عبد الحليم أقل وطنية من شباب جيله ومعاصريه، وكان صديقا للشعوب العربية والعديد من زعمائها. وغنى ” يا هلي يا هلي”. حليم وعبد الناصر وعلى الصعيد الداخلي استطاع عبد الحليم أن يقيم علاقة صداقة قوية مع الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ويصبح مقربا لقلبه، وبدأت العلاقة باتصال هاتفي من الرئيس ليطمئن على صحة عبد الحليم، ويخبره من خلالها أنه ثروة قومية يجب الحفاظ عليها. ثم أوصاه بأن يتزوج، فقال حليم:” أمرك يا أفندم”، فضحك عبد الناصر وقال:”الزواج ليس بالأمر يا حليم، أنا عوزك تتزوج عشان تلقى واحدة ترعاك”. وهكذا نجد عبد الحليم يتمتع بعلاقة طيبة خارج مصر وداخلها. ترى ما هي علاقته بزملائه الفنانين والمطربين؟ في الوقت الذي بدأ عود عبد الحليم يشتد، إذا بضربة قاضية توجه إليه لمجرد رأي أبداه في أغنية لأم كلثوم قائلا:”هذه الأغنية ليست من مستوى أم كلثوم”. فأعلنت الحرب عليه. وكانت أول ضربة هي منع أغاني حليم من الإذاعة وشطب اسمه من قائمة المطربين. إلا أن عبد الحليم رفض الاعتذار لها حتى ضاقت به الحال، فاضطر للاعتذار وإرضاء أم كلثوم لتعود أغانيه مرة أخرى الى الإذاعة وبكثافة أكثر من ذي قبل. نهاية المشوار بالرغم من كل هذا النجاح وهذه الشهرة لم يستطع عبد الحليم أن ينجو من المرض الفتاك {البلهارسيا}، الذي قضى على كبده تماما. وحملت أمواج الأثير الخبر الصاعق الى كل أرجاء العالم العربي ” توفي اليوم في المستشفى” كينجز كولدج ” في لندن، فنان مصر والشرق، الفنان الشاب المحبوب عبد الحليم حافظ”.