في ندوة حول”الحريات الفردية” تدخل أبو حفص مدليا برايه،فجاء في بعض كلامه القول:إن الفقهاء اختلفوا في مسالة الزواج حول كل شيء،ولم يتفقوا إلا على مسالة واحدة وهي أن الزواج يعني الإيجاب والقبول فقط،أي إذا حصل الإيجاب والقبول من طرف الفتى والفتاة حصل الزواج،ثم عرف الزنا بأنه هو الإيلاج الكامل فحسب،أما ما يتقدمه فلَمَم مَعْفو عنه،ويقتضي فحص آراء أبي حفص رسم أمور: 1.مجرد اختلاف الفقهاء والمفكرين والمثقفين حول مسألة ما لا ينهض حجة لاتباع الطرق السهل بإنكارها وإراحة الذهن من “صداع” التحقيق فيها،ولا لتبني الآراء الشاذة بشأنها. 2.جل العقود يشترط لإمضائها بالإضافة إلى الإيجاب والقبول شروط أخرى،نعم يختلف الفقهاء حول بعضها،ولكن المعروف هو أن كل المدونات الفقهية تنبه على رأي الجمهور ثم تشير إلى المخالفين له، تلك الأغلبية الفقهية لا تصنع بمحض التشهي ولكن تصنع من منطلق خبرة وملكة فقهيتين، بعد اجتهاد في محله ومن أهله،لأن الأمر يتعلق باختصاص صناعي،كما لا يجوز للجهلة التطاول على اختصاصات المهندسين في تشييد العمارات والقناطر،ولا اختصاصات الأطباء في التشريح وتشخيص الأمراض وإلا تحول الأمر إلى فوضى عارمة بدعوى “الحريات الفردية” فتتحطم العمارات على رؤوس الناس،وتجرى العمليات الجراحية في البيوت ومرائب السيارات. 3.عقود التجارة مثلا تنبني على الإيجاب والقبول وعلى شروط أخرى حددتها قوانين الأرض والسماء،نعم يختلف خبراء الاقتصاد حولها،ولكن ثمة رأي للأغلبية أي “للجمهور” كما كان يقول الفقهاء،وإذا نحن اتبعنا سبيل أبي حفص الذي لا يعترف بغير الإيجاب والقبول قلنا : لا حرج في الاتجار في المخدرات ما دام حصل إيجاب وقبول بين البائع والمشتري،ولا حرج في الاتجار بالبشر، ولا .. ولا.. ولا 4.لم يأت السيد ابو حفص بجديد،كل ما في الأمر أنه انتقل من سلفية دينية جامدة ومنغلقة ،كان يتم بمقتضاها “الضحك على بنات الناس” فيستبدل المنغلقون “زوجاتهم” بدعوى “فساد عقيدتهن” ،إلى سلفية “حداثية” أكثر جمودا وانغلاقا،والمشترك بين السلفيتين هو ضياع حقوق المرأة،عندما يتم العدول عن كتابة العقود إلى الاكتفاء بالتعبير الشفوي عن الإيجاب والقبول.ولعمري إنها ّلداعشية فقهية ” متحررة من كل ضوابط فقهية أو أخلاقية،ثمثل انقلابا حتى على منطق الدولة نفسه،ذلك المنطق الذي قننته في المدونة الجديدة للأسرة،وتمثل إحالة على فكر “التكفير والهجرة”. 5.بين التهويل والتهوين ضاعت حكمة ورحمة الشريعة،فالمهولة بدعوى تطبيقها جعلوامنها ترسانة من القانين القمعية ما فيها غير جلد الظهور وقطع الأيدي ومطاردة ّالمتبرجات” في الشارع،والمهونون بضرب من ضروب التسيب في الاجتهاد ،وقلة الفهم والاطلاع جرؤا الكثير من الناس على التحلل من التكاليف الشرعية والعبادية التي تجيب عن أسئلة وجودية ولا علاقة لها بالمماحكات السياسة وحرب المواقع.ولذلك،لطالما كان الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله يحذر من العقليتيو،عقلية المهولين وعقلية المهونين فقال:”تخوفاً مما قد يحدث، وإدراكا لما قد تمليه عقلية متفلتة أو ذهنية طائفية، لا نمل من التأكيد على المبادئ حتى لا تجتاحنا الفوضى .إذا طبقت الشريعة بروح متفتحة واعية بالصعوبات النفسية والموضوعية فلن تُصَدِّر الحكومة قائمة أولوياتها بمطاردة هفوات المذنبين، كما أنها لن تحدد أبداً مواعيد لمناقشة مدى فعالية إلزام النساء بوضع قطعة قماش على رؤوسهن، لأن الحياء والفضيلة -مهما بلغت أهميتهما- ليسا قضية الحكم الإسلامي وحدهُ. فتهذيب الحياة العامة يقتضي تعبئة شاملة سيدعى إليها الرجال والنساء -مُحجَّبات كن أم غير محجَّبات- مع اكتشاف وتشجيع ذوي الاستعدادات الطيبة” الإسلام والحداثة ص 257. 6.إن التفكير تحت الضغوط لا يمكن أن ينتج عنه إلا انطباعات ذوقية وجدانية بعيدة كل البعد عن العلمية والنزاهة والشفافية ،ومقاربة موضوعات فقهية وفكرية بفلاشات إعلامية بينما يقتضي الأمر القيام بتحقيق علمي رصين.ومن أهم الضغوط أن تتحكم بالعقل وتستبد بالتفكير نية خلق الانطباعات الإيجابية عن النفس لدى الآخرين،بغرض الحصول على وسام من درجة “معتدل” وبالتالي السقوط في لغة انهزامية وإرسال الكلام على عواهنه بغية البراءة الكاملة من “المرجعيات الظلامية والرجعية” التي يشن عليها ترامب وأذنابه ونخبته في كل بلد حربا شعواء تحت مسمي محارية الإرهاب،وهي في هذا تلتقي “بداعش” التي ما ذاق بأسها وشرها إلا العرب والمسلمون،وتُغَمِّض الأحوال على المغاربة بإشغالهم عن محاسبة حكامهم وسرقة ثرواتهم وتهريب أموالهم من طرف “اللصوص المتغلبة”.