بعد صراع طويل ومحتدم ما بين العقلية التقدمية والعقلية الرجعية من أجل الاعتراف بكرامة الإنسان واحترام انسانيته، القائمة على احترام مبدأ الاختلاف في الرأي، الثقافة، الدين، العلم، والعلاقات الاجتماعية، فما كان من هذه المبادئ إلا أن تعلن الانتصار الكبير الذي حققه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان نصا ومضمونا، أتاحت الفرصة من خلاله المنظومات والحركات الفكرية السعي إلي حل مسألة الصراع المتعددة التي لم تستطيع العيش معاً على اختلاف توجهاتها ومضامينها. كثير من الناس ممن يتخذون موقفا معينا على اختلاف توجهه سياسيا كان، أم عرفا اجتماعيا، أو قولا فقهيا، ليس لأن هذا الموقف مبني على إرادة شخصية يحكمها العقل والتصرف المنطقي للأمور من قبل ذلك الشخص، ولكن رفضهم يأتي انطلاقا من أن ذلك الشخص المعين يتبنى ذلك الطرح الذي يرمي إلى تغيير الأمور وربط مبدأ المسؤولية بالمحاسبة، فتبدأ سياسة نسج خيوط السيناريوهات البعيدة كل البعد عن الحقيقة لكونه موقف تآمري في فحواه، وقول ضال، والعكس صحيح عندما نريد ربط أفرادا أخرين ممن يسمع رأيهم ويجتمع حولهم الناس، بمعنى أنهم يحبون الزعامة، فكثير من هؤلاء يصارعون أفراداً معارضين لأنهم لا يريدون أن يخسروا أشياعهم وأنصارهم، ويحسبون أن هؤلاء المعارضين يسعون لهدم زعامتهم، فيصنفون فكر المعارض بأنه فكر مدمر، خطير، يحرق العقول، ويمزق الأمة، ويدمر البلاد. هكذا أصبح التعليم يعيش أزهى أيامه وفتراته ابتعد عن القيم، وعن الإنتاج وعن كل ما يمكن أن يسمو به ويتطور. سقط بعضهم في التقليد ومحاكاة الآخرين حتى نسي شخصيته فأصبح كالغراب الذي أراد تقليد مشية الحمامة فتاه وضاع عن مشيته، والبعض الأخر يصارع من أجل فرض ذاته لكنه لا يستطيع أن يخرج من دائرة صراع العروش، فكل شخص يتولى مهمة ما على اختلاف مستواها التعليمي والأكاديمي يرى نفسه أنه الآمر الناهي يفرق هذا ويجمع هذا بهذا سياسة فرق تسد حتى تتسيد أكثر فترة ممكنة، فهذا الأمر ما هو إلا تحصيل حاصل عن حزب اليمين وحزب الشمال والنتيجة ليست في قوة هذا الصراع لأنه مع الأسف لا ينبني على منطق معين، فلو كان هدفه المصلحة العامة والرقي بتعليمنا وابتكار مناهج خلاقة ومبدعة تنافس من كانوا يوما ينهلون من مقرراتنا ومن أساتذتنا منهجا وتطبيقا، فهذا الاختلاف هو سنة كونية فلا يوجد شخصان أو مجموعة أشخاص مهما كان توافقهما يعيشان دون حدوث خلافات في الرأي بينهما؛ يقول الله عز وجل:﴿ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ﴾، لكن الاختلاف الإيجابي المبني على ما هو فكري ثقافي وليس الاختلاف السلبي الذي يضع التلميذ والطالب بين المطرقة والسندان بين تطور الصراعات الشخصية التي توهمهم أنها لمصلحتهم ومن أجلهم، لو كان كذلك لكانت الأمور بخير، لكن أصبحنا في زمن التجمعات والنضالات الفارغة شكلا ومضمونا، وتبني مصطلح ما هو نضالي عن كل عمل شخصي لا يمت للنضال إلا ظلما وبهتانا. كفاكم عبثا داخل مؤسساتكم التعليمية، واشتغلوا بضمير واخلعوا عنكم ثوب الديموقراطية الزائفة في اتخاذ القرارات باسم العدالة وتحقيق المساواة، فنحن نعرف تماما أنها مجرد شعارات اتخذتموها أنتم وآبائكم الأولين لطمس معالم الطمع الترأسي، فمشكلتنا كمجتمعات عربية أننا فهمنا تقلد المناصب والكراسي بمفهوم خاطئ، فالكرسي عندنا هو ما سوف نغتنمه من غنائم على اختلاف مصادرها، محسوبية كانت أو زبونية أو ابتزاز أو استغلال جنسي سياسة البيع والشراء في أرقى منظومة تأمل فيها المجتمعات أن تخرج لنا أجيالا ذات مستوى فكري وثقافي عالي………. لكم لن تخرج إلا الحقد والضغينة وسياسة تقلد المناصب بعشوائية في التسيير، هذه إذن حقيقة مؤسساتنا التعليمية مجزرة مقننة لانتهاك القوانين تحت ذريعة تعارض القوى على اختلاف مستوياتها.