من الجميل اليوم مناقشة أعمال التلفزة المغربية و منسوب التقدم الملحوظ الذي تعيشه، سواء من حيث طبيعة المواضيع أو المقاربات المعتمدة في التحليل و الترتيب و المعالجة و اختيار النهايات المناسبة للجمهور، أو من حيث تقنيات التصوير و الإضاءة و الموسيقى و الأمكنة، و من الجميل أيضا نقل هذا النقاش من ذوي الاختصاص و النقاد، إلى نقاش في الفضاء العام نتقاسم فيه آراءنا و انطباعاتنا و عواطفنا في استبدال الأدوار أو المقاطع أو بعض المشاهد الحزينة، ففي النهاية يظل المتلقي هو حكم النجاح أو الفشل في تقييم جميع الأعمال. مناسبة هذا القول، هو محاولة إعادة ترتيب القنوات المغربية على رأس لائحة المفضلة متفوقة حتى على الفضائيات العالمية و المختصة ببث أفلام هوليوود أو الأخبار و البرامج التحليلية، و طبعا مع وضع القناة الثانية في أسفل الترتيب للأسباب المعروفة لدى العامة، عدا برنامج ” مباشرة معكم ” و البرامج التي تتقاسم نفس الرؤية و الأهداف أو الأكثر جرأة. و مناسبة هذا المقام أن القناة الثانية و تزامنا مع الاحتفال باليوم العالمي للتبرع بالأعضاء الذي يخلده المغرب في 17 أكتوبر من كل سنة، بثت فيلم بعنوان ” قلب كريم ” يحكي عن قصة شاب تعرض لحادث خطير نتج عنه قتل دماغه و خواء جسده من الحياة سوى “قلب كريم” الذي لا زال يبحث عن جسد آخر ينبض داخله ليكمل المشوار بجسدين، بعدما تفاجأت الأسرة أن كريم أمضى قيد حياته على وثيقة التبرع بأعضاءه بعد موته. الملفت في هذا الفيلم ليس هو صعوبة اتخاذ قرار التبرع من عدمه، بل هو قدرة الواقف خلف كاميرات التصوير على مطارحة و مقاربة الموضوع و جرأته في التعاطي مع المآل و النتائج و طبيعة الحياة بعد التبرع، و كأن الأمر لا يحتاج فقط إلى تمهيد الطب النفسي أو إلى تدخل أسري أو إقناع رجل دين بإنارة طريق الجنان و تعبيدها، بل يتعدى ذلك إلى كل هته العوامل مجتمعة و قد لا تكفي لفهم و استيعاب لحظة وفاة مع لحظة حياة ، فكيف إذن تعيش أسرة فارقت أحد أفرادها و تعرف أن جزء من فقيدها لا زال يسير و يعيش و يمكنها سماع دقات النبض في مكان ما. و المثير في هذا الفيلم هو أن أم كريم سمعت خفقات قلب الفقيد داخل جسد شابة استفادت من عملية التبرع و دخلت منزلها و تعرفت على جميع الأسرة، فكان لنهاية دورها أن تستسلم لموت ابنها و تنتهي معاناتها، فكيف إذن ستعيش أسر و أحباب المتبرع والمستفيد من عملية التبرع بعد الموت و بعد الحياة !! قد يحتاج الأمر إلى أكثر من مجرد قرار