أعلن العاهل المغربي في الجمعة الثانية، 11 من أكتوبر 2019، عن بداية مرحلة جديدة في تاريخ المغرب مشيرا إلى أنها تتطلب انخراط الجميع. وذلك في خطابه السامي بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الجديدة. يبدو أن هذا الخطاب الملكي السامي يتضمن محورين أساسيين. المحور الأول: في أجرأة تدبير الشأن العام وقد ذكر فيه العاهل المغربي بأولويات المرحلة الجديدة وفي صدارتها: تنزيل الإصلاحات، ومتابعة القرارات، وتنفيذ المشاريع. وهي أمور من اختصاصات الجهازين: التشريعي والتنفيذي. ولكنها أيضا مسؤولية القطاع الخاص، لا سيما فيما يتعلق بالتمويل، فضلا عن الدور الهام لهيآت المجتمع المدني الجادة. وفي ضوء هذا الخطاب، فإن الحكومة مطالبة بوضع مخططات مضبوطة تضمن التحضير الجيد للمشاريع والبرامج التنموية. وهي مطالبة بالتنفيذ الدقيق والتتبع المستمر، لمختلف القرارات والمشاريع سواء على المستوى الوطني أو الجهوي أو المحلي. وبما أن الإدارة موضوعة تحت تصرفها، فإن عليها أن توظف كل الوسائل لا سيما المعطيات الإحصائية والآليات المتعلقة بالتفتيش والمراقبة، بما يضمن النجاعة في تنفيذ القرارات. أما فيما يتعلق بالبرلمان، فقد ذكر جلالته بأن الدستور منحه صلاحيات واسعة في مجالات التشريع، ومراقبة عمل الحكومة، وتقييم السياسات العمومية. وهو يتحمل مسؤولية السهر على جودة القوانين، والمسؤولية على متابعة ما تقوم به الحكومة في كل ما يخص الشأن العام. المحور الثاني: في الدور المنتظر من القطاع البنكي والمالي إن تنفيذ المشاريع والقرارات رهين بتوفر الموارد الكافية لتمويلها، ولذلك أكد جلالته مرة أخرى على ضرورة الإعداد الجيد لمختلف البرامج والمشاريع وخاصة التمويل، وضرورة انخراط القطاع الخاص في التنمية لأن جهود الدولة لا تكفي وبصفة خاصة القطاع البنكي والمالي الذي يعد حجر الزاوية في كل عمل تنموي. وقد أشار جلالته إلى أن النظام المالي بلغ درجة من التقدم، مكنته من الاستثمار في عدد من الدول الأجنبية وخاصة في افريقيا. وبالرغم من ذلك، فإنه ما يزال يعطي أحيانا انطباعا سلبيا لعدد من الفئات، وكأنه يبحث عن الربح السريع والمضمون. وكمثال على ذلك، صعوبة ولوج المقاولين الشباب للقروض، وضعف مواكبة الخريجين، وإنشاء المقاولات الصغرى والمتوسطة. وأكد جلالته على صعوبة تغيير بعض العقليات البنكية. كما حث القطاع البنكي والمالي على: المزيد من الالتزام والانخراط الإيجابي في دينامية التنمية. ولا سيما تمويل الاستثمار ودعم النشاطات المنتجة والمدرة للدخل والشغل. تبسيط وتسهيل عملية الولوج للقروض. الانفتاح أكثر على أصحاب المقاولات الذاتية، وتمويل الشركات الصغرى والمتوسطة. ودعا جلالته الحكومة وبنك المغرب للتنسيق مع المجموعة المهنية لبنوك المغرب، قصد العمل على وضع برنامج خاص بدعم الخريجين الشباب، وتمويل المشاريع الصغرى للتشغيل الذاتي. وفي إطار تفعيل الدور المنتظر من القطاع البنكي والمالي، سيقوم هذا المخطط الذي سيتابعه جلالة الملك مع الحكومة وكل المنخرطين فيه، على التوجهات التالية: 1- تمكين أكبر عدد من الشباب المؤهل، حاملي المشاريع، من الحصول على قروض بنكية لإطلاق مشاريعهم. 2- دعم المقاولات الصغرى والمتوسطة، العاملة في مجال التصدير وخاصة نحو افريقيا. 3- تسهيل ولوج عموم المواطنين للخدمات البنكية. وقد ذكر جلالته في ختام هذا الخطاب بأن الرواج الاقتصادي يمر عبر تطوير العمليات البنكية. إن قراءة متأنية في ما تقدم وغيره مما جاء في الخطاب الملكي، توحي بأن هذا الخطاب لا ينبه فقط إلى نقائص تدبير الشأن العام ببلدنا وعدم الانخراط الكافي للقطاع البنكي والمالي في عملية التنمية. وإنما يثير الانتباه كذلك إلى استمرار وجود مجموعة من المعوقات البنيوية للتنمية منها: صعوبة تغيير بعض العقليات، واستمرار سيطرة المقاربة القطاعية والذي يعني من بين ما يعنيه عدم القدرة على ممارسة التدبير الجماعي الذي هو جوهر المقاربة التشاركية لتنزيل الإصلاحات ومن أبرزها الجهوية المتقدمة. أجدني ممن يعتقدون أن هذا الخطاب الملكي الذي ينتمي إلى الجيل الأخير من الخطابات المباشرة والحداثية، يجب أن يثير لدى الباحثين الأكاديميين والإعلاميين والمثقفين بمختلف مشاربهم ومرجعياتهم الفكرية، مجموعة من الأسئلة التي قد تكون مزعجة، ولكنها تتطلب أجوبة علمية بعيدة عن المزايدات السياسية، خدمة لوطننا. وفي هذا الصدد، يبدو أن السؤال الجوهري الذي ينبغي طرحه في بداية هذه المرحلة الجديدة والذي ستتفرع عنه أسئلة أخرى هو: إذا كان بلدنا يتوفر على ترسانة قانونية مهمة تؤسس لدولة القانون، فما الذي ليس على ما يرام؟ وهو سؤال جوهري في النموذج الطبي (Qu'est ce qui ne va pas ?). وبالتالي طرح الأسئلة الفرعية من قبيل: هل يمتلك خريجو الجامعات مثلا، عقلية المقاولة؟ ما هي الضمانات الفعلية للقروض التي ستمنحها الأبناك لأصحاب مشاريع التشغيل الذاتي؟ من سيشرف على دراسة ملفات القروض التي سيتقدم بها خريجو الجامعات لضمان النزاهة والموضوعية؟ هل المشكلة في منظومتنا التعليمية؟ هل المشكلة في التنشئة السياسية؟ هل المشكلة في تدني منظومة القيم بمجتمعنا؟ كيف يمكننا أن نعيد شبابنا إلى السكة الصحيحة في زمن العولمة الجارفة؟ إن قوتنا اليوم، تتجلى في ثوابتنا التاريخية التي ينص عليها دستور المملكة. ولذلك فلنبدأ المرحلة الجديدة بالعمل على الواجهات الثلاث التالية، حتى نتفادى المزيد من هدر الزمن المغربي: التنزيل الفعلي للإصلاحات، وأبرزها الجهوية المتقدمة. والدعم المادي والمعنوي الملموسين للبحث العلمي. وحرية الصحافة والإعلام.