قد تحمل هذه الأسطرمن الذاتية ما تحمله، لكنها في نهاية المطاف تعبر عن رأي شخصي يعكس -بشكل او بآخر- جردا لواقعنا، وبنيته الثقافية والقيمية الغارقة في تمثلاثٍ حول مواضيع، ظلت لأزمنة مفهومةً فهما مغلوطا، وفئات مجتمعية، ظلت بدورها، ولزمن ليس باليسير، تعاني الحيف والتقزيم والاستخفاف بمردودها ودورها. إن الصورة التي يحملها الأفراد عن المرأة، برغم طابعها الفردي، تعبر عن ثقافة اجتماعية سائدة ترسخت في الذاكرة الجماعية المغربية منذ أجيال، ويُعاد إنتاجها عبر وسائل وقنوات مختلفة، خاضعة لمنطق الهيمنة الذكورية على حد تعبير بيير بورديو، حيث يرى أن “بنيات الهيمنة هي نتاج لعملية إعادة الإنتاج بشكل لا يتوقف، يساهم فيها مختلف الفاعلين: الرجال (بأسلحة كالعنف الجسماني والرمزي) والنساء اللواتي هن ضحايا لاواعيات بتعودهن (leurs habitus) والمؤسسات: الأسرة،…المدرسة والدولة”. نبذة تاريخية لقد عرفت الأسرة المغربية تطورات جدرية منذ عهد الاستقلال إلى يومنا هذا، نتيجة تدخل عوامل كثيرة منها: ولوج الفتيات إلى المدرسة، تحديث الاقتصاد، وخروج النساء إلى ميدان العمل. بالنسبة لتعليم الفتيات-الذي بدأ يتوسع منذ بداية القرن 20- فقد ساهم في الثورة على أوضاع المرأة داخل الأسرة القديمة لأنه أيقظ وعيها بذاتها وبوجودها، كما أنه ساعدها على ولوج عالم الأدب والكتابة، ونذكر على سبيل المثال لا الحصر: فاطمة المرنيسي، ورواية "الحريم السياسي" 1987 و "نساء على أجنحة الحلم” 1997 ، ورشيدة اليعقوبي بكتابها “حياتي، صرختي” الصادر عام1995. أما بالنسبة لتحديث الاقتصاد فقد بدأ هو الآخر في بداية القرن 20 بالتحول من اقتصاد زراعي ورعوي بسيط، إلى اقتصاد ذو مظهر رأسمالي، الشيء الذي أثر بشكل قوي على الحياة الاجتماعية، نظرا لعدم قدرة الرجل على التكيف مع الحياة الاقتصادية الجديدة، ما أدى إلى تدني دوره الاقتصادي والاجتماعي معا، وانعكس ذلك سلبا على العلاقات داخل الأسرة، إذ بدأت تنجلي العلاقات القديمة، القائمة على الطاعة والتبعية، وحلت محلها علاقات التمرد والاستقلالية . بالإضافة إلى ذلك، وفي الفترة التاريخية نفسها، لعب إقبال النساء على المجال المهني والحرفي، دورا أساسيا في تحريرهن وانعتاقهن من حياة التبعية والخنوع، حيث أدى إلى استقلال المرأة اقتصاديا ووفر لها موردا للعيش، فخلصها من الحاجة إلى الآخر (ماديا)، الشيء الذي أدى إلى زعزعة سلطة الرجل وإعادة توزيع الأدوار داخل الأسرة. لقد شهد تاريخ المغرب نسقا قانونيا مزدوجا: العرف والشرع، إذ اظهرت الأعراف مرونة كبيرة منذ مجيء الإسلام إلى المغرب، فقد لحقتها تغيرات عديدة نتيجة التأثر بأحكام الشرع ومقتضياته في كثير من المسائل، وبالرغم من النقاش الذي أثاره التشبث بالموروث ومخالفته للشرع، كمنع النساء من الإرث مثلا، من نقاش لدى الفقهاء الذين مالوا في غالبيتهم إلى الاعتراض عما يخرج عن الدين، فإن آخرين وجدوا فيها تحقيقا لمصلحة عادات الناس واستجابة لمتطلباتهم وتقاليدهم المحلية، وحثوا ولاتهم على احترامها والعمل بها . صورة المراة في الأمثال الشعبية إن النهوض بالمرأة لا يمكن أن يتحقق في الحاضر مالم نرصد واقعها في الماضي، هذا الواقع الذي يترك رواسبا تتخذ أشكالا متعددة يصعب الانسلاخ عنها. وتعتبر الأمثال الشعبية إرثا مهما يعكس عادات الشعوب وتقاليدها وقيمها وأفكارها، وتلخص ثقافة وتاريخ المجتمعات. صورة المرأة في الأمثال الشعبية المغربية، عانت من التعتيم والحيف، والاستخفاف بمردودها، في الأسرة والمجتمع ككل، فليس لها رأي ولا قرار، وفي أحسن الحالات “شاورها وماديرش برايها”، صوّرتها بعض الأمثال على أنها مذمومة سيئة الأخلاق: “ديرها ف الرجال و نساها وديرها ف النسا و تسناها” ومن كلام عبد الرحمان المجدوب “سوق النسا سوق مطيار يا الداخلو رد بالك، يوريك من الربح قنطار ويرزيك فراس مالك”، وغيرها من الأمثال كثير، حيث أشاعت صورة مغلوطة وسيئة عن المرأة، ساهمت في التنشئة الاجتماعية لأجيال وأجيال. المرأة والسياسة شاعت منذ فترات تاريخية بعيدة تصورات تقسم الأدوار بين الجنسين داخل المجتمع، أناطت دور الإنجاب والأمومة وشؤون البيت بالمرأة، بينما أسندت للرجل كل ما يتعلق بتسيير الشؤون العامة والأمور المتعلقة بالسلطة، فاعتبرت الوظائف الخاصة بالنساء وظائف طبيعية أي ممارسات غير سياسية، وظلت الهيمنة الذكورية مسيطرة على عالم السياسة لأن النساء إلى حدود النصف الأول من القرن العشرين لم يلعبن دور المنافس. غياب المرأة عن مراكز القرار، مدعَّم بتصورات وتمثلات رمزية ثقافية عن علاقتها بالسياسة، ففي المنظور السوسيوثقافي، تمثل المرأة صورة الأنثى الحاملة لمواصفات الأنوثة والأمومة، والعاطفة، وبالتالي فدورها –حسب هذه التمثلات- لا يمكنه أن يتجاوز التربية و'الشقا' في الدار. إن ما سبق ذكره، لا يمكن نكرانه ويشرح شبه غياب المرأة اليوم عن مراكز القرار، دون إغفال ما حققته في مختلف المستويات والقطاعات. وقد نسجل في السياق نفسه، تراجع الحضور العددي للنساء في النسخة الثانية من حكومة العثماني، من ثمان وزيرات إلى أربعة. مبادرة حسنة في عيد المرأة المغربية يصادف 10 أكتوبر من كل عام، اليوم الوطني للمرأة المغربية، وهو مناسبة للفاعلات الحقوقيات والحركة النسائية لإعادة رفع شعار المساواة، وضرورة الاعتراف بدور المرأة في التنمية الاقتصادية للأسرة، والمجتمع ككل. ومن المبادرات التي تم إطلاقها بالدارالبيضاء، حملة اختارت كشعار لها: “شقا الدار ماشي حكرة”، فتقاسم مهام البيت أصبح ضرورة-في نظرنا- لما تبذله النساء من مجودات في شؤون المنزل من تنظيف وطبخ وتربية وغيرها من الأمور التي يتم تجاهلها من قبل الرجل (الزوج)، سيما عندما تعمل المرأة خارج المنزل، فتكون مجبرة للقيام بأعمال أخرى داخله دون مقابل ودونما أدنى اعتراف، لا من الشريك ولا من المجتمع، الذي يُقزم دورها ويعتبر “شقاءها” في المنزل إجبارا، وخارجه اختيارا، لدى عليها أن تتحمل مسؤوليتها، علما أن نسبة النساء المعيلات لأسرهن ترتفع يوما بعد يوم، وخصوصا منهن المتزوجات. لهذا- وهو مطلب الحقوقيين منذ زمن- وحفاظا على صحة ومستقبل المرأة التي تعتبر نصف المجتمع، والتي قد تخرج خاوية الوفاض من أسرتها بعد حدوث نزاع او طلاق، يجب إعادة النظر في الفصل 49 من مدونة الأسرة التي ينص: “لكل واحد من الزوجين ذمة مالية مستقلة عن ذمة الآخر، غير أنه يجوز لهما في إطار تدبير الأموال التي ستكتسب أثناء قيام الزوجية، الاتفاق على استثمارها وتوزيعها. يضمن هذا الاتفاق في وثيقة مستقلة عن عقد الزواج. يقوم العدلان بإشعار الطرفين عند زواجهما بالأحكام السالفة الذكر. إذا لم يكن هناك اتفاق فيرجع للقواعد العامة للإثبات، مع مراعاة عمل كل واحد من الزوجين وما قدمه من مجهودات وما تحمله من أعباء لتنمية أموال الأسرة.” فرغم تنصيص المادة 49 في فقرتها الثانية على أنه “يضمن هذا الاتفاق في وثيقة مستقلة عن عقد الزواج”، إلا أنه هناك غياب –وفق المتابعين للشأن الحقوقي- لمطبوع الوثيقة المشار إليها في النص، وكذا غياب إلزام العدول بالإشعار بفحوى النص إلا في حالات استثنائية ونادرة. مصادر ومراجع: Pierre Bourdieu, La domination masculine. Amiti Khadija, Images de femmes, regards de société. مواقع * أحمد شرقي، كاتب وطالب باحث