يتأكد يوميا من خلال ما يرشح ويتسرب وما يصرح به هنا وهناك حول مسار تفعيل و تنزيل دعوة الملك الدستورية جدا لرئيس الحكومة لإجراء تعديل حكومي، يتأكد بما يدعو إلى كثير من الإحباط بأن الفهم الذي ألبس و أعطي لخطاب العرش الأخير (29يوليوز2019) لم يتعد النظر إلى البعد التقنوي، العددي الإجرائي وليس الوظيفي للخطاب الملكي. لقد طغى هذا المنحى (الرقمي بالخصوص) على ما عداه من أبعاد. وتم اختزال الأمر كله في : شكون غيطير وشكون غيبقى؟، شحال عند هذا الحزب من وزير و شحال غيبقالو من بعد التعديل؟ التقليص هو الحل السحري الأقصى لنجاح التعديل. كتاب الدولة.. حيط قصير، واش نقلصو عدد الحقائب أو حتى عدد الأحزاب؟. بل ونسب لرئيس الحكومة بأنه قال بأن التعديل المأمول والمطلوب يعني بأن الثلث سيطير ، مردفا بأن هذا يعني بأن كل حزب في الائتلاف الحكومي سيفقد ثلث مقاعده على وزن قوله المأثور “افتح الروبيني يهبط الما”. هذا الاختصار والاختزال الكبير لمضامين خطاب العرش نتجت عنه حالة أخرى من التهافت وكأن الملك أطلق طلب عروض appel d'offres لبروفايلات بدون اختيارات و لا برامج و سياسات. ولأن المصائب لا تأتي فرادى، فقد انضاف لما سبق، أن أحزابا بعينها وعلى رأسها حزب رئيس الحكومة عادت إلى منطق أولوية الحزب على البلاد والعباد، وأعادت تدوير أسطوانة “القرار الأول و الأخير بيد الأجهزة التقريرية للحزب”، وكأننا أمام حزب أغلبي حقيقي يشكل الحكومة لوحده و أمر التعديل لا يعنيه إلا هو. فيما الحقيقة الإنتخابية تقول بأن حزب العدالة والتنمية ليس له أكثر من مليون و نصف مليون صوت، وهي نسبة ضئيلة جدا بالنظر للهيئة الناخبة الوطنية( أكثر من عشرين مليون)، وهي نسبة كانت بعيدة جدا عن تمكينه من تشكيل الحكومة لوحده، علما بأنه حتى لو كانت له أغلبية مطلقة فإن عملية تشكيل الحكومة لا تخضع للمزاج الحزبي فقط، وبالتالي فإن عدم شفاء الإخوان في العدالة والتنمية من هكذا داء الاستعلاء والاستقواء قد يدخل البلاد في حالة تشويه و تعطيل للتعديل على الدولة أن تتحمل إزاءه المسؤولية بما هو متاح لها من خيارات دستورية بأحكام الفصل 42 من الدستور. ولأن سوء الفهم و التقدير هذا قد يفرغ خطاب العرش من قوته المستقبلية، ولأن مسألة التعديل لم تكن جوهره الأساس بل جاءت معطوفة على تشخيص جريئ ودقيق كان عنوانه الكبير عزم المغرب على دخول “مرحلةجديدة” (وردت هذه الكلمة أكثر من مرة في الخطاب)، برهانات جديدة ،فإنه لابأس من التذكير بأقوى ما ورد في الخطاب الملكي، مع طرح السؤال العريض على السيد رئيس الحكومة: ماذا أعددتم بهذا الشأن؟ لأن الملك يريد من خلال التعديل ” توفير أسباب النجاح لهذه المرحلة الجديدة، بعقليات جديدة، قادرة على الارتقاء بمستوى العمل، و على تحقيق التحول الجوهري الذي نريده”. كما أن “المرحلة الجديدة ستعرف إن شاء الله جيلا جديدا من المشاريع، ولكنها ستتطلب أيضا نخبة جديدة من الكفاءات في مختلف المناصب و المسؤوليات، وضخ دماء جديدة على مستوى المؤسسات و الهيئات السياسية والاقتصادية و الإدارية، بما فيها الحكومة”. لقد شرح الخطاب الملكي معطيات مغرب اليوم كما رسم ملامح “المرحلة الجديدة”، بحيث ورد في مقدمة الخطاب بأنه “صحيح أننا لم نتمكن أحيانا من تحقيق كل ما نطمح إليه، و لكننا اليوم أكثر عزما على مواصلة الجهود و ترصيد المكتسبات و استكمال مسيرة الإصلاح و تقويم الاختلالات التي أبانت عنها التجربة”، ليسترسل قائلا: “لقد انجزنا نقلة نوعية على مستوى البنيات التحتية….إلا أننا ندرك بأن البنيات التحتية، والإصلاحات المؤسسية، على أهميتها، لا تكفي وحدها” و”إن ما يؤثر على هذه الإصلاحات الإيجابية هو أن آثار هذا التقدم و هذه المنجزات لم تشمل، بما يكفي، مع الأسف جميع فئات المجتمع المغربي”، و”لن يهدأ لي بال حتى نعالج المعيقات و نجد الحلول المناسبة للمشاكل التنموية و الاجتماعية”. ولهذا كانت الدعوة إلى تجديد النموذج التنموي باعتباره مدخلا للمرحلة الجديدة التي قوامها “المسؤولية والإقلاع الشامل، والتي حددت رهانتها في أربعة هي: – توطيد الثقة و المكتسبات. – عدم الانغلاق على الذات. – التسريع الاقتصادي و النجاعة المؤسسية لبناء اقتصاد قوي و تنافسي. – العدالة الاجتماعية و المجالية لاستكمال بناء مغرب الأمل و المساواة للجميع. المغرب الذي لا مكان فيه للتفاوتات الصارخة و لا للتصرفات المحبطة و لا لمظاهر الريع وإهدار الوقت و الطاقات عبر “قطيعة نهائية ” مع هذه المظاهر. و بعدها جاء الحديث عن التعديل الحكومي. تعديل ليس من أجل التعديل. تعديل لمرافقة المرحلة الجديدة و رهاناتها. تعديل يبعث على الأمل. تعديل يعيد بعضا من الثقة في طبقة سياسية فقدت كثيرا من لمعانها و جاذبيتها..و يبعد عنها صورة طبقة متعطشة للسلطة و المال و الجاه assoiffée de pouvoir et d'argent. تعديل يقطع بالمعنى القطعي للقطيعة مع نظام حكامة Mode de Gouvernance بلغ مداه. تعديل يساهم في إعدام نظام تدبير و تسيير Mode de fonctionnement فقد كل شروط وجوده. تعديل يأتي فيه الوطن قبل الحزب و الجماعة والمصلحة و الفئة و اللوبي….la Patrie avant le Parti. تعديل يجعل مؤسسات البلاد كلها تمشي بنفس السرعة أو أقله بسرعات متقاربة. تعديل وظيفي اجرائي عملي ناجع وفعال، وليس حزبي تقني عددي. تعديل في العقليات و الممارسات. في السياسات العامة و العمومية. في الاختيارات الكبرى و القطاعية. تعديل.. قطيعة و ليس استمرارية. هل يتجه التعديل الجاري الآن نحو هذا الأفق؟. هل استوعب من وجه لهم الملك أمر التعديل كنه خطاب الملك حول التعديل و مهام و رهانات ما بعد التعديل؟. هل هناك انكباب على مضمون التعديل أكثر من شكلياته؟. لقد تضاءل منسوب الثقة بشكل رهيب. والناس تنتظر و ترقب بحذر كبير. فهل سنفتح أبواب أمل جديد؟؟؟ جواد شفيق/ فاس 14 شتنبر 2019.