هناك بعض القراءات المتسرعة والجاهزة، والتي لا تنفذ للمضمون، للخطاب الملكي الأخير بمناسبة ثورة الملك والشعب والتي مفادها أن الجامعة قد تخلت نهائيا عن وظيفتها التكوينية في تأطير الشباب لولوج سوق الشغل، وذلك انطلاقا مما جاء في ذات الخطاب من تأكيد على أهمية التكوين المهني وأن الحصول على الباكالوريا وولوج الجامعة ليس امتيازا. وفي هذا الاطار يمكن التأكيد أن الخطاب الملكي إذ أكد على أهمية التكوين المهني فإن ذلك لايشكل مسا لقيمة الجامعة ومكانتها. فالجامعة ليست معبرا سريعا لولوج سوق الشغل فقط ولكنها فضاء للمعرفة والتأطير وبناء الانسان وسقل مهارات تمكنه من القدرة على التفكير والنقد والتساؤل، بالإضافة إلى تمكينه طبعا من مؤهلات العمل بمفهوم الكسب والبناء والتطوير والتجديد وليس بمفموم الاسترزاق والحصول على مدخول معاشي فقط. لذلك لايمكن القول أن الجامعة لم تعد صالحة للتكوين ولكنها لم تعد كافية لإدماج الشباب في سوق الشغل بل وتحتاج إلى إصلاحات عميقة ولتمكينها من الموارد (البشرية والمالية والتقنية والتظيمية..) الكافية لمواكبتها للتطورات التكنولوجية والبيداغوجية والعلمية الكفيلة بإنتاج المعرفة كمحدد أساسي للإنتاج الاقتصادي والترقي الاجتماعي والمجتمعي.. فإعطاء الأولوية للتكوين المهني جاء في سياق الحديث عن ضرورة تأهيل العالم القروي أساسا وتمكين ساكنته من فضاءات للتأهيل في مختلف المهن والحرف التي تمكنهم من الاندماج الاجتماعي وتخطي الصعوبات التي يواجهها العيش في القرى وضواحي المدن أساسا بالاضافة لما يخوله من تكوينات مقاولاتية وإنتاجية، فهل مؤسسات التكوين المهني قادرة لوحدها على التكوين في باقي المجالات والتخصصات والمهن والعلوم التقنية و الاجتماعية والانسانية أم أن التكامل مع الجامعة هو واقع ينبغي تعزيزة وتكريسه وتنميته حتى ينعم الشباب بتكونات تقنية أو حرفية دون حرمانهم من الحق في المعارف الأكاديمية التي توفرها الجامعات والعكس صحيح، فالرهان اليوم هو القدرة على خلق مواطن قادر على الانتاج والتفكير والبناء والكسب وتطوير المعارف ونقدها وهي قدرات تتقاسمها لامحال الجامعة ومؤسسات التكوين المهني وفاعلون آخرون !